الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( واتبع ) وجوبا ( شرطه ) أي الواقف ( إن جاز ) شرعا ومراده بالجواز ما قابل المنع فيشمل المكروه ولو متفقا على كراهته فإن لم يجز لم يتبع ومثل للجائز بقوله ( كتخصيص مذهب ) من المذاهب الأربعة بصرف غلته عليه ، أو بالتدريس في مدرسته ( أو ناظر ) معين وله عزل نفسه فيولي صاحبه من شاء إن كان حيا ، وإلا فالحاكم فإن لم يجعل ناظرا فإن كان المستحق معينا رشيدا فهو الذي يتولى أمر الوقف ، وإن كان غير رشيد فوليه ، وإن كان المستحق غير معين كالفقراء فالحاكم يولي عليه من شاء وأجرته من ريعه وكذا إن كان الوقف على كمسجد ( أو ) [ ص: 89 ] كشرط ( تبدئة فلان بكذا ) من غلته أو إعطائه كذا كل شهر مثلا فيعطى ذلك مبدأ على غيره ( وإن من غلة ثاني عام ) حيث لم يف ما حصل في العام الأول بحقه المعين له ( إن لم يقل ) أعطوه كذا ( من غلة كل عام ) فإن قال ذلك فلا يعطى من ريع المستقبل عن الماضي إذا لم يف بحقه ; لأنه أضاف الغلة إلى كل عام ( أو ) شرط ( أن من احتاج من المحبس عليه ) إلى البيع من الوقف ( باع ) فيعمل بشرطه وكذا إن شرط ذلك لنفسه ولا بد من إثبات الحاجة والحلف عليها إلا أن يشترط الواقف أنه يصدق بلا يمين ( أو ) شرط في وقفه أنه ( إن تسور عليه قاض أو غيره ) من الظلمة ( رجع له ) ملكا إن كان حيا ( أو لوارثه ) يوم التسور ملكا عمل بشرطه ( كعلى ولدي ولا ولد له ) حين التحبيس فيرجع له ، أو لوارثه ملكا له بيعه وإن لم يحصل له يأس من الولد عند مالك وعليه فإن غفل عنه حتى حصل له ولد تم الوقف ومثله على ولد فلان ولا ولد له ( لا ) يتبع ( شرط إصلاحه ) أي الوقف ( على مستحقه ) لعدم جوازه ويلغى الشرط والوقف صحيح ويصلح من غلته ( كأرض موظفة ) أي عليها مغرم للحاكم الظالم وشرط واقفها أن التوظيف على الموقوف عليه فيلغى الشرط والوقف صحيح والتوظيف من غلتها فقوله [ ص: 90 ] ( إلا من غلتها ) راجع للمسألتين أي فيجوز ( على الأصح ) وقيل لا يجوز ( أو ) شرط ( عدم بدء بإصلاحه ) فلا يتبع شرطه لأنه يؤدي إلى إبطال الوقف من أصله بل يبدأ بمرمته لتبقى عينه ( أو ) شرط عدم بدء ( بنفقته ) فيما يحتاج لنفقة كالحيوان فيبطل شرطه وينفق عليه من غلته .

التالي السابق


( قوله : واتبع شرطه إن جاز ) أي واتبع شرطه بلفظه ولو في كتاب وقفه إن كان جائزا كشرطه أن لا يزيد على كراسين في تغييره الكتاب فإن احتيج للزيادة جازت مخالفة شرطه بالمصلحة ; لأن القصد الانتفاع كما في ح فإن شرط أن لا يغير إلا برهن فالشرط باطل والرهن لا يصح ; لأن المستعير - حيث كان أهلا لذلك - أمين فلا يضمن ويقبل قوله : إن لم يفرط فليست عارية حقيقة كما في السيد عن ح فإن أريد بشرط الرهن التذكرة للرد عمل به . ( قوله : ولو متفقا على كراهته ) أي كفرش المسجد بالبسط فإذا شرط واقف المسجد ذلك اتبع شرطه وكأضحيته عنه كل عام بعد موته . ( قوله : فإن لم يجز ) أي اتفاقا وأما المختلف في حرمته كشرطه إن وجد ثمن رغبة بيع واشتري غيره كاشتراط إخراج البنات من وقفه إذا تزوجن فهذا لا يجوز الإقدام عليه ، وإذا وقع مضى هذا ما تحصل من نقل ح ا هـ بن . ( قوله : كتخصيص مذهب ) أي كتخصيص أهل مذهب معين لصرف غلة وقفه عليهم ، أو بالتدريس في مدرسته فلا يجوز العدول عنهم لغيرهم . ( قوله : أو ناظر معين ) أي بأن شرط الواقف أن يكون فلان ناظر وقفه فيجب اتباع شرطه ولا يجوز العدول عنه لغيره وليس له الإيصاء بالنظر لغيره إلا أن يجعل له الواقف ذلك وحيث لم يكن له إيصاء به فإن مات الناظر - والواقف حي - جعل النظر لمن شاء فإن مات فوصيه إن وجد ، وإلا فالحاكم انظر ح والظاهر أنه ليس من الوصية فراغه صورة لشخص ويريد أن لا يتصرف فيه إلا بعد موته فلا يلزمه ذلك ولا يكون وصية وثمرة ذلك تظهر في موضوع ما إذا جعل له الواقف الإيصاء بالنظر انظر البدر القرافي . ( قوله : وله عزل نفسه ) أي للناظر عزل نفسه ولو ولاه الواقف . ( قوله : وإلا فالحاكم ) الأولى وإلا فوصيه إن كان ، وإلا فالحاكم .

( تنبيه ) ذكر البدر القرافي أن القاضي لا يعزل ناظرا إلا بجنحة وللواقف عزله ولو لغير جنحة وفيه أيضا أن للقاضي أن يجعل للناظر شيئا من الوقف إذا لم يكن له شيء ، وإفتاء ابن عتاب - بأن الناظر لا يحل له أخذ شيء من غلة الوقف بل من بيت المال إلا إذا عين الواقف له شيئا - ضعيف . ( قوله : فإن لم يجعل ناظرا ) أي فإن لم يجعل الواقف لوقفه ناظرا . ( قوله : وأجرته ) أي ويجعل له أجرة من ريعه . ( قوله : وكذا إن كان الوقف على كمسجد ) أي فإن الحاكم يولي عليه من شاء أي ممن يرتضيه إن لم يكن الواقف حيا ، ولا وصي له واعلم أنه إذا مات الواقف وعدم كتاب [ ص: 89 ] الوقف قبل قول الناظر إن كان أمينا ، وإذا ادعى الناظر أنه صرف الغلة صدق إن كان أمينا أيضا ما لم يكن عليه شهود في أصل الوقف لا يصرف إلا بمعرفتهم ، وإذا ادعى أنه صرف على الوقف مالا من ماله صدق من غير يمين إلا أن يكون متهما فيحلف ولو التزم حين أخذ النظر أن يصرف على الوقف من ماله إن احتاج لم يلزمه ذلك وله الرجوع بما صرفه وله أن يقترض لمصلحة الوقف من غير إذن الحاكم ويصدق في ذلك ا هـ شب . ( قوله : كشرط تبدئة فلان إلخ ) كأن يقول : يبدأ فلان من غلة وقفي كل سنة ، أو كل شهر بكذا . ( قوله : أو إعطائه كذا كل شهر ) أي من غلة الوقف وأشار الشارح بهذا إلى أن أعطوا فلانا مثل ابدءوا فلانا . ( قوله : وإن من غلة ثاني عام ) أي بأن يعطى له عن العام الأول من غلة الثاني وكذا عكسه بأن لم يوجد في ثاني عام غلة فيعطى من فاضل غلة العام الأول كما في بن عن المدونة . ( قوله : حيث لم يف ) أي بأن لم يحصل في العام الأول غلة أصلا ، أو حصل ما لا يفي بحقه . ( قوله : فإن قال ذلك ) أي وجاءت سنة لم يحصل فيها شيء فلا يعطى إلخ . ( قوله : أو أن من احتاج إلخ ) اعلم أن الاحتياج شرط لجواز اشتراط البيع لا لصحة اشتراطه إذ يصح شرط البيع بدون قيد الاحتياج ، وإن كان لا يجوز ابتداء .

والحاصل أنه لو شرط أن للمحبس عليه أن يبيع نصيبه من الوقف ولو من غير حاجة فإنه لا يجوز ، وإن كان يعمل بالشرط بعد الوقوع فالاحتياج ليس شرطا في صحة شرط البيع بل في جواز اشتراطه وجواز البيع . ( قوله : وكذا إن شرط ذلك لنفسه ) أي أنه إن احتاج باع فيعمل بشرطه . ( قوله : ولا بد من إثبات الحاجة ) أي حاجة المحبس عليه وحاجة المحبس ( قوله : أو إن تسور عليه قاض ) أي تسلط عليه بما لا يحل شرعا . ( قوله : كعلى ولدي إلخ ) هذا تشبيه في رجوع الوقف ملكا له ولوارثه وقوله : كعلى ولدي أي ومثله ما إذا قال وقف على من سيولد لي . ( قوله : له بيعه ) أي من الآن . ( قوله : عند مالك ) أي خلافا لابن القاسم القائل إنه لا يكون ملكا إلا إذا حصل له يأس من الولد فيوقف أمر ذلك الحبس للإياس .

والحاصل أنه إذا قال وقف على ولدي ولا ولد له ، أو على من سيولد لي فالمسألتان فيهما خلاف فمالك يقول الوقف ، وإن كان صحيحا إلا أنه غير لازم كغلته إلى أن يوجد فيلزم فيعطاها وعليه فللواقف بيع ذلك الوقف الآن قبل ولادة المحبس عليه وقال ابن القاسم الوقف لازم بمجرد عقده وإنه لا يكون ملكا إلا إذا حصل يأس من الولد فيوقف أمر ذلك الحبس للإياس قالشب ويبقى النظر على قول ابن القاسم في غلته هل توقف فإن ولد له كانت الغلة له كالحبس وإلا فللمحبس أولا توقف فيأخذها المحبس حتى يولد له فتعطى له من وقت الولادة ا هـ والظاهر أنها توقف كما صرح به اللقاني وظاهر المصنف المشي على قول مالك حيث لم يقيد باليأس كما قيد به ابن القاسم ومحل الخلاف إذا لم يكن قد ولد له سابقا أما إن كان قد ولد له فإنه ينتظر بلا نزاع قاله الشيخ أحمد الزرقاني . ( قوله : لعدم جوازه ) أي لأنه كراء مجهول إذ لا يدرى بكم يكون الإصلاح . ( قوله : ويلغى الشرط والوقف صحيح ) أي لأن البطلان منصب على الشرط لا على الوقف .

وذكر شيخنا هنا ما نصه : ( فرع ) يجوز للناظر تغيير بعض الأماكن لمصلحة كتغيير الميضأة ونقلها لمحل آخر وأولى تحويل باب مثلا من مكان لمكان آخر مع بقاء المكان ذي البناء على حاله . ( قوله : ويصلح من غلته ) فإن أصلح من شرط عليه الإصلاح رجع بما أنفق لا بقيمته منقوضا . ( قوله : كأرض موظفة ) التوظيف شيء من الظلم كالمكس يؤخذ كل سنة على الدار كما في بعض البلاد أن كل عتبة عليها دينار وحاصله أنه إذا وقف دارا عليها توظيف واشترط الواقف أن التوظيف يدفعه الموقوف عليه لا من غلتها فإن الشرط يكون باطلا والوقف صحيح ويدفع التوظيف من غلتها [ ص: 90 ] قوله : إلا من غلتها ) أي إلا إذا شرط المحبس أن إصلاحها من غلتها ، أو أن ما عليها من التوظيف يدفع من غلتها فإنه يجوز ذلك على الأصح وقيل لا يجوز فإن قيل الإصلاح من غلتها ، وإن لم يشترط الواقف ذلك فاشتراطه لم يزد شيئا فلم قيل بعدم الجواز ، والجواب أن محل الخلاف إذا اشترط الواقف أن الإصلاح ، أو التوظيف على المحبس عليه ويحاسب به من أصل الغلة وأما لو شرط الواقف أن الإصلاح والتوظيف من الغلة ابتداء فالظاهر أنه لا خلاف في الجواز ا هـ خش .

( قوله : أو عدم بدء بإصلاحه ) عطف على " إصلاحه " وأما قوله : أو نفقته فهو عطف على " إصلاحه " الذي بلصقة له كما أشار الشارح وأشار الشارح بقوله فيما يحتاج لنفقة إلى أن قوله أو نفقته من عطف المغاير وأن المراد بالإصلاح غير النفقة على الحيوان كالترميم فلا يقال : إن النفقة على الحيوان من جملة إصلاحه فهو من عطف الخاص على العام بأو وهو لا يجوز .

وحاصل كلام المصنف أنه لو شرط الواقف أنه يبدأ من غلته بمنافع أهله ويترك إصلاح ما تهدم منه ، أو يترك الإنفاق عليه إذا كان حيوانا بطل شرطه وتجب البداءة بمرمته والنفقة عليه من غلته لبقاء عينه .




الخدمات العلمية