الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
. ( قال ) : فإن خرج بعض الولد ثم رأت الدم فروى خلف بن أيوب عن أبي يوسف وهو قول أبي حنيفة رحمهم الله تعالى أنه إن خرج الأكثر منه فهي نفساء ; لأن بقاء الأقل لا يمنع خروج الدم من الرحم وكذلك لو انقطع الولد فيها فإذا خرج الأكثر كانت نفساء ; لأن للأكثر حكم الكمال ، فأما إذا أسقطت سقطا ، فإن كان قد استبان شيء من خلقه فهي نفساء فيما ترى من الدم بعد ذلك ، وإن لم يستبن شيء من خلقه فلا نفاس لها ، ولكن إن أمكن جعل المرئي من الدم حيضا يجعل حيضا ، وإن لم يمكن بأن لم يتقدمه طهر تام فهو استحاضة وقال الشافعي رحمه الله تعالى يمتحن السقط بالماء الحار ، فإن ذاب فيه فليس بولد فلا نفاس لها ، وإن لم يذب فهو ولد وتصير به نفساء ، وهذا من باب الطب ليس من الفقه في شيء فلم نقل به لهذا ، ولكن حكمنا السيما والعلامة ، فإن ظهر فيه شيء من آثار النفوس فهو ولد والنفاس هو الدم الخارج بعقب خروج الولد ، وإن لم يستبن فيه شيء من الآثار فهذه علقة أو مضغة فلم يكن للدم المرئي بعدها حكم النفاس ثم المسألة على وجهين : إما أن ترى الدم قبل إسقاط السقط أو لا تراه ، فإن رأت الدم قبل إسقاط السقط ، فإن كان السقط مستبين الخلق لا تترك الصلاة والصوم بالدم المرئي قبله ، وإن كانت تركت الصلاة فعليها قضاؤها ; لأنه تبين أنها كانت حاملا حين رأت الدم ، وليس لدم الحامل حكم الحيض ، وهي نفساء فيما تراه بعد السقط ، وإن لم يكن السقط مستبين الخلق فما رأته قبل السقط حيض إن أمكن أن يجعل حيضا بأن وافق أيام عادتها ، وكان مرئيا عقيب طهر صحيح ; لأنه تبين أنها لم تكن حاملا ثم إن كان ما رأت قبل السقط مدة تامة فما رأت بعد السقط استحاضة .

وإن لم تكن مدة تامة تكمل مدتها مما رأت بعد السقط ثم هي مستحاضة بعد ذلك .

فإن كانت أيامها ثلاثة فرأت قبل السقط ثلاثة دما ثم استمر بها الدم بعد السقط فحيضها الثلاثة التي رأتها قبل السقط ، وهي مستحاضة فيما رأت بعد السقط .

وإن كان ما رأت قبل السقط يوما أو يومين تكمل مدتها ثلاثة أيام مما تراه بعد السقط ثم هي مستحاضة بعد ذلك ، وإن لم ترد ما قبل السقط ، ورأته بعده ، فإن كان السقط مستبين الخلق فهي نفساء ، وإن لم يكن مستبين الخلق ، فإن أمكن جعل ما تراه بعد السقط حيضا يجعل حيضا لها بعدل [ ص: 214 ] أيام عادتها ، وإن لم يمكن جعله حيضا فهي مستحاضة في ذلك ، فإن أسقطت في بئر المخرج سقطا لا تدري أنه كان مستبين الخلق ، أو لم يكن فهذا أيضا على وجهين : إما أن ترى الدم قبل السقط أو لا تراه إلا بعد السقط ، فإن لم تر الدم إلا بعد السقط وأيامها في الحيض عشرة ، وفي الطهر عشرون فنقول : إذا كان السقط مستبين الخلق فلها نفاس أربعين ; لأنها مبتدأة في النفاس ، وقد استمر بها الدم فيكون نفاسها أكثر النفاس كالمبتدأة بالحيض إذا استمر بها الدم ، وإن لم يكن السقط مستبين الخلق فحيضها عشرة فتترك الصلاة عقيب السقط عشرة أيام بيقين ; لأنها في هذه العشرة إما حائض وإما نفساء ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك ; لأنه تردد حالها فيها بين الطهر والنفاس ثم تترك عشرة بيقين ; لأنها في هذه العشرة إما حائض أو نفساء ثم تغتسل لتمام مدة النفاس والحيض ثم بعده طهرها عشرون وحيضها عشرة ، وهكذا دأبها أن تغتسل في كل وقت تتوهم أنه وقت خروجها من الحيض والنفاس ، فإن كانت قد رأت قبل إسقاط السقط دما ، فإن كان ما رأت قبل الإسقاط مستقلا لا تترك الصلاة بعد الإسقاط ، وإن لم يكن مستقلا تركت بعد الإسقاط قدر ما تتم به مدة حيضها ولا تترك الصلاة فيما رأت قبل الإسقاط على كل حال ولو تركت فعليها قضاؤها ; لأنه إن كان السقط مستبين الخلق لم يكن ما رأت قبله حيضها ، وإن لم يكن مستبين الخلق كان ذلك حيضا فتردد حالها فيما رأت قبل السقط بين الحيض والطهر فلا تترك الصلاة بالشك ثم إن كان حيضها عشرة وطهرها عشرون ، فإن رأت قبل الإسقاط عشرة ثم أسقطت اغتسلت وصلت عشرين يوما بعد السقط ; لأنه تردد حالها فيه بين الطهر والنفاس ثم تترك عشرة بيقين ; لأنها فيه نفساء أو حائض ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما عشرة بالشك ; لأنه تردد حالها فيها بين النفاس والطهر ثم تغتسل وتصلي عشرة أخرى بيقين الطهر ثم تصلي عشرة بالشك لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر ثم تغتسل ، وهكذا دأبها .

وإن كانت رأت قبل السقط خمسة أيام دما ثم أسقطت كما بينا فإنها تترك الصلاة خمسة أيام بعد السقط ; لأن السقط إن لم يكن مستبين الخلق فهذه الخمسة تتمة مدة حيضها ، وإن كان مستبين الخلق فهذا أول نفاسها فتترك الصلاة في هذه الخمسة بيقين ثم تغتسل وتصلي عشرين يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك لتردد حالها فيه بين النفاس والطهر ثم تترك عشرة بيقين ; لأنها في هذه العشرة إما حائض أو نفساء فبلغ الحساب خمسة [ ص: 215 ] وثلاثين ثم تغتسل وتصلي خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل لتمام الأربعين ; لأنه وقت خروجها من النفاس إن كان السقط مستبين الخلق ثم تصلي خمسة عشر يوما بالوضوء بيقين ; لأنه طهرها فبلغ الحساب خمسة وخمسين ثم تصلي خمسة أيام بالوضوء بالشك لتردد حالها فيها بين أول الحيض إن لم يكن السقط مستبين الخلق وبين آخر الطهر إن كان السقط مستبين الخلق فبلغ الحساب ستين ثم تترك خمسة ; لأنها تتيقن بأن هذه الخمسة إما أول حيضها أو آخر حيضها ثم تغتسل وتصلي خمسة أيام بالوضوء بالشك ثم تغتسل مرة أخرى ; لأن هذا آخر حيضها إن كان السقط مستبين الخلق ثم تصلي خمسة عشر يوما بالوضوء بيقين ، وهكذا دأبها أن تترك في كل مرة الصلاة في كل خمسة فيها يقين الحيض وأن تغتسل في كل وقت تتوهم أنه وقت خروجها من الحيض .

التالي السابق


الخدمات العلمية