الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
( قال ) : رجل له ألف درهم سود وألف درهم بيض فلما كان قبل الحول بشهر زكى خمسة وعشرين درهما من البيض فهذه المسألة على ثلاثة أوجه إما أن يهلك البيض قبل كمال الحول أو تستحق ، أو يتم الحول على المالين فإن ضاعت البيض قبل الحول ، وتم الحول على السود يجزئه ما أدى عن زكاة السود ; لأنه إنما عجل ما يجب عليه من الزكاة عند كمال الحول ، وهو زكاة السود فالمعجل يجزي من ذلك بمنزلة ما لو أدى بعد كمال الحول خمسة وعشرين درهما بيضا بزكاة السود ، وهذا ; لأن البيض والسود جنس واحد في حكم الزكاة فلهذا يضم أحدهما إلى الآخر في تكميل النصاب والمعتبر في الجنس الواحد أصل النية فأما نية التعيين فغير معتبرة في الجنس الواحد إذا لم يكن مفيدا كمن عليه قضاء أيام من رمضان وصام بعددها ينوي القضاء يجزئه ، وإن لم يعين في نيتة يوم الخميس والجمعة ، وهذا بخلاف ما إذا كانت له خمس من الإبل وأربعون من الغنم فعجل زكاة الغنم شاة ثم ضاعت الغنم ، وتم الحول على الإبل فإن المعجل لا يجزئ عن زكاة الإبل ; لأنهما جنسان مختلفان في حكم الزكاة ولهذا لا يضم أحدهما إلى الآخر وعند اختلاف الجنس تعتبر نية التمييز .

ولو استحقت البيض قبل كمال الحول لم يجز المعجل عن زكاة السود ; لأنه إنما عجل الزكاة من مال الغير فلا يجزئ ذلك عن زكاة ماله وكيف يجزئ ، وهو ضامن لما أدى من البيض إلى الفقراء أما هنا إنما عجل الزكاة من مال نفسه ; لأن بالهلاك لا يتبين أنه لم يكن ملكا له فيجزي المعجل عما يلزمه عند كمال الحول ، ولو حال الحول على المالين جميعا ففي رواية هذا الكتاب قال : المعجل يكون من زكاة البيض حتى إذا هلكت البيض بعد كمال الحول فعليه زكاة السود خمسة وعشرون درهما . وقال في الجامع الكبير : المعجل يكون بينهما حتى إذا هلكت البيض فعليه نصف زكاة السود اثنا عشر درهما ونصف درهم .

وجه هذه الرواية أن بعد ما وجبت الزكاة فيهما يجعل الأداء بطريق التعجيل كالأداء بعد كمال الحول ، ولو أدى بعد كمال الحول زكاة البيض كان المؤدى عما نواه خاصة فكذلك إذا عجل ، وهذا ; لأن المعارضة قد تحققت حين وجبت الزكاة فيهما فاعتبرنا نيته في التمييز في ترجيح أحدهما عملا بقوله صلى الله عليه وسلم { ولكل امرئ ما نوى } بخلاف ما إذا هلك أحدهما قبل كمال الحول ; لأن هناك لم تتحقق المعارضة بينهما في حكم الزكاة فإن الزكاة وجبت في إحداهما دون الأخرى .

وجه رواية الجامع ، وهي الأصح ما بينا أن السود [ ص: 24 ] والبيض جنس واحد في حكم الزكاة فيسقط اعتبار نية التمييز فيهما فكأنه قصد عند الأداء تعجيل الزكاة فقط فيجعل المؤدى من المالين جميعا إذا وجبت الزكاة فيها ، وهذا بخلاف الأداء بعد الوجوب فإنه تفريغ للمال عن حق الفقراء ; لأن بوجوب الزكاة يصير المال مشغولا بحق الفقراء فكانت نية الأداء عن زكاة البيض مفيدة من حيث إنه قصد به تفريغ البيض دون السود بخلاف التعجيل قبل الوجوب فإنه لا فائدة في نية التمييز هناك ، وباعتبار هذا المعنى لو أدى زكاة البيض بعد الوجوب ثم هلكت البيض لم يكن المؤدى عن السود ، ولو عجل قبل الوجوب ثم هلكت البيض ، وتم الحول على السود كان المعجل من زكاة السود والذي بينا في السود والبيض كذلك الجواب في الذهب والفضة إذا كانت له مائتا درهم وعشرون مثقالا من ذهب فعجل زكاة أحد المالين ، أو أدى بعد الوجوب فهي في جميع الفصول مثل ما سبق وعلى هذا لو كان له ألف درهم عينا وألف درهم دينا على إنسان فعجل زكاة العين ثم ضاعت قبل كمال الحول فالمعجل يجزي عن زكاة الدين ولو أدى زكاة العين بعد كمال الحول ثم ضاعت قبل الحول لم يجز المؤدى عن الدين ; لأنه في الأداء بعد الوجوب إنما قصد تطهير ماله العين وقد حصل مقصوده فكان بقاؤه بعد ذلك وهلاكه سواء في التعجيل وقبل الوجوب إنما قصد إسقاط ما يلزمه من الزكاة عند كمال الحول ، وإنما لزمته الزكاة في الدين وأداء العين عن زكاة الدين جائز . وعلى هذا لو كان له عبد وجارية للتجارة قيمة كل واحد منهما ألف فعجل زكاة أحدهما قبل الحول ثم مات الذي عجل الزكاة عنه قبل كمال الحول وتم الحول على الآخر فالمعجل يجزئ عنه بخلاف ما إذا زكى أحدهما بعد الحول ثم مات الذي زكى عنه ولو عجل زكاة أحدهما قبل الحول ثم مات الذي زكى عنه بعد كمال الحول فعليه أن يزكي الباقي على هذه الرواية وعلى رواية الجامع عليه نصف زكاة الباقي ; لأن المعجل يجزئ عنهما إذا وجبت الزكاة فيهما على تلك الرواية .

التالي السابق


الخدمات العلمية