الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) ندب ( وقوفه به ) أي بالهدي ( المواقف ) كلها وهي عرفة والمشعر الحرام ومنى ; لأنه يقف فيها عقب الجمرتين الأوليين ، فمصب الندب على الجميع فلا ينافي أن وقوفه بعرفة جزءا من الليل شرط وهذا فيما ينحر بمنى وأما ما ينحر بمكة فالشرط فيه [ ص: 86 ] الجمع بين الحل والحرم فقط ( و ) ندب ( النحر ) للهدي وكذا جزاء الصيد ( بمنى ) بالشروط الثلاثة الآتية هذا ظاهره لكن المعتمد وجوب النحر بمنى عند استيفاء الشروط فإن نحره بمكة مع استيفائها صح مع مخالفة الواجب وأشار للشروط بقوله ( إن كان ) سيق ( في ) إحرام ( حج ) ولو كان موجبه نقصا في عمرة أو كان تطوعا ( ووقف به هو ) أي ربه ( أو نائبه كهو ) أي كوقوفه في كونه لا بد أن يقف به جزءا من ليلة النحر واحترز بقوله ، " أو نائبه " عن وقوف التجار إذ ليسوا نائبين عنه إلا أن يشتريه منهم ويأذن لهم في الوقوف به عنه والشرط الثالث أن يكون النحر ( بأيامها ) أي منى لكن المعتمد أيام النحر إذ اليوم الرابع ليس محلا للنحر مع أنه من أيام منى فلو عبر بأيام النحر كان أولى ( وإلا ) بأن انتفت هذه الشروط أو شيء منها بأن ساقه في عمرة ، أو لم يقف به بعرفة ، أو خرجت أيام النحر ( ف ) محل نحره ( مكة ) وجوبا فلا يجزئ بمنى ولا غيرها ( وأجزأ ) النحر بها ( إن أخرج ) الهدي ( لحل ) ولو بالشراء منه إذ شرط كل هدي الجمع بين الحل والحرم وسواء كان المخرج له ربه ، أو غيره محرما ، أو حلالا ولذا بنى " أخرج " للمجهول وأما ما يذبح بمنى فالجمع فيه بين الحل والحرم ضروري إذ شرطه الوقوف به بعرفة وهي حل ، وشبه في الإجزاء قوله ( كأن وقف به ) أي بالهدي كان الواقف به ربه ، أو نائبه ( فضل مقلدا ) حال من ضمير الهدي تنازعه الفعلان قبله ( ونحر ) بمنى أيام النحر ، أو بمكة يعني وجده ربه منحورا فيجزيه فإن وجده منحورا في محل لا يجزئ النحر فيه ، أو لم يجده أصلا ولم يعلم هل نحر أم لا لم يجزه

التالي السابق


( قوله : فمصب الندب على الجميع ) نحوه في ح وتت وتعقبه ابن عاشر وطفى بأن كلام المؤلف لا يحتاج لتأويل بل هو على ظاهره من أن وقوفه به بكل موقف مستحب لأن وقوفه بعرفة جزءا من الليل إنما هو شرط لنحره بمنى وليس شرطا في كونه هديا بحيث لو ترك بطل كونه هديا ولا منافاة بين استحباب وقوفه بعرفة وبين كونه شرطا في نحره بمنى ; لأن النحر بمنى ليس بواجب بل إن شاء وقف به بعرفة [ ص: 86 ] ونحره بمنى ، وإن شاء لم يقف به ونحره بمكة قاله في المدونة ا هـ بن . ( قوله : الجمع بين الحل والحرم ) أي ولا يندب أن يقف به المواقف . ( قوله : وندب النحر للهدي ) أي سواء كان واجبا بأن كان لنقص أو كان تطوعا . ( قوله : بالشروط الثلاثة ) أي المشترطة في ذبحه بمنى لا في كونه هديا فإن ذبح بمنى مع فقد واحد منها لم يجز . ( قوله : لكن المعتمد إلخ ) وهو ما صرح به عياض في الإكمال ، وما قاله ح من الندب فغير ظاهر ولا دليل له في قول المدونة ومن وقف بهدي ، أو جزاء صيد أو متعة ، أو غيره بعرفة ، ثم قدم به مكة فنحره بها جاهلا أو ترك منى متعمدا أجزأه ا هـ ; لأن الإجزاء لا يدل على الندب ا هـ طفى .

( قوله : إن كان ) أي الهدي وكذا جزاء الصيد سيق في إحرام حج ، وقوله " ولو كان موجبه نقصا في عمرة " أي قدمها على ذلك الحج كانت في عامه ، أو في غيره . ( قوله : ووقف به ) أي ووقف به ربه المحرم بعرفة جزءا من ليلة النحر . ( قوله : أي كوقوفه ) أي كوقوف ربه وأشار الشارح بقوله أي كوقوفه إلى أن الكاف داخلة على مضاف مقدر فحذف فانفصل الضمير وليس كلام المصنف من القليل وهو جر الكاف للضمير . ( قوله : واحترز بقوله : أو نائبه إلخ ) أي كما احترز بقوله كهو عما إذا وقف به النائب بعرفة في غير ليلة النحر . ( قوله : أن يكون النحر بأيامها ) أي أن يكون أراد النحر في أيامها . ( قوله : في عمرة ) أي في إحرامها سواء كان نذرا ، أو جزاء صيد أو تطوعا ، أو عن نقص في حج . ( قوله : مكة ) أي البلد لا ما يليها من منازل الناس وأفضلها المروة { لقوله صلى الله عليه وسلم في المروة هذا المنحر وكل فجاج مكة - أي طرقها - منحر } فإن نحر خارجا عن بيوتها إلا أنه من لواحقها فالمشهور أنه لا يجزئ كما هو قول ابن القاسم وأما الذبح بمنى فالأفضل أن يكون عند الجمرة الأولى ولا يجوز النحر دون جمرة العقبة مما يلي مكة ; لأنه ليس من منى . ( قوله : فلا يجزئ بمنى ولا غيرها ) أي ويتعين ذبحه بمكة فإن لم يرد الذبح بها بأن حلف ليذبحنه بمنى ولم يقيد بهذا العام - والفرض أنه انتفى بعض شروط الذبح بها - صبر للعام القابل وذبح بمنى مع مراعاة شروط الذبح بها . ( قوله : وأجزأ إن أخرج لحل إلخ ) حاصله أن الهدي إذا فاته الوقوف بعرفة أو سيق في إحرام عمرة أو خرجت أيام منى وتعين ذبحه بمكة فلا يخلو إما أن يكون اشتراه صاحبه من الحل أو من الحرم فإن كان اشتراه من الحل فإدخاله للحرم أمر ضروري ; لأن الفرض تعين ذبحه بمكة فإن ذبحه في الحل فلا يجزئ وإن كان اشتراه من الحرم فلا بد أن يخرجه للحل من أي جهة كانت . ( قوله : إذ شرط كل هدي إلخ ) ولو كان تطوعا . ( قوله : كأن وقف به ) بفتح الهمزة أي كوقوفه به فكاف التشبيه داخلة على اسم تأويلا وبكسرها على أن " إن " شرطية وجوابها ما في الكاف من التشبيه لا يقال إن حرف الجر لا يدخل إلا على اسم صريح ، أو مؤول وما هنا ليس كذلك إذا كسرت الهمزة ; لأنا نقول هي داخلة على محذوف والتقدير كالحكم إن وقف به فضل مقلدا ونحر أجزأ . ( قوله : فضل ) أي بعد ذلك . ( قوله : تنازعه الفعلان ) أي فكل منهما يطلبه على أنه حال من الضمير المعمول له وهذا بناء على جواز التنازع في الحال وأما على منعه فهو من الحذف من الأول لدلالة الثاني ، أو العكس . ( قوله : ونحر ) أي لكونه مقلدا وأما لو ضل غير مقلد ووجده مذبوحا في محل يجزئ فيه الذبح أو في غيره فإنه لا يجزيه . ( قوله : فيجزيه ) أي ولو كان الذابح له نوى به الهدي عن نفسه . ( قوله : فإن وجده منحورا في محل لا يجزئ إلخ ) أي كأن وجده منحورا بغيرهما من الأماكن . ( قوله : ولم يعلم إلخ ) جملة حالية مقيدة لعدم الإجزاء إذا ضل ولم يجده أصلا أي وأما إن لم [ ص: 87 ] يجده أصلا مع تحقق نحره ولا يدري مع ذلك في أي محل نحر كما لو أخبره شخص بأنه نحر وذهل ربه عن سؤاله في أي محل نحر فظاهر كلام المصنف أنه يجزئ ولو ضل قبل الوقوف به ووجده قد ذبح بمكة أجزأ حيث جمع فيه بين الحل والحرم بأن ضل في الحل وأما إن لم يجمع فلا يجزئ كما أنه لا يجزئ إذا ضل قبل الوقوف ووجده مذبوحا بمنى إلا أن يعلم أن الذي أصابه وقف به ، وإلا أجزأه ; لأنه صدق عليه أنه وقف به نائبه حكما .




الخدمات العلمية