الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                                                                                                          2311 - مسألة : هل يقتل القرشي فيما يوجب القتل من رجم المحصن إذا زنى ، والقود ، والحرابة ، والردة ، وإذا شرب الخمر ، بعد أن حد فيها ثلاث مرات أم لا ؟ [ ص: 428 ] قال أبو محمد رحمه الله : نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أبو بكر أحمد بن الفضل الدينوري نا محمد بن جرير الطبري نا عبد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري ني عمي يعقوب بن إبراهيم ني شعبة بن الحجاج عن عبد الله بن أبي السفر عن عامر الشعبي عن عبد الله بن مطيع بن الأسود عن أبيه مطيع - أخي بني عدي بن كعب وكان اسمه العاص ، فسماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : مطيعا - قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمكة يقول { لا تغزى مكة بعد هذا العام أبدا ولا يقتل رجل من قريش بعد هذا العام صبرا } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل بن بهرام نا محمد بن جرير ثني عبد الله بن محمد الزهري نا سفيان - هو ابن عيينة - عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن الشعبي قال : قال الحارث بن مالك بن البرصاء : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا تغزى مكة بعد اليوم أبدا . }

                                                                                                                                                                                          حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل نا محمد بن جرير ثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي نا محمد بن عبيد عن زكريا - هو ابن أبي زائدة - عن عامر الشعبي عن الحارث بن مالك بن برصاء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يقول { لا تغزى بعدها إلى يوم القيامة } ؟ قال أبو محمد رحمه الله : الحارث هذا - هو الحارث بن مالك بن قيس بن عود بن جابر بن عبد مناف بن كنانة بن سجع بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناف بن كنانة - لا يعرف للشعبي سماع من عبد الله بن مطيع - وعبد الله بن مطيع هذا قتل مع عبد الله بن الزبير في الحصار الأول ، ولا يعرف له أيضا سماع من الحارث بن مالك بن البرصاء - فحصل الخبران منقطعين ، ولا حجة في منقطع .

                                                                                                                                                                                          ثم لو صح لكان المراد بذلك أنه عليه السلام لا يغزوها أبدا ، ولا يقتل هو قرشيا بعد ذلك اليوم صبرا ، فهذا من أعلام نبوته صلى الله عليه وآله وسلم .

                                                                                                                                                                                          وبرهان صحة هذا التأويل : هو قول الله تعالى { ولا تقاتلوهم عند المسجد [ ص: 429 ] الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } فأخبر تعالى أننا سنقاتل فيه ونقتل ونقتل . روينا من طريق مسلم نا قتيبة بن سعيد ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وإسحاق - هو ابن إبراهيم - واللفظ لقتيبة ، قال إسحاق : أخبرنا ، وقال الآخران : نا جرير عن عبد العزيز بن رفيع عن عبيد الله ابن القبطية ، قال : دخل الحارث بن أبي ربيعة ، وعبد الله بن صفوان ، وأنا معهما على أم سلمة أم المؤمنين فقالت : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { يعوذ عائذ بالبيت فيبعث إليه بعث فإذا كان ببيداء من الأرض خسف بهم ، فقلت : يا رسول الله فكيف بمن كان كارها ؟ قال : يخسف به معهم ، ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته } ؟ قال أبو محمد رحمه الله : أسقطنا من هذا الخبر كلاما لبعض رواته ليس من الحديث في شيء ، وهو غلط ، وهو أنه ذكر أن ذلك كان أيام ابن الزبير - وهو خطأ ، لأن أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها ماتت أيام معاوية ، فإنما الغرض من الحديث كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا كلام من دونه فلا حجة فيه .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم نا عمرو بن محمد الناقد نا سفيان بن عيينة عن أمية بن صفوان سمع جده عبد الله بن صفوان يقول : أخبرتني حفصة أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول { ليؤمن هذا البيت جيش يغزونه حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بهم بأوسطهم ، وينادي أولهم آخرهم ، ثم يخسف بهم فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم } .

                                                                                                                                                                                          ومن طريق مسلم ني محمد بن حاتم بن ميمون نا الوليد بن صالح نا عبيد الله بن عمرو نا يزيد بن أبي أنيسة عن عبد الملك العامري عن يوسف بن ماهك أخبرني عبد الله بن صفوان عن أم المؤمنين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { سيعود بهذا البيت قوم ليس لهم منعة ولا عدد ولا عدة يبعث إليهم جيش حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم } . [ ص: 430 ]

                                                                                                                                                                                          قال يوسف : وأهل الشام يومئذ يسيرون إلى مكة .

                                                                                                                                                                                          قال عبد الله بن صفوان : أما والله ما هو بهذا الجيش ؟ ومن طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا يونس بن محمد نا القاسم بن الفضل الحداني عن محمد بن زياد عن عبد الله بن الزبير قال : إن عائشة قالت { عبث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه ، فقلنا : يا رسول الله صنعت شيئا في منامك لم تكن تفعله ، قال : العجب ، إن ناسا من أمتي يؤمون هذا البيت لرجل من قريش قد لجأ بالبيت ، حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ؟ فقلنا : يا رسول الله ، فإن الطريق قد تجمع الناس ، قال : نعم ، فيه المستبصر ، والمجبر ، وابن السبيل ، يهلكون مهلكا واحدا ، ويصدرون مصادر شتى حتى يبعثهم الله على نياتهم } . ؟ قال أبو محمد رحمه الله : فهذا خبر صحيح في غاية الصحة عن ثلاثة من أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن - وعن ابن الزبير - وهو صاحب - قد { أنذر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن مكة تغزى بعده } .

                                                                                                                                                                                          وأما قتل القرشي صبرا : فلما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا ابن أبي عدي عن عثمان بن غياث عن أبي عثمان النهدي عن أبي موسى الأشعري قال { بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حائط من حوائط المدينة استفتح رجل } فذكر الحديث .

                                                                                                                                                                                          وفيه { ثم استفتح رجل آخر فقال : افتح وبشره بالجنة على بلوى تكون ، قال : فذهبت فإذا عثمان بن عفان قال : ففتحت له وبشرته بالجنة ، فقلت الذي قال ، فقال : اللهم صبرا والله المستعان } .

                                                                                                                                                                                          حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك الخولاني نا محمد بن بكر نا أبو داود السجستاني نا مسدد نا يزيد بن زريع ، ويحيى بن سعيد القطان - واللفظ له - قالا جميعا : نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك حدثهم { أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم [ ص: 431 ] صعد أحدا فتبعه أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، فرجف بهم ، فضربه نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم برجله : اثبت أحد ، فإنما عليك نبي ، وصديق ، وشهيدان ؟ } قال أبو محمد رحمه الله : وأنذر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن الكعبة يهدمها ذو السويقتين من الحبشة وهذا لا يكون إلا بعد غزوها - بلا شك - وقد صرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنها تغزى بعده ، وصرح بأن عثمان تصيبه بلوى كما ترى - فهذا أنذر بأنه سيقتل ، وهو قرشي .

                                                                                                                                                                                          وصح يقينا : أن حديث الشعبي عن ابن مطيع ، وعن الحارث بن برصاء ، لو صح - وهو لا يصح - لكان معناه : أنه عليه السلام لا يغزوها بعد يومه ذلك أبدا إلى يوم القيامة ، وأنه عليه السلام لا يقتل قرشيا صبرا بعد ذلك اليوم إلى يوم القيامة ، وهكذا كان ، فإذ هذا معنى ذلك الحديث لو صح - بلا شك - فقد ثبت أن القرشي كغير القرشي في أن يقتل إذا وجب عليه القتل صبرا ، كما يقتل غيره ، وأن الحدود تقام عليه ، كما تقام على غير قرشي ، ولا فرق ، مع أن هذا أمر مجمع عليه بيقين لا شك فيه - وبالله تعالى التوفيق .

                                                                                                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                                                                                                          الخدمات العلمية