الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            صفحة جزء
            69 - الخبر الدال

            على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال

            بسم الله الرحمن الرحيم

            وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

            الحمد لله الذي فاوت بين خلقه في المراتب ، وجعل في كل قرن سابقين بهم يحيي ويميت وينزل الغمام الساكب ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد البدر المنير وعلى آله وأصحابه الهداة الكواكب .

            وبعد : فقد بلغني عن بعض من لا علم عنده إنكار ما اشتهر عن السادة الأولياء من أن منهم أبدالا ونقباء ونجباء وأوتادا وأقطابا ، وقد وردت الأحاديث والآثار بإثبات ذلك فجمعتها في هذا الجزء لتستفاد ولا يعول على إنكار أهل العناد وسميته - الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال - والله الموفق .

            [ ص: 292 ] فأقول : ورد في ذلك مرفوعا وموقوفا من حديث عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأنس ، وحذيفة بن اليمان ، وعبادة بن الصامت ، وابن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن مسعود ، وعوف بن مالك ، ومعاذ بن جبل ، وواثلة بن الأسقع ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وأبي الدرداء ، وأم سلمة - رضي الله تعالى عنهم - ومن مرسل الحسن ، وعطاء ، وبكر بن خنيس ، ومن الآثار عن التابعين ومن بعدهم ما لا يحصى .

            حديث عمر : قال أبو طاهر المخلص : أنا أحمد بن عبد الله بن سعيد ثنا السري بن يحيى ثنا شعيب بن إبراهيم حدثنا سيف بن عمر عن أبي عمر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : كان الشام قد أسكن فإذا أقبل جند من اليمن وممن بين المدينة واليمن فاختار أحد منهم الشام قال عمر - رضي الله تعالى عنه - : يا ليت شعري عن الأبدال هل مرت بهم الركاب ؟ أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، وأخرج أيضا من طريق سيف بن عمر عن محمد ، وطلحة ، وسهل قال : كتب عمر إلى أبي عبيدة إذا أنت فرغت من دمشق إن شاء الله فاصرف أهل العراق إلى العراق فإنه قد ألقي في روعي أنكم ستفتحونها ثم تدركون إخوانكم فتنصرونهم على عدوهم ، وأقام عمر بالمدينة لمرور الناس به ، وذلك أنهم ضربوا إليه من بلدانهم فجعل إذا سرح قوما إلى الشام قال : ليت شعري عن الأبدال فهل مرت بهم الركاب أم لا ؟ وإذا سرح قوما إلى العراق قال : ليت شعري كم في هذا الحي من الأبدال ؟

            حديث علي : قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان عن شريح بن عبيد قال : ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب - وهو بالعراق - فقالوا : العنهم يا أمير المؤمنين ؟ قال : لا ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( الأبدال بالشام وهم أربعون رجلا كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب ) - رجاله رجال الصحيح - غير شريح بن عبيد وهو ثقة .

            طريق ثانية : قال ابن عساكر في تاريخه : أنا أبو القاسم الحسيني ثنا عبد العزيز بن أحمد الكناني أنا أبو محمد بن أبي نصر أنا الحسن بن حبيب ثنا زكريا بن يحيى ثنا الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو السكسكي عن شريح بن عبيد الحضرمي قال : ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب فقالوا : يا أمير المؤمنين العنهم ؟ فقال : لا ، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إن الأبدال بالشام يكونون وهم أربعون رجلا بهم تسقون الغيث وبهم تنصرون على أعدائكم ويصرف عن أهل الأرض البلاء والغرق ) قال ابن عساكر : هذا منقطع بين شريح وعلي فإنه لم يلقه . طريق أخرى عنه : [ ص: 293 ] قال ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء : حدثني أبو الحسن خلف بن محمد الواسطي ثنا يعقوب بن محمد الزهري ثنا مجاشع بن عمرو عن ابن لهيعة عن إبراهيم عن عبد الله بن زرير عن علي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الأبدال ؟ قال : ( هم ستون رجلا ، فقلت : يا رسول الله جلهم لي ، قال : ليسوا بالمتنطعين ولا بالمبتدعين وبالمتعمقين ، لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكن بسخاء الأنفس وسلامة القلوب والنصيحة لأئمتهم ) أخرجه الخلال في كرامات الأولياء ، وفيه بدل : ولا بالمتعمقين : ولا بالمعجبين ، وزاد في أخرى : ( إنهم يا علي في أمتي أقل من الكبريت الأحمر ) .

            طريق أخرى عنه : قال الطبراني : ثنا علي بن سعيد الرازي ثنا علي بن الحسين الخواص الموصلي ثنا زيد بن أبي الزرقاء ثنا ابن لهيعة ثنا عياش بن عباس القتباني عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال ) قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث إلا زيد بن أبي الزرقاء ، قال ابن عساكر : هذا وهم من الطبراني بل رواه الوليد بن مسلم أيضا عن ابن لهيعة ثم قال : أنا أبو طاهر محمد بن الحسين أنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن سعدان أنا محمد بن سليمان الربعي ثنا علي بن الحسين بن ثابت ثنا هشام بن خالد ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن لهيعة به ، قال : ورواه الحارث بن يزيد المصري عن ابن زرير فوقفه على علي ولم يرفعه ، أخبرناه أبو بكر محمد بن محمد أنا أبو بكر محمد بن علي المقريء أنا أحمد بن عبد الله بن الخضر ثنا أحمد بن علي بن محمد أنا أبي أنا أبو عمرو محمد بن مروان بن عمر السعيدي ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الله بن صالح حدثني أبو شريح أنه سمع الحارث بن يزيد يقول : حدثني عبد الله بن زرير الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب يقول : لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال ، وسبوا ظلمتهم . أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أحمد بن الحارث بن يزيد به ، وقال : صحيح ، وأقره الذهبي في مختصره .

            طريق أخرى عنه موقوفة : وبه إلى أبي عمرو السعيدي ثنا زياد بن يحيى أبو الخطاب ثنا أبو داود الطيالسي عن الفرج بن فضالة ثنا عروة بن رويم اللخمي عن رجاء بن حيوة عن الحارث بن حومل عن علي بن أبي طالب قال : لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال ، وقال الحارث : يا رجاء اذكر لي رجلين صالحين من أهل بيسان فإنه بلغني أن الله تعالى اختص أهل بيسان برجلين صالحين من الأبدال ، لا يموت واحد إلا أبدل الله مكانه واحدا ، ولا تذكر [ ص: 294 ] لي منهما متماوتا ولا طعانا على الأئمة فإنه لا يكون منهما الأبدال . له طرق عن الفرج بن فضالة .

            طريق أخرى عن علي موقوفة : قال ابن أبي الدنيا : ثنا الحسن بن أبي الربيع أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن صفوان قال : قال رجل يوم صفين : اللهم العن أهل الشام ، فقال علي : لا تسب أهل الشام فإن بها الأبدال ، فإن بها الأبدال ، فإن بها الأبدال ، أخرجه البيهقي ، والخلال وابن عساكر ، وله طرق عن الزهري ، وفي بعضها عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، وفي بعضها عن الزهري عن أبي عثمان بن سنة عن علي ، وفي بعضها عن الزهري عن علي .

            طريق أخرى عنه : قال يعقوب بن سفيان : ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن أبي صادق قال : سمع علي رجلا وهو يلعن أهل الشام فقال علي : لا تلعنهم فإن فيهم الأبدال .

            طريق أخرى عنه : قال ابن عساكر : أنبأنا أبو البركات الأنماطي أنا المبارك بن عبد الجبار أنا أبو بكر عبد الباقي بن عبد الكريم بن عمر الشيرازي أنا عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن حمة أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ثنا جدي ثنا عثمان بن محمد ثنا جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال : خطبنا علي فذكر الخوارج فقام رجل فلعن أهل الشام فقال له : ويحك لا تعمم فإن منهم الأبدال ومنكم العصب ، وبالسند السابق إلى أبي عمرو السعيدي ثنا الحسين بن عبد الرحمن أنا وكيع عن فطر عن أبي الطفيل عن علي - رضي الله عنه - قال : الأبدال بالشام والنجباء بالكوفة ، وقال ابن عساكر : أنبأنا أبو الغنائم عن محمد بن علي بن الحسن الحسني ثنا محمد بن عبد الله الجعفي ثنا محمد بن عمار العطار ثنا علي بن محمد بن خبية ثنا عمرو بن حماد بن طلحة ثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي عن قطر عن أبي الطفيل عن علي قال : إذا قام قائم آل محمد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف ، فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة وأما الأبدال فمن أهل الشام .

            طريق أخرى عنه : وبه إلى محمد بن عمار ثنا جعفر بن علي بن نجيح ثنا حسن بن حسين عن علي بن القاسم عن صباح بن يحيى المزني عن سعيد بن الوليد الهجري عن أبيه قال : قال علي : ألا إن الأوتاد من أبناء الكوفة ، ومن أهل الشام أبدال .

            [ ص: 295 ] طريق أخرى : قال الخلال : ثنا علي بن عمرو بن سهل الحريري ثنا علي بن محمد بن كاس ثنا الحسن بن علي بن عفان ثنا زيد بن الحباب حدثني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد السكسكي عن سعيد بن أبي هلال عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال : قبة الإسلام بالكوفة والهجرة بالمدينة والنجباء بمصر والأبدال بالشام وهم قليل - أخرجه ابن عساكر من طريق أبي سعيد بن الأعرابي عن الحسن بن علي بن عفان به .

            طريق أخرى عنهم : قال ابن عساكر : أنا نصر بن أحمد بن مقاتل عن أبي الفرج سهل بن بشر الإسفراييني أنا أبو الحسن علي بن منير بن أحمد الخلال أنا الحسن بن رشيق ثنا أبو علي الحسين بن حميد العك ثنا زهير بن عباد ثنا الوليد بن مسلم عن الليث بن سعد عن عياش بن عباس القتباني أن علي بن أبي طالب قال : الأبدال من الشام والنجباء من أهل مصر والأخيار من أهل العراق .

            طريق أخرى عنه : قال الحافظ أبو محمد الخلال في كتاب كرامات الأولياء : ثنا عبد الله بن عثمان الصفار أنا محمد بن مخلد الصفار ثنا أحمد بن منصور زاج ثنا حسين بن علي عن زائدة عن عمار الذهبي عن حبيب بن أبي ثابت عن رجل عن علي قال : إن الله تعالى ليدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيها .

            حديث أنس : قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول : ثنا عمر بن يحيى بن نافع الأيلي ( ح ) وقال ابن عدي ، وابن شاهين ، والحافظ أبو محمد الخلال في كتاب كرامات الأولياء معا ثنا محمد بن زهير بن الفضل الأيلي ثنا عمر بن يحيى بن نافع ثنا العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( البدلاء أربعون رجلا : اثنان وعشرون بالشام وثمانية عشر بالعراق ، كلما مات منهم واحد أبدل الله مكانه آخر ، فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم فعند ذلك تقوم الساعة ) .

            طريق ثان عنه : قال الحافظ أبو محمد الخلال في كتاب كرامات الأولياء : أنا أبو بكر بن شاذان ثنا عمر بن محمد الصابوني ثنا إبراهيم بن الوليد الجشاش ثنا أبو عمر الغداني ثنا أبو سلمة الخراساني عن عطاء عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( الأبدال أربعون رجلا وأربعون امرأة ، كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلا ، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة ) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من طريق أخرى عن إبراهيم بن الوليد .

            طريق ثالث عنه : قال ابن لال في مكارم الأخلاق : ثنا عبد الله بن يزيد بن يعقوب [ ص: 296 ] الدقاق ثنا محمد بن عبد العزيز الدينوري ثنا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن الحسن عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم ولكن دخلوها بسلامة صدورهم وسخاوة أنفسهم ) أخرجه ابن عدي ، والخلال وزاد في آخره : والنصح للمسلمين .

            طريق رابع عنه : قال ابن عساكر : قرأت بخط تمام بن محمد أنا أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري حدثنا زكريا بن يحيى ثنا المنذر بن العباس بن نجيح القرشي حدثني أبي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن دعامة أمتي عصب اليمن وأبدال الشام وهم أربعون رجلا ، كلما هلك رجل أبدل الله مكانه آخر ، ليسوا بالمتماوتين ولا بالمتهالكين ولا المتناوشين ، لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة صوم ولا صلاة ، وإنما بلغوا ذلك بالسخاء وصحة القلوب والمناصحة لجميع المسلمين ) .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية