الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ص ( وأما الكفر وسبه عليه السلام وقذف المسلم فإنما يجوز للقتل )

                                                                                                                            ش : قال ابن فرحون في شرح ابن الحاجب : ويلحق بقذف المسلم سب أصحابه عليه الصلاة والسلام ، انتهى .

                                                                                                                            ص ( لا قتل المسلم وقطعه وإن يزني )

                                                                                                                            ش : قال في آخر معين الحكام : ومن هدد بقتل أو غيره على أن يقتل رجلا أو يقطع يده أو يأخذ ماله أو يزني بامرأته أو يبيع متاع رجل فلا يسعه ذلك وإن علم أنه إن عصى وقع ذلك به فإن فعل فعليه القود وغرم ما أتلف ويحد إن زنى ويضرب إن ضرب ويأثم ، انتهى . وقال ابن فرحون في تبصرته في الفصل الخامس من القسم الثالث : ومن أكره على قتل ولده أو أخيه والقاتل وارثه فإن فعل ذلك يمنعه الإرث ولا يدفع عنه القود ( تنبيه ) قال عبد الملك قالوا وكذلك لو استكره على أن يزني وحمل السيف على رأسه وأقيم عليه الحد ووجب عليه الإثم وليس هذا من الإكراه الموضوع عن صاحبه وإنما الموضوع عن صاحبه إثم ما ركب بالاستكراه في الأيمان والطلاق والبيع والإفطار في رمضان وشرب الخمر وترك الصلاة وأشباه هذا مما هو لله تعالى ا هـ ، وقال في التوضيح : الصحيح جواز شرب الخمر وأكل الخنزير إذا أكره عليه ا هـ ( فرع ) قال في معين الحكام إثر كلامه السابق : من أكره على قطع يد رجل فأذن له في ذلك المقطوعة يده طائعا لم يسعه أن يفعل فإن فعل أثم ولا قصاص عليه ولا دية ولا على من أكرهه ولو أذن صاحب اليد مكرها بوعيد أثم القاطع وعليه الأدب والحبس ثم قال : مسألة من أكره على قتل رجل فأذن لرجل في قتل نفسه ففعل المكره فهو آثم ولورثة القتيل القصاص وليس على من أكره إلا الأدب ووقع لابن عبد الحكم خلاف هذا وأنه لا قود في النفس ولا في الأطراف ، انتهى . باختصار يسير ، والله أعلم .

                                                                                                                            ص ( وفي لزوم طاعة أكره عليها قولان ) ش اعلم أن الإكراه على اليمين تارة يكون على أن لا يفعل في المستقبل [ ص: 47 ] أو على أن يفعل في المستقبل أيضا فهذا قال فيه في التوضيح : إن كان على معصية أو ما ليس بطاعة ولا معصية فلا تلزم اليمين وإن كان على طاعة ففيه قولان مثال ما هو على معصية أن يحلفه الظالم بالطلاق مثلا أن لا يصلي وأن يشرب الخمر فيصلي ولا يشرب الخمر فلا يحنث ومثال ما ليس بطاعة ولا معصية أن يحلفه مثلا أن لا يدخل السوق أو أن يدخل السوق فيدخل أو لا يدخل فلا يحنث أيضا ومثال ما هو طاعة مثل أن يحلفه أن لا يشرب الخمر أو أن يصلي فيشرب الخمر ولا يصلي ففي الحنث قولان وتارة يكون الإكراه على أن يحلف أنه ما فعل في الماضي أو أنه فعل وهذا أيضا يكون على معصية ويكون على ما ليس بطاعة ولا معصية ويكون على طاعة مثال الأول أعني ما هو على معصية مثل أن يحلفه بالطلاق أنك ما صليت اليوم وإلا قتلتك ويكون المحلف بكسر اللام أمره بعدم الصلاة أو أنك ظلمت فلانا ويكون المحلف أمر الحالف بظلم فلان ويكون الحالف لم يظلم فلانا ويكون صلى فهذا إذا تحقق الإكراه لا كلام أنه لا يلزمه شيء ومثال الثاني أعني ما ليس بطاعة ولا معصية أن يحلفه على أنه ما دخل السوق أو أنه دخل ويكون الحالف خالف في الوجهين فالظاهر أيضا لا تلزمه اليمين ; لأنه إذا كان إذا أكره على اليمين على أن لا يفعل أو يفعل في المستقبل ما ليس بطاعة ولا معصية لا حنث عليه فأحرى أنه لا حنث عليه إذا أكره على أن يحلف أنه ما فعل أو فعل ما ليس بطاعة ولا معصية ; لأنه في الأول إنما أكره على اليمين فقط وأما الحنث فإنما فعله هو باختياره فهو أدخل الحنث على نفسه وهنا أكره على أن يحلف بيمين هو كاذب فيها ، والله أعلم . ومثال الثالث أعني ما هو على طاعة مثل أن يحلفه أنه صلى أو أنه ما ظلم فلانا أو أنه ما اغتاب فلانا ويكون الحالف صلى أو يكون ظلم أو اغتاب فالظاهر أنه يدخل فيه الخلاف الذي فيما إذا حلف على أن لا يفعل في المستقبل أو يفعل في المستقبل كما تقدم ; لأنه إذا اختلف في هذا وهو الذي أدخل الحنث على نفسه وإنما أكره على اليمين فقط فأحرى أن لا يحنث في مثالنا ; لأنه لم يتعمد الحنث وإنما أكره على أن يحلف يمينا هو فيها حانث كما تقدم في المثال الثاني ، والله أعلم . هذا من جهة البحث وأما النقل فالذي رأيته يدل على ما تقدم ، قاله في كتاب الأيمان من النوادر ونصه : ومن كتاب ابن المواز ، قال مالك : من حلف على خوف من العذاب واليمين على حق وقد كذب في يمينه فهو حانث ولا ينفعه التقية هاهنا ، قال ابن المواز : كأنه غصب شيئا أو فعل أمرا وحلف ما فعله ، قال مالك فيمن طولب ليقتل ظلما فخبأه رجل عنده فأحلف بالطلاق ما هو عنده ، قال : قد أجر وطلقت عليه امرأته ، وقال أشهب : لا شيء عليه والمكره على اليمين لا تلزمه وكذلك المكره على الحنث يريد أشهب إن خاف إن لم يحلف عذب بضرب أو سجن ، انتهى . فقول أشهب يحتمل أن يكون خلافا في الثانية فقط وفيها أو في الأولى وكونه فيها وفي الأولى أولى لنقل البرزلي عن السيوري عدم اللزوم ونصه على ما ذكره البرزلي في مختصره : وسئل السيوري عمن قال له رجل شرير تكلمت في فلان فأنكر فحلفه بالطلاق أنه لم يفعل ذلك فحلف وقال : قد خفت وقد قلت بعض القول وجاء مستفتيا وكانت يمينه بالثلاث فما الحكم فأجاب إن كان يخاف ممن ذكرت خوفا لا يشك فيه ويثبت له أنه يخاف العقوبة البينة في ذلك فلا يحنث إذا دفع عن نفسه تلك العقوبة ، انتهى . من مسائل الطلاق . فهذان القولان يدلان على جريان الخلاف في المسألة هنا في الإكراه على اليمين وأما الإكراه على الحنث فلا يتصور إلا إذا كانت اليمين على مستقبل والمشهور حينئذ أنها إن كانت على بر فلا حنث وإن كانت على حنث فالحنث ، والله أعلم [ ص: 48 ] بالصواب وإليه المرجع والمآب .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            الخدمات العلمية