الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم شرع يتكلم على بعض أشياء توجب الضمان فقال ( كطبيب جهل ) التشبيه في الضمان أي أن الطبيب في زعمه إذا جهل علم الطب في الواقع ( أو ) علم و ( قصر ) في المعالجة حتى مات المريض بسبب ذلك ، فإنه يضمن والضمان على العاقلة في المسألتين إلا فيما دون الثلث ففي ماله كما في النقل ; لأنه خطأ ومفهوم الوصفين أنه إذا لم يقصر وهو عالم أنه لا ضمان عليه بل هدر ( أو ) داوى ( بلا إذن معتبر ) بأن كان بلا إذن أصلا أو بإذن غير معتبر شرعا كأن داوى صبيا بإذنه ، فإنه يضمن ولو علم ولم يقصر ( ولو ) ( إذن عبد بفصد أو حجامة أو ختان ) فيضمن ما سرى ; لأن إذنه غير معتبر ( وكتأجيج نار في يوم عاصف ) أي شديد الريح فأحرقت شيئا [ ص: 356 ] فيضمن المال في ماله والدية على عاقلته إلا أن يكون في مكان بعيد لا يظن فيه الوصول إلى المحروق عادة فلا ضمان ( وكسقوط جدار ) على شيء فأتلفه فيضمن صاحبه بشروط ثلاثة أشار لها بقوله ( مال ) بعد أن كان مستقيما ( وأنذر صاحبه ) بأن قيل له : أصلح جدارك ويشهد عليه بذلك عند حاكم أو جماعة المسلمين ولو مع إمكان حاكم كما للجيزي ( وأمكن تداركه ) بأن يتسع الزمان الذي يمكن الإصلاح فيه ولم يصلح فيضمن المال والدية في ماله ومفهوم مال أنه لو بناه مائلا ابتداء فسقط على شيء أتلفه لضمن بلا تفصيل ، ومفهوم أنذر أنه إذا لم ينذر أي مع الإشهاد فلا ضمان عليه إلا أن يعترف بذلك مع تفريطه فيضمن ، وخرج بقوله صاحبه المرتهن والمستعير والمستأجر فلا يعتبر فيهم الإنذار إذ ليس لهم هدم ومفهوم أمكن تداركه أنه إذا لم يمكن بأن سقط قبل زمن يمكن فيه التدارك لم يضمن ( أو ) ( عضه فسل يده فقلع أسنانه ) فيضمن الدية في ماله وهذا إن قصد بسل يده قلعها .

وأما إن قصد تخليص يده أو لا قصد له فلا ضمان وهو محمل الحديث هذا هو الراجح ( أو ) ( نظر له من كوة ) أو غيرها كباب ( فقصد عينه ) أي رماها بحجر ونحوها ففقأها ضمن يعني اقتص منه على المعتمد لا ضمن الدية كما هو مقتضى عطفه على ما قبله ( وإلا ) يقصد بالرمي عينه بل قصد زجره ( فلا ) ضمان بمعنى لا قود فلا ينافي أن عليه الدية لكن على العاقلة على المعتمد ( كسقوط ميزاب ) متخذ للمطر على شيء فأتلفه من نفس أو مال فلا ضمان على ربه أصلا مطلقا بل هدر ومثله الظلة قال المصنف وينبغي أن يقيد عدم الضمان بما في مسألة الجدار ( أو بغت ) بفتح الغين المعجمة فعل ماض و ( ريح ) فاعله أي فجأ ويجوز إسكانها على أنه [ ص: 357 ] مصدر مجرور وريح مضاف إليه ( لنار ) أوقدها إنسان في وقت لا ريح فيه فأصابها الريح بغتة فرفعها إلى شيء فتلف فلا ضمان ; لأنه غير متعد ( كحرقها ) أي النار شخصا ( قائما لطفئها ) خوفا على زرع أو نفس أو مال فهدر وظاهره سواء كان فاعلها يضمن ما أتلفت كما إذا أججها في يوم عاصف أم لا وهو ظاهر حل البساطي

التالي السابق


( قوله : في زعمه ) أشار بهذا الدفع إلى ما يقال : إن في كلامه تنافيا إذ مقتضى كونه طبيبا أن يكون عالما بالطب لا جاهلا به ( قوله : إذا جهل علم الطب في الواقع ) أي وعالج مريضا فمات بسبب معالجته ( قوله أو قصر في المعالجة ) أي كأن أراد قلع سن فقلع غيرها خطأ أو تجاوز بغير اختياره الحد المعلوم في الطب عند أهل المعرفة كأن زلت أو ترامت يد خاتن أو سقى عليلا دواء غير مناسب للداء معتقدا أنه يناسبه وقد أخطأ في اعتقاده ( قوله : فإنه يضمن ) إنما لم يقتص من الجاهل ; لأن الفرض أنه لم يقصد ضررا وإنما قصد نفع العليل أو رجا ذلك وأما لو قصد ضرره ، فإنه يقتص منه والأصل عدم العداء إن ادعى عليه ذلك ( قوله : كما في النقل ) فيه أن الذي يفيده النقل أن في كل من الجاهل والمقصر قولين قيل : الضمان عليه لا على عاقلته وقيل : إن الضمان على العاقلة انظر بن ( قوله : إذا لم يقصر وهو عالم ) أي بأن فعل ما يناسب المرض في الطب ولكن نشأ عنه عيب أو تلف ( قوله : بأن كان بلا إذن أصلا ) كما لو ختن صغيرا قهرا عنه أو كبيرا وهو نائم أو أطعم مريضا دواء قهرا عنه فنشأ عن ذلك تلف .

{ تنبيه } مثل المداواة بلا إذن معتبر في الضمان أذن الرشيد في قتله لانتقال الحق لوليه لا إن أذن في جرحه أو إتلاف ماله فلا ضمان إلا الوديعة إذا أذن ربها من هي عنده في إتلافها ، فإنه يضمن إذا أتلفها لالتزامه حفظها بالقبول ( قوله : أو ختان ) أي فنشأ من ذلك عيب أو تلف ( قوله وكتأجيج نار ) أي إشعالها ( قوله : شديد الريح ) أشار الشارح بذلك إلى أن إسناد العصف لليوم من قبيل المجاز العقلي ; لأن العصف عبارة عن الهبوب والتصويت وهذا إنما يتصف به الريح لا اليوم ويجوز أن يكون " عاصف " صفة لمضاف إلى يوم مقدر أي في يوم ريح عاصف وحينئذ فلا تجوز في الإسناد [ ص: 356 ] قوله : فيضمن المال ) أي الذي أحرقته النار وقوله والدية أي دية من مات بالنار ( قوله إلا أن يكون ) أي تأجيج النار وقوله لا يظن فيه الوصول أي وصول النار للشيء المحروق فتخلف الظن ووصلت إليه فأحرقته ( قوله : فيضمن صاحبه ) أي المال والدية في ماله كما قال الشارح بعد وهذا رواية عيسى عن ابن القاسم وهو المعتمد ورواية زوزان عن ابن وهب أن العاقلة تحمل من ذلك ما بلغ الثلث وهو قول مالك ورواه عنه أشهب وابن عبد الحكم واقتصر عليه أبو القاسم الجزيري في وثائقه ( قوله : بشروط ثلاثة ) ما ذكره المصنف من ضمان صاحبه بالشروط المذكورة هو مذهب المدونة وقيل : لا يضمن صاحب الجدار إلا إذا قضى عليه الحاكم بالهدم فلم يفعل وهذا قول عبد الملك وابن وهب وقيل : إن بلغ حدا كان يجب عليه عدمه لشدة ميلانه فتركه فهو ضامن وإن لم يكن إشهاد ولا حكم وهو قول أشهب وسحنون انظر ح والتوضيح ( قوله : وأنذر صاحبه ) المراد به مالكه المكلف أو وكيله الخاص أو العام ، والوكيل العام هو الحاكم إذ كان رب الجدار غائبا ولم يكن له وكيل خاص ومن الوكيل الخاص ناظر الوقف ووصي الصغير والمجنون ، فإذا سقط الجدار مع وجود الشروط الثلاثة ضمن وصي غير المكلف في ماله ولو كان لغير المكلف مال وضمن ناظر وقف ووكيل خاص مع غيبة صاحبه حيث كان له مال يصلح منه لتقصيرهما ، فإن لم يكن له مال وأمكنهما السلف على ذمته وهو مليء وتركا حتى سقط ضمنا فيما يظهر انظر عبق ( قوله : بذلك ) أي بالإنذار ( قوله كما للجيزي ) قال الشيخ كريم الدين البرموني وينبغي التعويل عليه خلافا لمن قال لا بد في ضمانه من الإشهاد بالإنذار عند الحاكم وأما الإشهاد بالإنذار عند جماعة المسلمين مع إمكان الحاكم فلا يكفي في الضمان ( قوله : ومفهوم أنذر أنه إذا لم ينذر ) الأوضح أنه إذا انتفى الإنذار والإشهاد .

( قوله : إلا أن يعترف بذلك ) أي بالميلان فما ذكر من قيد الإنذار والإشهاد عليه محله إذا كان منكرا للميلان ، وأما إذا كان مقرا به فلا يشترط ذلك ( قوله : فيضمن الدية ) أي فيضمن المعضوض دية أسنان العاض ( قوله : قلعها ) أي قلع أسنان العاض له ( قوله : وهو محمل الحديث ) وهو أن { رجلا عض آخر فنزع المعضوض يده فقلع سنه فقال عليه الصلاة والسلام أيعض أحدكم أخاه كما يعض الفحل لا دية له } ( قوله : فقصد عينه ) أي فقصد المنظور إليه رمي عين الناظر ففقأها وقوله اقتص منه على المعتمد أي خلافا لبهرام وتت حيث قالا بلزوم الدية إن قصد بالرمي فقء عينه وإن قصد به الزجر فلا شيء عليه أخذا بظاهر المصنف ( قوله : لكن على العاقلة على المعتمد ) أي كما يفيده ح ، فإن ادعى المرمي أن الرامي قصد عينه وادعى الرامي عدم قصدها ولا بينة ولا قرينة تصدق الرامي ، فإنه يعمل بدعواه ; لأن القصد لا يعلم إلا من جهته ولأنه لا قصاص بالشك ( قوله : ومثله الظلة ) أي وكذلك البئر والسرب للماء في داره أو أرضه ، فإذا سقطت الظلة أو سقط البئر أو السرب أي محل جريان الماء على من يحفرهما مثلا فلا ضمان على صاحب الظلة ولا على من استأجر لحفر البئر أو السرب ( قوله : قال المصنف ) أي في التوضيح وقوله ينبغي عدم الضمان أي في مسألة سقوط الميزاب ( قوله : بما في مسألة الجدار ) أي بما إذا انتفى بعض الشروط المعتبرة في الضمان في مسألة الجدار بأن يقال عدم الضمان هنا حيث انتفى ميلان الميزاب أو أنه مال ولم يحصل إنذار لصاحبه [ ص: 357 ] وإشهاد عليه بذلك أو مال وحصل الإنذار لكن لم يمكن تدارك إصلاحه بأن سقط قبل مضي زمن يمكن فيه التدارك وأما لو مال وأنذر صاحبه وأشهد عليه بالإنذار وأمكن تدارك إصلاحه لاتساع الزمان فلم يصلح وسقط على شيء فأتلفه ، فإنه يضمن الدية والمال ( قوله : مصدر مجرور ) أي عطفا على سقوط ميزاب ( قوله وظاهره سواء إلخ ) أي وظاهره أنه هدر سواء كان إلخ ; لأنه ذهب لها بنفسه قال شيخنا العدوي : والظاهر الضمان إذا كان هيجها في يوم عاصف




الخدمات العلمية