الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو وهب في مرضه عبدا لرجل وقبضه الموهوب له ، ثم جنى على الواهب جناية خطأ فعفا عنها ، ثم مات منها وقيمة العبد ألف فاختار الموهوب له دفعه فإنه تجوز الهبة في خمسه ويدفع أربعة أخماسه واعلم بأنه جمع في هذا الفصل بين الهبة والعفو عن الجناية بعد ما ذكر فصولا في العفو عن الجناية خاصة ، ثم فصولا في الهبة من غير عفو عن الجناية فنقول إذا كانت الجراحة عمدا فالعفو صحيح لأنه أبطل القصاص والقصاص ليس بمال ، وإنما بقي حكم الهبة فيجوز في الثلث ويبطل في الثلثين . فأما إذا كانت الجناية خطأ فإنما تجوز الهبة للموهوب له في سهم ، ثم يجوز العفو في ذلك السهم أيضا فتصير وصيته سهمين فلا بد من أن يكون للورثة أربعة أسهم والسبيل أن نجعل العبد على خمسة فتصير الهبة في سهم ، ثم نجيز العفو في ذلك السهم أيضا ونبطل الهبة في أربعة فقد بطلت الجناية في تلك الأربعة فصار للورثة أربعة أسهم وللموهوب له سهم واحد وهو في الحكم سهمان فيستقيم الثلث والثلثان .

وعلى طريق الدينار والدرهم السبيل أن نجعل العبد دينارا ودرهما ونجيز الهبة في الدينار ، ثم نجيز العفو في ذلك الدينار ونبطل الهبة في الدرهم فيصير للورثة درهمان تعدل أربعة دنانير لأنا نفذنا الوصية في الدينارين فاقلب الفضة وعد إلى الأصل وقل قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما والدرهم أربعة والدينار واحدا ، وذلك خمسة ، ثم أجزنا الهبة في الدينار ، وذلك خمس العبد على ما بينا .

وعلى طريق الجبر السبيل [ ص: 115 ] أن نجيز الهبة في شيء ، ثم نجيز العفو في ذلك الشيء ونبطله في مال إلا شيئا فصار للورثة مال إلا شيئا يعدل أربعة أشياء وبعد الجبر يعدل خمسة أشياء ، وإنما جوزنا الهبة في شيء من خمسة وهو خمسه ويدفع أربعة أخماسه ، وإن اختار الفداء فإن الهبة تجوز في جميع العبد ويفدي ثلاثة بثلث الدية لأنه لو لم تكن هنا الهبة وكان العبد للموهوب له فجنى على المريض وعفا عنه فإنه يجب عليه أن يفديه بسدس الدية للمعنى الذي بيناه أنه يؤخذ ضعف القيمة فيضم إلى الدية فيصير اثني عشر ألفا ، ثم يفدى ما بإزاء الضعف ، وذلك السدس بسدس الدية فهنا لما كانت الهبة والعفو جميعا فقد اجتمعت الوصيتان فيجب أن يفديه بضعف ذلك السدس لمكان الهبة وسدس لمكان العفو فذلك ثلث الدية فيسلم للورثة ثلاثة آلاف وثلث ألف ، وقد نفذنا الوصية في ألف وثلثي ألف ألف بالهبة وثلثا ألف بالعفو فيستقيم الثلث والثلثان ، ولو كانت قيمته أكثر من عشرة آلاف واختار الدفع فإن كانت قيمته عشرين ألفا جاز العفو في ربعه ودفع ثلاثة أرباعه لأنه لو لم يكن هنا هبة كان يؤخذ ضعف الدية ويضم إلى القيمة فيصير أربعين ألفا ، ثم يدفع ما بإزاء الضعف وهو نصف العبد فلما وجدت الهبة هنا فالسبيل أن يوضع مثلا قيمة العبد وهو أربعون ألفا على ذلك فيصير ثمانين ألفا ، ثم يدفع حصة ضعف القيمة وحصة ضعف الدية وهو ثلاثة أرباع العبد فيحصل في يد الورثة ثلاثة أرباع العبد وقيمته خمسة عشر ألفا ويحصل في يد الموهوب له ربع العبد بالهبة ، وذلك خمسة آلاف ، وفيه من الجناية التي جاز فيه العفو ألفان وخمسمائة فذلك سبعة آلاف وخمسمائة .

وعلى طريق الدينار والدرهم السبيل فيه أن تجعل العبد دينارا ودرهما فتجيز الهبة في الدينار ، ثم العفو في نصف ذلك الدينار لأن الجناية مثل نصف العبد وتبطل الهبة في الدرهم فيصير مع الورثة درهم يعدل ثلاثة دنانير لأن تنفيذ الوصية كان في الدينار ونصف الدينار للهبة والنصف للعفو فاقلب الفضة وعد إلى الأصل وقل قد كنا جعلنا دينارا ودرهما فالدينار واحد والدرهم ثلاثة ، ثم أجزنا العفو في الدينار وهو ربع العبد .

وعلى طريق الجبر تجيز الهبة في شيء ، ثم العفو في نصف ذلك الشيء وتبطل الهبة في مال إلا شيئا ، وذلك يعدل ثلاثة أشياء وبعد الجبر المال يعدل أربعة أشياء ، وقد أجزنا الهبة في شيء فذلك ربع العبد .

ولو كانت قيمته ثلاثين ألفا فاختار الدفع دفع منه ثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا والوجه فيه أن تضعف الدية وهي عشرون ألفا والقيمة وهي ستون ألفا تضمها إلى القيمة أيضا فتصير مائة ألف وعشرة فما أصاب حصة ضعف القيمة وضعف الدية يدفعه [ ص: 116 ] وذلك ثمانون ألفا فيكون ثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا من العبد وسلم له ما بقي ، وإن كانت قيمته أربعين ألفا فإنه يدفع خمسة أسباع العبد وتجوز الهبة في سبعة لأنا نأخذ ضعف الدية فنضمه إلى القيمة فيصير ستين ألفا ، ثم نزيد عليه مثل القيمة مائة ألف وأربعين ألفا فما أصاب حصة ضعف القيمة وضعف الدية ، وذلك مائة ألف يدفعه ، وذلك خمسة أسباع العبد كل سبع عشرون ألفا ، ثم نجيز الهبة في سبعين والعفو في نصف سبع فيحصل تنفيذ الوصية في سهمين ونصف ويسلم للورثة خمسة .

ولو كانت قيمته ألفا واختار الفداء فنقول لو لم يكن هنا العفو لجازت الهبة في جميع العبد لأنه يفديه بعشرة آلاف ويخرج العبد من الثلث ، ولو لم تكن الهبة وكان العفو بانفراده فكان يؤخذ ضعف القيمة ويضم إلى الدية ، ثم يفدى حصة الضعف وهو السدس . فإذا اجتمعا فلا بد من أن يفدي الهبة بسدس العبد فيصير الفداء كله في الثلث لأن الهبة مثل الوصية بالعفو . فإذا فداه بالثلث حصل للورثة ثلث الدية وحصل للموهوب له ثلث العبد بالهبة وثلثاه بالعفو وهو نصف ما حصل للورثة فيستقيم الثلث والثلثان .

وعلى طريق الدينار والدرهم السبيل أن تجعل العبد دينارا ودرهما ، ثم تجيز الهبة في الدينار والدرهم لأن العفو لا يتبين ما لم تجز الهبة في الكل ، ثم تجيز العفو في الدينار وتبطله في الدرهم فتفدي الدرهم بعشرة أمثاله فيصير للورثة عشرة دراهم تعدل أربعة دنانير فاقلب الفضة وعد إلى الأصل وقل قد كنا جعلنا العبد دينارا ودرهما والدرهم أربعة والدينار ثمانية فذلك اثنا عشر ، وقد أجزنا الهبة في الدرهم ، وذلك أربعة ، ثم فداه بعشرة أمثاله ، وذلك أربعون فيستقيم الثلث والثلثان ، وهذا التخريج ما دامت قيمة العبد أقل من خمسة آلاف .

وإن كانت قيمته خمسة آلاف ، أو أكثر فإنا نجعل العفو كأن لم يكن ونعتبر الهبة خاصة فنقول لو لم يكن العفو جازت الهبة في الكل لأنه يخرج من الثلث فلو أجزنا شيئا من العفو بنقص الفداء وباعتباره تنتقص الهبة . وإذا انتقصت الهبة انتقص ماله فلهذا أبطلنا حكم العفو عن الجناية .

أو نقول لو لم يكن هناك هبة لكان يفديه بنصف الدية للمعنى الذي قلنا إنه يفدى بمقدار الضعف وهو النصف . فإذا كان هنا هبة فلا بد من أن يفدى بمثله أيضا ، وذلك جميع الدية

التالي السابق


الخدمات العلمية