الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                      معلومات الكتاب

                                                                                                                      كشاف القناع عن متن الإقناع

                                                                                                                      البهوتي - منصور بن يونس البهوتي

                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                      ( ويشترط لرجوع الأب ) أي : لجوازه وصحته فيما وهبه لولده ( شروط ثلاثة : أحدها : أن تكون ) الهبة ( عينا باقية في ملك الابن ) إلى رجوع أبيه ( فلا رجوع ) للأب ( في دينه على الولد بعد الإبراء منه لأنه إسقاط ) لا تمليك ( ولا في منفعة أباحها له ) أبوه ( بعد الاستيفاء كسكنى دار ونحوها ) لأنه إباحة ، واستيفاء المنفعة بمنزلة إتلافها .

                                                                                                                      ( فإن خرجت العين ) الموهوبة ( عن ملكه ) أي : الابن ( ببيع أو هبة أو وقف ) ظاهره ولو على نفسه ، ثم غيره خصوصا إذا قلنا ينتقل في الحال لمن بعده ( أو ) خرجت ( بغير ذلك ) بأن جعلها صداقا لامرأة أو عوضا على صلح ونحوه ( ثم عادت ) العين ( إليه ) أي : الابن ( بسبب جديد كبيع ) ولو مع خيار ( أو هبة أو وصية أو إرث أو نحوه ) كأن أخذها عوضا عن أرش جناية ، أو قيمة متلف ( لم يملك ) الأب ( الرجوع ) فيها لأنها عادت إلى الولد بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه ، فلم يملك إزالته ، كما لو لم تكن موهوبة .

                                                                                                                      ( وإن عادت ) العين للولد بعد بيعها ( بفسخ البيع بعيب ) [ ص: 314 ] فيها ، أو في الثمن ( أو ) عادت ب ( إقالة ، أو ) عادت بفسخ ( لفلس المشتري ) بالثمن ( أو بفسخ خيار الشرط ، أو المجلس ) ملك الأب الرجوع فيها ، لعود الملك بالسبب الأول ، فكأنه ما انتقل .

                                                                                                                      وبه فارق العود بيع أو هبة أو نحوهما ( أو دبر ) الولد ( العبد ) الموهوب له من والده ( أو كاتبه ملك ) الأب ( الرجوع ) في العبد لأن التدبير والكتابة لا يمنعان التصرف في الرقبة بالبيع ونحوه فلم يمنعا الرجوع ، كما لو زوجه أو أجره .

                                                                                                                      ( وهو ) أي : العبد الذي كاتبه الولد ، ثم رجع أبوه فيه ( مكاتب ) أي : باق على كتابته للزومها ، فإذا أدى إلى الأب باقي مال الكتابة عتق ، وإن عجز رق ، كما لو باعه الابن وما أخذه الابن من دين الكتابة قبل رجوع الأب ( لم يأخذ منه أبوه ) لاستقرار ملكه عليه .

                                                                                                                      الشرط ( الثاني : أن تكون العين باقية في تصرف الولد ، فإن تلفت ) العين ( فلا رجوع ) للأب ( في قيمتها ) وتقدم .

                                                                                                                      ( وإن استولد ) الابن ( الأمة ) التي وهبها له أبوه لم يملك الرجوع لامتناع نقل الملك في أم الولد ( أو كان ) الأب ( وهبها له للاستعفاف لم يملك ) الأب ( الرجوع ) فيها ، وإن استغنى أو لم يستولدها لأن إعفافه واجب عليه .

                                                                                                                      ( وإن رهن ) الابن ( العين ) التي وهبها له أبوه وأقبضها فكذلك ( أو أفلس ) الابن ( وحجر عليه فكذلك ) أي : فلا رجوع لأبيه ، لتعلق حق المرتهن والغرماء بالعين ، وفي الرجوع إبطال لذلك " تنبيه " ما ذكره المصنف من أن الحجر عليه لفلس مانع من الرجوع قال الحارثي : إنه الصواب بلا خلاف كما في الرهن ونحوه ، وبه صرح في المغني ، وصاحب المحرر وغيرهما انتهى .

                                                                                                                      ومقتضى ما قدره في المقنع أنه غير مانع ، وتبعه في المنتهى لأنه لم يخالفه في التنقيح فإن أفلس ولم يحجر عليه ، ففيه روايتان أطلقهما في الشرح ، فإن حمل كلام المقنع والمنتهى على فلس لا حجر معه وافق ما ذكره الحارثي والشارح ( فإن زال المانع ) بأن انفك الحجر والرهن ( ملك ) الأب ( الرجوع ) لأن ملك الابن لم يزل ، وإنما طرأ معنى قطع التصرف مع بقاء الملك فمنع الرجوع ، فإذا زال المانع .

                                                                                                                      ( وكل تصرف لا يمنع الابن التصرف في الرقبة ، كالوصية والهبة قبل القبض ) والرهن قبل القبض ( والوطء المجرد عن الإحبال والتزويج ) للرقيق ( والإجارة والمزارعة عليها وجعلها مضاربة في عقد شركة لا يمنع ) الأب ( الرجوع ) لبقاء ملك الابن وسلطنة تصرفه .

                                                                                                                      ( وكذلك العتق المعلق ) على صفة قبل وجودها فلا [ ص: 315 ] يمنع الرجوع ( وإذا رجع ) الأب في العين ( وكان التصرف لازما ، كالإجارة والتزويج والكتابة ، فهو ) أي : التصرف ( باق بحاله ) كاستمراره مع المشتري من الولد لكن تقدم أن الأخذ بالشفعة تنفسخ به الإجارة والفرق أن للأب فعلا في الإجارة ، لأن تمليكه لولده تسليط له على التصرف فيه ، ولا كذلك الشفيع هذا ما ظهر لي والله أعلم .

                                                                                                                      ( وإن كان ) التصرف ( جائزا ، كالوصية والهبة قبل القبض ) والمزارعة والمضاربة والمشاركة ( بطل ) ذلك التصرف ، لأن استمرار حكمه مقيد ببقاء المعقود عليه وقد فات بخلاف الأول ( والتدبير والعتق المعلق بصفة ، لا يبقى حكمهما في حق الأب ) لأنهما لم يصدرا منه .

                                                                                                                      ( ومتى عاد ) المدبر أو المعلق عتقه بصفة ( إلى ) ملك ( الابن عاد حكمهما ) لعود الصفة ( وإن وهبه لولد ولده لم يملك ) الواهب الأول ( الرجوع ) لأن فيه إبطالا لملك غير ابنه وهو لا يملك ( إلا أن يرجع هو ) أي : الواهب الثاني في هبته لابنه فيملك الأول الرجوع حينئذ لأنه فسخ في هبته برجوعه فعاد إليه الملك بسببه الأول .

                                                                                                                      الشرط ( الثالث : أن لا تزيد ) العين الموهوبة عند الولد ( زيادة متصلة تزيد قيمتها كالسمن والكبر والحمل وتعلم صنعة أو ) تعلم ( كتابة أو قرآن ) لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ولم تنتقل إليه من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع في الأصل لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص ولأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب في عوضه فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح أو نصفه بالطلاق أو رجوع البائع في المبيع لفلس المشتري وقد يفارق الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزيادة ( وإن زاد ) الموهوب ( ببرئه من مرض أو صمم منع الرجوع ) كسائر الزيادات .

                                                                                                                      ( وإن اختلف الأب وولده في حدوث زيادة ) بأن قال الولد حدث فيه زيادة فمنعت الرجوع وأنكر الأب ( فقول الأب ) لأن الأصل عدم الزيادة ( ولا تمنع ) الزيادة ( المنفصلة ) الرجوع ( كولد البهيمة وثمرة الشجرة وكسب العبد ) لأن الرجوع في الأصل دون النماء .

                                                                                                                      ( والزيادة ) المنفصلة ( للولد ) لأنها حادثة في ملكه ولا تتبع في الفسوخ فكذا هنا ( فإن كانت ) الزيادة ( ولد أمة ) بأن حملت الأمة وولدت عند الولد ( امتنع الرجوع ) في الأم ( لتحريم التفريق ) بين الأم وولدها ( وإن وهبه ) أي : وهب الأب ولده أمة أو بهيمة ( حاملا فولدت في يد الابن فالولد [ ص: 316 ] زيادة متصلة ) أي : باعتبار الكبر .

                                                                                                                      ( وإن وهبه ) أمة أو بهيمة ( حائلا ثم رجع ) الأب ( فيها حاملا فإن زادت قيمتها ) بالحمل ( فزيادة متصلة ) تمنع الرجوع ( وإن وهبه نخلا فحملت فقبل التأبير زيادة متصلة ) تمنع الرجوع ( وبعده ) أي : التأبير ، والمراد التشقق ( منفصلة ) لا تمنع الرجوع نقله الحارثي عن الموفق واقتصر عليه .

                                                                                                                      ( وإن تلف بعض العين ) لم يمنع الرجوع في الباقي منها ( أو نقصت قيمتها ) لم يمنع الرجوع ( أو أبق العبد ) الموهوب لم يمنع الرجوع لبقاء الملك ( أو ارتد الولد ) الموهوب له ( لم يمنع الرجوع ) لبقاء الملك .

                                                                                                                      ( ولا ضمان على الابن فيما تلف منها ولو ) كان التلف ( بفعله ) لأنه في ملكه ( وإن جنى العبد ) الموهوب للولد ( جناية يتعلق أرشها برقبته فللأب الرجوع فيه ) لبقاء ملك ولده عليه .

                                                                                                                      ( ويضمن ) الأب ( أرش الجناية ) لتعلقه برقبة العبد فيفديه أو يسلمه أو يبيعه فيها .

                                                                                                                      ( فإن جني على العبد ) الموهوب للولد ( فرجع الأب فيه فأرش الجناية عليه للابن ) لأنها زيادة منفصلة .

                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                      الخدمات العلمية