الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) رد ( الحرام كخمر ) وخنزير ( ومغصوب ) علم به الزوج علمت هي أم لا ومسروق كذلك ( وإن ) كان الحرام ( بعضا ) أي بعضه حرام وبعضه غير حرام كخمر وثوب وينفذ الخلع ويرد المغصوب لربه ويراق الخمر ويقتل الخنزير وقيل يسرح ( ولا شيء له ) أي للزوج على الزوجة في نظير الحرام كلا أو بعضا ( كتأخيرها دينا ) تشبيه في قوله رد ولا شيء له أي كما لو خالعته بدين حال ( عليه ) أي على زوجها فإن التأخير يرد لأنه سلف جر نفعا لها وهي العصمة وبانت ولا شيء له عليها وتأخذ منه الدين حالا ومثله سلفها له ابتداء أو تعجيلها دينا له عليها ( و ) كمخالعتها على ( خروجها من مسكنها ) الذي طلقها فيه فإنه يرد بأن ترد الزوجة له لأنه حق لله لا يجوز لأحد إسقاطه وبانت منه ولا شيء عليها للزوج اللهم إلا أن يريد أنها تتحمل بأجرة المسكن زمن العدة من مالها فيجوز ( و ) كمخالعتها على ( تعجيله لها ما ) أي دينا عليه ( لا يجب ) عليها ( قبوله ) قبل أجله بأن كان طعاما أو عرضا من بيع فيرد ويبقى إلى أجله لأنها حطت عنه الضمان على أن زادها العصمة ( وهل كذلك ) يمنع ويرد الدين إلى أجله ويكون الطلاق بائنا ( إن وجب ) عليها قبوله قبل أجله كالعين والعرض والطعام [ ص: 351 ] من قرض لا من عجل ما أجل عد مسلفا وقد انتفع بإسقاط النفقة عنه في العدة أو انتفع بإسقاط سوء الخصومات وسوء الاقتضاءات عن نفسه أي لاحتمال عسره عند الأجل فيؤدي إلى ذلك ( أو لا ) يمنع ولا يرد الدين إلى أجله ويكون الطلاق رجعيا لأنه كمن طلق وأعطى ( تأويلان ) أوجههما الثاني لأن ما يجب قبوله لا يعد تعجيله سلفا عند أهل العلم ، ودفع سوء الخصومات في قدرته إذ لو عجله وجب قبوله ، وإسقاط نفقة العدة في قدرته بأن يطلقها بلفظ الخلع وقوله ( وبانت ) الزوجة منه حيث وقع بعوض ثم العوض للزوج أم لا بل ( ولو بلا عوض ) إن ( نص عليه ) أي على لفظ الخلع فالمصنف سقط منه أداة الشرط ( أو على الرجعة ) عطف على قوله بلا عوض أي بانت منه ولو وقع بلا عوض أو بعوض ونص على الرجعة بأن قال طلقت طلقة رجعية وكذا إذا تلفظ بالخلع ونص على الرجعة لا يقع إلا بائنا ( كإعطاء مال ) لزوجها ( في العدة ) من طلاقها الرجعي ( على نفيها ) أي الرجعة أي على أنه لا يراجعها فقبل ذلك فتبين أي يقع عليه طلقة أخرى بائنة ( كبيعها ) أي بيع الزوج لزوجته في مجاعة أو غيرها ( أو تزويجها ) أي تزويجه إياها لشخص فإنها تبين منه ولو وقع ذلك منه هزلا وينكل نكالا شديدا ( والمختار نفي اللزوم ) أي لزوم الطلاق ( فيهما ) أي في البيع والتزويج ضعيف والمذهب الأول ( و ) بانت بكل ( طلاق حكم به ) [ ص: 352 ] أوقعته الزوجة أو الحاكم ( إلا ) إذا حكم به ( لإيلاء أو عسر بنفقة ) فرجعي ولو قال وعدم نفقة لشمل من غاب موسرا ولم يترك عندها ما لا تنفق منه ولم تجد مسلفا فطلق الحاكم عليه وقدم في العدة فله رجعتها ( لا إن ) طلق رجعيا و ( شرط ) عليه ( نفي الرجعة بلا عوض ) فيستمر رجعيا ولا تبين وشرط مبني للمفعول فيشمل شرطه وشرطها ( أو طلق ) وأعطى ( أو صالح ) زوجته على مال عليه لها مقرا أو منكرا ( وأعطى ) لها شيئا من عنده .

التالي السابق


( قوله ورد الحرام إلخ ) أشار الشارح بتقدير رد إلى أن الحرام عطف على نائب فاعل رد وفيه أن هذا غير صحيح إذ رد الزوج الحرام للمخالعة غير جائز لأن الخمر يراق والخنزير يسرح على قول ويقتل على آخر وأجاب ابن غاز بأنه عطف على نائب فاعل رد ، لكن الفاعل المراد هنا ليس هو الزوج حتى يلزم ما ذكر بل الشرع أي ورد الشرع العوض الحرام والمراد برده الحرام فسخ عقده . وحاصله أن الخلع إذا وقع بشيء حرام سواء كانت حرمته أصلية كخمر وخنزير كان كله حراما أو بعضه كخمر وثوب أو كانت حرمته عارضة كمغصوب ومسروق وأم ولد كطلق زوجتك وأنا أعطيك أم ولدي فإن الخلع ينفذ ويكون طلاقا بائنا ويرد الحرام فإن كان مغصوبا أو مسروقا أو أم ولد رد إلى ربه وإن كان خمرا أريق ولا تكسر أوانيه على المعتمد لأنها تطهر بالجفاف وإن كان خنزيرا قتل على ما في سماع ابن القاسم وهو المعتمد وقيل إنه يسرح ولا يلزم الزوجة للزوج شيء في نظير الحرام كلا أو بعضا سواء كانت حرمته أصلية كالخمر والخنزير أو عارضة كالمسروق والمغصوب إذا كان الزوج عالما بالحرمة علمت هي أيضا أم لا أما لو علمت بالحرمة فقط فلا يلزمه الخلع كما مر وإن جهلا الحرمة ففي الخمر لا يلزمها شيء ، وأما المغصوب والمسروق فكالمستحق يرجع عليها بقيمته إن كان معينا وبمثله إن كان موصوفا .

( قوله ويراق الخمر ) أي ولا تكسر أوانيه لأنها مال لمسلم . ( قوله في نظير الحرام ) سواء كانت حرمته أصلية كالخمر والخنزير أو عارضة كالمغصوب والمسروق على التفصيل المتقدم ( قوله كتأخيرها إلخ ) إنما أتى بالكاف ولم يعطفه بالواو على الحرام لينبه على أن الحرمة في المشبه وهو مدخول الكاف ليست باتفاق بخلاف المشبه به فإنها باتفاق . ( قوله تشبيه في قوله رد إلخ ) الأحسن أن يقول تشبيه بالحرام في الرد ولا شيء للزوج ( قوله كما لو خالعته بدين إلخ ) أي بتأخير دين حال عليه ( قوله لأنه سلف جر نفعا لها ) أي لأن من أخر ما عجل عد مسلفا ( قوله أو تعجيلها دينا له عليها ) أي لأن من عجل ما أجل عد مسلفا كمن أخر ما عجل فإذا عجلت ما له عليها من الدين المؤجل كانت مسلفة له وقد انتفعت بالعصمة ( قوله فإنه ) أي بخروجها من المسكن يرد ( قوله لأنه ) أي ردها إليه وإقامتها فيه إلى انقضاء العدة ( قوله إلا أن يريد ) أي بخروجها من المسكن ( قوله من بيع ) ، وأما من قرض فيجب قبولها وحاصل ذلك أن الدين إذا كان عرضا أو طعاما وكان كل منهما مؤجلا سواء كان مسلما فيه أو كان ثمن سلعة فالحق في الأجل لمن هو له فإن عجله من هو عليه فلا يلزم من هو له قوله ، وأما لو كان كل من الطعام والعرض دينا من قرض فالحق في الأجل لمن هو عليه فإذا عجله قبل أجله لزم من هو له قبولا ، وأما العين إذا كانت دينا من بيع أو قرض فإن اشترط دفعها في البلد فالحق لمن هي عليه فمتى أتى بها في البلد أجبر ربها على قبولها سواء كانت حالة أو مؤجلة وإن كان مشترطا دفعها في غير بلد التقاضي فإن كانت حالة وأراد من هي عليه دفعها في البلد أجبر ربها على قبولها إن كانت الطريق مأمونة وإلا فلا وإن كانت مؤجلة فلا يلزم ربها قبولها مطلقا أي كانت الطريق مأمونة أو مخوفة .

( قوله فيرد ) أي المال الذي أخذته منه إليه ويبقى في ذمتها إلى أجله ويمضي الخلع ( قوله لأنها حطت إلخ ) أي فيكون من باب حط [ ص: 351 ] الضمان وأزيدك ( قوله من قرض ) راجع للعرض والطعام ( قوله بإسقاط النفقة عنه في العدة ) أي لأنه على تقدير أن لو طلقها رجعيا بلا خلع لزمته نفقتها في العدة ( قوله في قدرته إلخ ) أي وإذا كان ذلك في قدرته بغير تعجيل المؤجل فلا يقال إنه انتفع به إذ لا يقال إلا إذا كان ليس له طريق إلا تعجيل المؤجل فتأمل ( قوله ، وقوله ) مبتدأ ، وقوله تم العوض هذا دال على الخبر وكأنه قال ، وقوله وبانت الزوجة منه إذا وقع في مقابلة عوض شامل لما إذا تم له العوض أم لا . ( قوله أم لا ) أي بأن كان خمرا أو مغصوبا ( قوله ولو بلا عوض ) مبالغة في بينونة المختلعة أي وبانت المختلعة هذا إذا كان الخلع ملتبسا بعوض بل وإن كان ملتبسا بلا عوض ، وقوله إن نص عليه شرط فيما بعد المبالغة وقرر بعضهم أن قوله ولو بلا عوض باؤه للملابسة متعلق بنص وضمير عليه للخلع أي وبانت المختلعة هذا إذا لم ينص على الخلع بل ولو نص على الخلع حالة كونه ملتبسا بلا عوض كما لو قال لها خالعتك فإنه قد نص على الخلع من غير أن يذكر عوضا فيلزمه الطلاق البائن ومثل لفظ الخلع في لزوم البينونة به ولو بلا عوض لفظ الصلح والإبراء والافتداء كما إذا قال لها صالحتك أو أنا مصالح لك أو أنت مصالحة أو أنا مبريك أو أنت مبرأة أو أنا مفتد منك أو أنت مفتداة مني قال شيخنا العدوي الظاهر أن مثل هذه الألفاظ أنت بارزة عن ذمتي أو عن عصمتي أو أنت خالصة مني أو خالصة من عصمتي أو لست لي على ذمة كذا قرره رحمه الله ( قوله عطف على قوله بلا عوض ) أي ولا يصح عطفه على قوله عليه لاقتضاء ذلك أنه إذا وقع بغير عوض مع التنصيص على الرجعة يكون بائنا وليس كذلك ( قوله بأن قال ) أي بعد أن أخذ العوض طلقت إلخ ( قوله كإعطاء مال ) أي أو إبراء مما لها عليه ( قوله وكذا إذا تلفظ بالخلع ) أي بأن قال خالعتك ولي عليك الرجعة ( قوله أي يقع عليه طلقة أخرى بائنة ) أي بقبول المال على عدم الرجعة ، وهذا قول مالك وابن القاسم وذلك لأن عدم الارتجاع الذي قبل المال لأجله ملزوم للطلاق البائن ومتى حصل الملزوم حصل اللازم وهو الطلاق البائن فالطلاق الذي أنشأه الآن وقبوله المال غير الطلاق الذي حصل منه أولا إذ الحاصل منه أولا رجعي ، وهذا الذي أنشأه بقبول المال البائن وعن ابن وهب أنها تبين بالأولى فتنقلب الأولى بائنا قال أشهب لا يلزمه بقبول المال شيء وله الرجعة ويرد لها مالها وكلا القولين ضعيف والمعتمد قول مالك وابن القاسم إن قلت هو ظاهر إن وقع القبول باللفظ بأن قال قبلت هذا المال على عدم الرجعة ، وأما إن وقع القبول بغير اللفظ بأن أخذ المال وسكت فهو مشكل إذ كيف يقع الطلاق بغير اللفظ وقد يجاب بأن ما يقوم مقام اللفظ في الدلالة على القبول كالسكوت منزل منزلة اللفظ لقول المصنف الآتي وكفت المعاطاة .

( قوله أي بيع الزوج لزوجته أو تزويجها أي تزويجه إياها ) أي ولو كان جاهلا بالحكم فلا يعذر بجهله كما قرر شيخنا ومثل بيعه وتزويجه لها ما لو بيعت الزوجة أو زوجت والزوج حاضر ساكت فإنها تبين أيضا ، وأما إن فعل ذلك بحضرته ثم أنكره فلا تطلق عليه ا هـ عدوي ( قوله ولو وقع ذلك منه هزلا ) أي هذا إذا فعل ذلك جدا بل ولو فعله هزلا وفيه نظر لنقل المواق عن المتيطي قال ابن القاسم من باع امرأته أو زوجها هازلا فلا شيء عليه ويحلف الهازل أنه لم يرد طلاقها ومثله في العتبية من سماع ابن القاسم في طلاق السنة ا هـ بن فعلم منه أن الخلاف بين مختار اللخمي وبين غيره إذا كان غير هازل ، وأما إذا كان هازلا فلا شيء عليه اتفاقا ( قوله وينكل نكالا شديدا ) أي ولا يمكن من تزويجها ولا من تزويج غيرها حتى تعرف توبته وصلاحه مخافة أن يبيعها ثانيا ( قوله حكم به ) أي بإنشائه لكعيب أو إضرار أو نشوز أو فقد أما إذا حكم بصحته أو لزومه فإنه يبقى على أصله من بائن أو رجعي فإذا طلق زيد زوجته وادعى أنه مجنون وشهدت البينة أنه كان عاقلا فحكم بصحة [ ص: 352 ] الطلاق أو قيل له طلاق السفيه غير لازم مثل نكاحه فحكم بلزومه فذلك الطلاق باق على أصله من رجعي أو بائن .

( قوله أوقعته الزوجة أو الحاكم ) ، وأما لو أوقعه الزوج فإنه يكون رجعيا ولو جبره القاضي على إيقاعه وحكم ببينونته بأن قال حكمت بأنه بائن ا هـ تقرير عدوي ( قوله لا إن شرط إلخ ) مثل ذلك ما لو قال لها أنت طالق طلقة لا رجعة فيها أو لا رجعة بعدها فهي رجعية ا هـ تقرير عدوي ( قوله وأعطى ) أي بأن طلقها وأعطاها مائة من عنده فإنه يكون رجعيا ( قوله أو صالح وأعطى ) أي أنه وقع الصلح على ما تدعيه عليه وأعطاها القدر المصالح به كما إذا ادعت عليه بعشرة فصالحها على خمسة دفعها لها وتركت له خمسة ليست في مقابلة شيء ثم طلقها فإنه والحالة هذه يقع الطلاق رجعيا لأن ما تركته من دينها ليس في مقابلة العصمة وما أخذته فهو صلح عن بعض دينها ، وهذا الحل لتت وتبعه فيه خش وعبق ( قوله وأعطى لها شيئا من عنده ) أي وهو القدر المصالح به




الخدمات العلمية