الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ومن المختلط الذي هو منفصل الأجزاء مسألة الموتى إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار وهي تنقسم ثلاثة أقسام أيضا : فإن كانت الغلبة لموتى المسلمين فإنه يصلى عليهم ويدفنون في مقابر المسلمين لأن الحكم للغالب والغالب موتى المسلمين ، إلا أنه ينبغي لمن يصلي عليهم أن ينوي بصلاته المسلمين خاصة لأنه لو قدر على التمييز فعلا كان عليه أن يخص المسلمين بالصلاة عليهم فإذا عجز عن ذلك كان له أن يخص المسلمين بالنية لأن ذلك في وسعه والتكليف بحسب الوسع ونظيره ما لو تترس المشركون بأطفال المسلمين فعلى من يرميهم أن يقصد المشركين وإن كان يعلم أنه يصيب المسلم ، وإن كان الغالب موتى الكفار لا يصلى على أحد منهم إلا من يعلم أنه مسلم بالعلامة لأن الحكم للغالب والغلبة للكفار هنا ، وإن كانا متساويين فكذلك الجواب لأن الصلاة على الكافر لا تجوز بحال قال الله تعالى { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا } ، ويجوز ترك الصلاة على بعض المسلمين كأهل البغي وقطاع الطريق ، [ ص: 199 ] فعند المساواة يغلب ما هو الأوجب وهو الامتناع عن الصلاة على الكفار ، ولا يجوز المصير إلى التحري هنا عندنا لما بينا أن العمل بغالب الرأي في موضع الضرورة ولا تتحقق الضرورة هنا وذكر في ظاهر الرواية ، أنهم يدفنون في مقابر المشركين لأن في حكم ترك الصلاة عليه جعل كأنهم كفار كلهم فكذلك في حكم الدفن هذا قول محمد رحمه الله تعالى ، فأما على قول أبي يوسف رحمه الله ينبغي أن يدفنوا في مقابر المسلمين مراعاة لحرمة المسلم منهم ، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى ودفن المسلم في مقابر المشركين لا يجوز بحال .

وقيل : بل يتخذ لهم مقبرة على حدة لا من مقابر المسلمين ولا من مقابر المشركين فيدفنون فيها ، وأصل هذا الخلاف بين الصحابة رضي الله عنهم في نظير هذه المسألة وهو أن النصرانية إذا كانت تحت مسلم فماتت وهي حبلى فإنه لا يصلى عليها لكفرها ثم تدفن في مقابر المشركين عند علي وابن مسعود رضي الله عنهما ، ومنهم من يقول : تدفن في مقابر المسلمين لأن الولد الذي في بطنها مسلم ، ومنهم من يقول : يتخذ لها مقبرة على حدة ، فهذا مثله وهذا كله إذا تعذر تمييز المسلم بالعلامة ، فإن أمكن ذلك وجب التمييز ، ومن العلامة للمسلمين الختان والخضاب ولبس السواد ، فأما الختان فلأنه من الفطرة كما قال صلى الله عليه وسلم { : عشر من الفطرة وذكر من جملتها الختان } إلا أن من أهل الكتاب من يختتن فإنما يمكن التمييز بهذه العلامة إذا اختلط المسلمون بقوم من المشركين يعلم أنهم لا يختتنون ، وأما الخضاب فهو من علامات المسلمين قال صلى الله عليه وسلم { : غيروا الشيب ولا تتشبهوا باليهود } وكان أبو بكر الصديق رضي الله عنه يختضب بالحناء والكتم حتى قال الراوي رأيت ابن أبي قحافة رضي الله عنه على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحيته كأنها ضرام عرفج واختلفت الرواية في أن النبي صلى الله عليه وسلم هل فعل ذلك في عمره ؟ والأصح أنه لم يفعل ، ولا خلاف أنه لا بأس للغازي أن يختضب في دار الحرب ليكون أهيب في عين قرنه ، وأما من اختضب لأجل التزين للنساء والجواري فقد منع من ذلك بعض العلماء رحمهم الله تعالى والأصح أنه لا بأس به ، هو مروي عن أبي يوسف رحمه الله تعالى قال : كما يعجبني أن تتزين لي يعجبها أن أتزين لها ، وأما السواد من علامات المسلمين جاء في الحديث { أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه عمامة سوداء } وقال صلى الله عليه وسلم { : إذا لبست أمتي السواد فابغوا الإسلام } ومنهم من روى فانعوا والأول أوجه فقد صح { أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 200 ] بشر العباس رضي الله عنه بانتقال الخلافة إلى أولاده بعده وقال : من علاماتهم لبس السواد } ، والكفار لا يلبسون السواد فإن أمكن التمييز بشيء من هذه العلامات وجب المصير إليها كما إذا أمكن معرفة جهة القبلة بشيء من العلامات وجب المصير إليها عند الاشتباه

التالي السابق


الخدمات العلمية