الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            48 - شد الأثواب في سد الأبواب

            بسم الله الرحمن الرحيم

            ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . روى البخاري ، ومسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وقال : إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله ، فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن عبد خير فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير ، وكان أبو بكر أعلمنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من أمن الناس علي في صحبته وماله أبا بكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر ، ولكن أخوة الإسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر - وفي لفظ - لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر " أخرجه ابن عساكر ، وفي لفظ : " ثم هبط عن المنبر فما رئي عليه حتى الساعة " أخرجه أحمد والدارمي هذا حديث متواتر كما سأشير إلى طرقه .

            قال النووي في شرح مسلم : فيه خصيصة لأبي بكر رضي الله عنه . وقال ابن شاهين في السنة : تفرد أبو بكر رضي الله عنه بهذه الفضيلة . وللأمر بسد الأبواب في المسجد النبوي طرق كثيرة تبلغ درجة التواتر فأخرج البخاري والنسائي عن ابن عباس قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه في خرقة ، فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال : " إنه ليس أحد أمن علي من نفسه وماله من أبي بكر ، ولو كنت متخذا من الناس خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكن خلة الإسلام أفضل ، سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر " .

            وأخرج ابن سعد من طريق الزهري ، أخبرني أيوب بن بشير الأنصاري ، عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن [ ص: 17 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فاستوى على المنبر فتشهد ، فلما قضى تشهده قال : إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند ربه فاختار ما عند ربه ، ففطن لها أبو بكر الصديق أول الناس ، فعرف إنما يريد النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، فبكى أبو بكر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك يا أبا بكر سدوا هذه الأبواب الشوارع في المسجد إلا باب أبي بكر ، فإني لا أعلم امرءا أفضل عندي يدا في الصحابة من أبي بكر " .

            وأخرج الطبراني بسند حسن عن معاوية بن أبي سفيان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " صبوا علي من سبع قرب من آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم فخرج عاصبا رأسه حتى صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله فلم يفهمها إلا أبو بكر فبكى ، فقال : نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأبنائنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : على رسلك ، أفضل الناس عندي في الصحبة وذات اليد ابن أبي قحافة ، انظروا هذه الأبواب الشوارع في المسجد فسدوها إلا ما كان من باب أبي بكر ، فإني رأيت عليه نورا " .

            وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد المسند بسند رجاله ثقات عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبو بكر صاحبي ومؤنسي في الغار سدوا كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر " .

            وأخرج أبو يعلى بسند رجاله ثقات ، عن بعض الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرض موته : انظروا هذه الأبواب الملاصقة في المسجد فسدوها إلا ما كان من بيت أبي بكر فإني لا أعلم أحدا كان أفضل عندي في الصحبة منه " .

            وأخرج البزار بسند حسن عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سدوا عني كل باب إلا باب أبي بكر " ، وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب التي في المسجد إلا باب أبي بكر " .

            وأخرج الدارمي في مسنده عن عائشة قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه : " صبوا علي من سبع قرب من سبع آبار شتى حتى أخرج إلى الناس فأعهد إليهم فصببنا عليه فخرج فصعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ألا إن عبدا من عباد الله قد خير بين الدنيا وبين ما عند الله فاختار ما عند الله ، فبكى أبو بكر فقال : على رسلك سدوا هذه الأبواب الشوارع إلى المسجد إلا باب أبي بكر ، فإني لا أعلم امرءا أفضل عندي يدا في الصحبة من أبي بكر ".

            وأخرج الطبراني بسند رجاله رجال الصحيح عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تؤذوني في صاحبي ، ولولا أن الله سماه صاحبا لاتخذته خليلا ألا فسدوا كل خوخة إلا خوخة ابن أبي قحافة " .

            وأخرج ابن سعد في الطبقات ، وابن عدي في الكامل عن يحيى بن سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن أعظم الناس علي منا في [ ص: 18 ] الصحبة وذات يده أبو بكر فأغلقوا هذه الأبواب الشارعة كلها في المسجد إلا باب أبي بكر ، فقال ناس : أغلق أبوابنا وترك باب خليله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد بلغني الذي قلتم في باب أبي بكر ، وإني أرى على باب أبي بكر نورا ، وأرى على أبوابكم ظلمة " مرسل ، وقد أخرجه أبو طاهر المخلص في فوائده ، وابن عدي في الكامل ، وابن عساكر في تاريخه ، موصولا من طريق يحيى بن سعيد عن أنس به ، وزاد : فكانت الآخرة أعظم عليهم من الأولى " قال ابن عدي : لا أعلم وصله عن الليث غير عبد الله بن صالح ورواه غيره عن الليث عن يحيى بن سعيد بدون ذكر أنس ، وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن أبي الأحوص حكيم بن عمير العنسي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " عندما أمر به من سد [ تلك ] الأبواب إلا باب أبي بكر " وقال : " ليس منها باب إلا وعليه ظلمة إلا ما كان من باب أبي بكر فإن عليه نورا " .

            وأخرج ابن سعد عن أبي الحويرث قال : " لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبواب تسد إلا باب أبي بكر قال عمر : يا رسول الله دعني أفتح كوة أنظر إليك حتى تخرج إلى الصلاة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا " .

            وأخرج ابن سعد عن أبي البداح بن عاصم بن عدي ، قال : قال العباس بن عبد المطلب : يا رسول الله ما بالك فتحت أبواب رجال في المسجد ، وما بالك سددت أبواب رجال في المسجد ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عباس ما فتحت عن أمري ، ولا سددت عن أمري " .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية