الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 4759 ) مسألة ; قال : ( وإذا وصى أن يحج عنه بخمسمائة . فما فضل رد في الحج ) وجملته أنه أوصى أن يحج عنه بقدر من المال ، وجب صرف جميع ذلك في الحج إذا حمله الثلث ; لأنه وصى بجميعه في جهة قربة ، فوجب صرفه فيها ، كما لو وصى به في سبيل الله ، وليس للولي أن يصرف إلى من يحج أكثر من نفقة المثل ; لأنه أطلق التصرف في المعاوضة ، فاقتضى ذلك عوض المثل ، كالتوكيل في البيع . ثم لا يخلو ; إما أن يكون بقدر نفقة المثل لحجة واحدة ، فيصرف فيها . أو ناقصا عنها ، فيحج به من حيث يبلغ ، في ظاهر منصوص أحمد ، فإنه قال ، في رواية حنبل ، في رجل أوصى أن يحج عنه ، ولا تبلغ النفقة ، فقال : يحج عنه من حيث تبلغ النفقة للراكب من أهل مدينته . وهذا قول العنبري . وقال القاضي : يعن به في الحج . وهو قول سوار القاضي ، حكاه عنه العنبري . وعن أحمد ، أنه مخير في ذلك . قال في رواية أبي داود ، في امرأة أوصت بحج لا يجب عليها : أرى أن يؤخذ ثلث مالها ، فيعان به في الحج ، أو يحج من حيث يبلغ . الحال الثالث ، أن يفضل عن الحجة ، فيدفع في حجة ثانية ، ثم في ثالثة ، إلى أن ينفد ، أو يبقى ما لا يبلغ حجة ، فيحج به من حيث يبلغ ، على ما ذكرنا من الخلاف فيه . ولا يستنيب في الحج مع الإمكان إلا من بلد المحجوج عنه ; لأنه نائب عن الميت ، وقائم مقامه ، فينوب عنه من موضع لو حج المنوب عنه لحج . منه فإن كان الموصى به لا يحمله الثلث ، لم يخل من أن يكون الحج فرضا أو تطوعا ، فإن كان فرضا أخذ أكثر الأمرين من الثلث أو القدر الكافي لحج الفرض ، فإن كان الثلث أكثر ، أخذ ، ثم يصرف منه في الفرض قدر ما يكفيه ، ثم يحج بالباقي تطوعا حتى ينفذ ، كما ذكرنا من قبل ، وإن كان الثلث [ ص: 138 ] أقل ، تمم قدر ما يكفي الحج من رأس المال . وبهذا قال عطاء ، وطاوس ، والحسن ، وسعيد بن المسيب ، والزهري ، والشافعي ، وإسحاق . قال سعيد بن المسيب ، والحسن : كل واجب من رأس المال . وقال ابن سيرين ، والنخعي ، والشعبي ، وحماد بن أبي سليمان ، والثوري ، وأبو حنيفة ، وداود بن أبي هند : إن وصى بالحج ، فمن ثلثه ، وإلا فليس على ورثته شيء . فعلى قولهم ، إن لم يف الثلث بالموصى به ، وإلا لم يزد على الثلث ; لأن الحج عبادة فلا تلزم الوارث ، كالصلاة . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لو كان على أبيك دين ، أكنت تقضيه ؟ قال : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى } . والدين من رأس المال ، فما هو أحق منه أولى ، ولأنه واجب ، فكان من رأس المال ، كدين الآدمي . وإن كان تطوعا ، أخذ الثلث لا غير ، إذا لم يجز الورثة ، ويحج به ، على ما ذكرنا فيما مضى .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية