الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر خلافة الراضي بالله

هو أبو العباس أحمد بن المقتدر بالله ، ولما قبض القاهر سألوا الخدم عن المكان الذي فيه أبو العباس بن المقتدر ، فدلوهم عليه ، وكان هو ووالدته محبوسين ، فقصدوه ، [ ص: 20 ] وفتحوا عليه ودخلوا فسلموا عليه بالخلافة ، وأخرجوه وأجلسوه على سرير القاهر يوم الأربعاء لست خلون من جمادى الأولى ، ولقبوه بالراضي بالله ، وبايعه القواد والناس ، وأمر بإحضار علي بن عيسى وأخيه عبد الرحمن ، وصدر عن رأيهما فيما يفعله ، واستشارهما وأراد علي بن عيسى على الوزارة ، فامتنع لكبره ، وعجزه ، وضعفه ، وأشار بابن مقلة .

ثم إن سيما قال للراضي : إن الوقت لا يحتمل أخلاق علي ، وابن مقلة أليق بالوقت ، فكتب له أمانا وأحضره واستوزره ، فلما وزر ، أحسن إلى كل من أساء إليه ، وأحسن سيرته ، وقال : عاهدت الله عند استتاري بذلك ، فوفى به ، وأحضر الشهود والقضاة ، وأرسلهم إلى القاهر ; ليشهدوا عليه بالخلع ، فلم يفعل ، فسمل من ليلته ، فبقي أعمى لا يبصر .

وأرسل ابن مقلة إلى الخصيبي وعيسى المتطبب بالأمان ، فظهرا وأحسن إليهما ، واستعمل الخصيبي وولاه ، واستعمل الراضي بالله على الشرطة بدرا الخرشني ، واستعمل ابن مقلة أبا الفضل بن جعفر بن الفرات ، في جمادى الأولى ، نائبا عنه على سائر العمال بالموصل ، وقردى ، وبازبدي ، وماردين ، وطور عبدين ، وديار الجزيرة ، وديار بكر ، وطريق الفرات ، والثغور الجزرية والشامية ، وأجناد الشام ، وديار مصر ، يصرف من يرى ، ويستعمل من يرى في الخراج ، والمعاون ، والنفقات ، والبريد وغير ذلك .

وأرسل إلى محمد بن رائق يستدعيه ليوليه الحجبة ، وكان قد استولى على الأهواز [ ص: 21 ] وأعمالها ، ودفع عنها ابن ياقوت ، ( ولم يبق بيد ابن ياقوت ) من تلك الولاية إلا السوس ، وجنديسابور ، وهو يريد المسير إلى أصبهان أميرا عليها ، على ما ذكرناه ، وكان ذلك آخر أيام القاهر ، فلما ولي الراضي ، واستحضره ، سار إلى واسط ، وأرسل محمد بن ياقوت يخطب الحجبة ، فأجيب إليها ، فسار في أثر ابن رائق ، وبلغ ابن رائق الخبر ، فلم يقف وسار من واسط مصعدا إلى بغداذ يسابق ابن ياقوت ، فلما وصل إلى المدائن ، لقيه توقيع الراضي يأمره بترك دخول بغداذ ، وتقليده الحرب والمعاون بواسط ، مضافا إلى ما بيده من البصرة وغيرها ، فعاد منحدرا في دجلة ، ولقيه ابن ياقوت مصعدا فيها أيضا ، فسلم بعضهم على بعض ، وأصعد ابن ياقوت إلى بغداذ فتولى الحجبة على ما نذكره .

التالي السابق


الخدمات العلمية