الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو أسلم عشرين درهما في كر يساوي خمسين درهما ، ثم أقاله المسلم ، وهو مريض ، ثم مات ولا مال له غيره جازت الإقالة في خمسة أتساع الكر ويقال للمسلم إليه : أد إلى الورثة أربعة أتساع الكر وخمسة أتساع رأس المال ; لأنه حاباه بقدر ثلاثين درهما ، وثلث ماله ستة عشر وثلثان ; لأن جميع المال خمسون فننظر إلى ثلث ماله كم هو من مقدار المحاباة ، وطريق معرفته أن تجعل كل ثلاثة وثلث درهم سهما ، وجملة المحاباة تسعة دراهم وستة عشر وثلثان تكون خمسة فعرفنا أن ثلث ماله من جملة المحاباة خمس أتساع ، وصحة الإقالة باعتبار خروجه من الثلث فإنما تصح الإقالة في خمسة أتساع الكر ويقال للمسلم إليه : أد إلى الورثة أربعة أتساع الكر ، وقيمة ذلك اثنان وعشرون وتسعان وخمسة أتساع رأس المال ، مقدار ذلك أحد عشر وتسع فيسلم للورثة ثلاثة وثلاثون وثلث مقدار ثلثي المال ، ويكون في يد المسلم إليه خمسة أتساع الكر قيمته سبعة وعشرون وسبعة أتساع درهم بأخذ أحد عشر درهما وتسع الذي أعطى الورثة من رأس المال فيبقى ستة عشر وثلثان محاباة له ، وهو ثلث ما ترك الميت .

وعلى طريق الجبر تصح الإقالة في شيء من الكر بخمسي شيء ; لأن رأس المال من قيمة الكر كذلك فيبقى في يد الوارث كر إلا ثلاثة أخماس شيء ، وذلك يعدل شيئا وخمس شيء فأجبر الكر بثلاثة أخماس شيء وزد على ما يعدله مثله فظهر أن الكر يعدل شيئا وأربعة أخماس شيء ، قد جوزنا الإقالة في شيء وشيء من شيء وأربعة أخماس شيء يكون خمسة أتساع ، فظهر أن الإقالة إنما جازت في خمسة أتساع الكر ، وهذا كله إذا كانت الإقالة قبل قبض الكر ، فإن كانت الإقالة بعد قبض الكر فالعمل فيه كما وصفنا في قول أبي يوسف ومحمد رحمهما الله ; لأن الإقالة عندهما بعد القبض فسخ كما قبله فلا تجوز بأكثر من رأس المال .

وأما في قول أبي يوسف رحمه الله فالإقالة بعد القبض بمنزلة البيع المستقبل ، فإن كان رأس المال عشرة دراهم ، وقيمة الكر ثلاثون وتقابضا ، ثم أقاله إياه في مرضه وقبض منه الدراهم ودفع إليه الكر قيل للمسلم إليه [ ص: 58 ] أنت بالخيار ، فإن شئت أد إلى الورثة عشرة دراهم أخرى ، وإن شئت فرد الكر وخذ دراهمك ; لأن الإقالة عنده لما كانت بمنزلة البيع أمكن إثبات الزيادة في البدل منه فيكون هذا ، وأما لو باع المريض كرا يساوي ثلاثين درهما بعشرة سواه ، فهناك يخير المشتري بين أن يؤدي عشرة أخرى حتى تسلم له المحاباة بقدر ثلث المال وبين أن يفسخ البيع ويرد المبيع فهنا أيضا يخير المسلم إليه بين أن يرد الكر ويأخذ دراهمه وبين أن يؤدي ما زاد على الثلث من المحاباة ، وإنما ننظر إلى قيمة السلم إذا كانت فيه محاباة في جميع ذلك يوم يختصمون ، وقول أبي يوسف رحمه الله مفسرا بهذه الصفة لم يذكره في الكتب سوى في هذا الموضع

التالي السابق


الخدمات العلمية