الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ويجب القصاص بالسبب ) كالمباشرة وهي ما أثر التلف وحصله وهو ما أثره فقط ومنه منع نحو الطعام السابق والشرط ما لا ولا إنما حصل التأثير عنده بغيره المتوقف تأثيره عليه كالحفر مع التردي فإن المفوت هو التخطي صوب البئر والمحصل هو التردي فيها المتوقف على الحفر ومن ثم لم [ ص: 382 ] يجب به قود مطلقا وسيعلم من كلامه أن السبب قد يغلبها وعكسه وأنهما قد يعتدلان ثم السبب إما حسي كالإكراه وإما عرفي كتقديم الطعام المسموم إلى الضيف وإما شرعي كشهادة الزور ( فلو شهدا ) على آخر ( بقصاص ) أي موجبه في نفس أو طرف أو بردة أو سرقة ( فقتل ) أو قطع بأمر الحاكم بشهادتهما ( ثم رجعا ) عنها ومثلهما المزكيان والقاضي ( وقالا تعمدنا الكذب ) فيها وعلمنا أنه يقتل بها أو قال كل تعمدت أو زاد ولا أعلم حال صاحبي ( لزمهما القصاص ) فإن عفي عنه فدية مغلظة لتسببهما إلى إهلاكه بما يقتل غالبا وموجبه مركب من الرجوع والتعمد مع العلم لا الكذب ومن ثم لو شوهد المشهود بقتله حيا لم يقتلا لاحتمال غلطهما ولو قال أحدهما تعمدت أنا وصاحبي وقال الآخر أخطأت أو أخطأنا أو تعمدت وأخطأ صاحبي قتل الأول فقط ؛ لأنه المقر بموجب القود وحده فإن قالا لم نعلم أنه يقتل بها قبل إن أمكن لنحو قرب إسلامهما قال البلقيني أو قالا لم نعلم قبول شهادتنا لمقتض لردها فينا ، وإنما الحاكم قصر لقبولها ووجبت دية شبه العمد في مالهم إن لم تصدقهم العاقلة

                                                                                                                              ( تنبيه ) ظاهر كلامهم أنه لا بد من قولهما وعلمنا أنه يقتل بشهادتنا وإن كانا عالمين عدلين ويوجه بأنهما مع عدم ذكره قد يعذران فاحتيط للقود باشتراط ذكرهما لذلك ( إلا أن يعترف الولي بعلمه ) عند القتل كما في المحرر ( بكذبهما ) في شهادتهما فلا قود عليهما بل هو أو الدية المغلظة عليه وحده لانقطاع تسببهما وإلجائهما بعلمه فصارا شرطا [ ص: 383 ] كالممسك مع القاتل واعترافه بعلمه بعد القتل لا أثر له فيقتلان واعتراف القاضي بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل موجب لقتله أيضا رجعا أم لا ومحل ذلك كله ما لم يعترف وارث القاتل بأن قتله حق ولو رجع الولي والشهود فسيأتي في الشهادات .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قول المتن لزمهما القصاص ) قال في العباب بخلاف راوي حديث للقاضي في حكم قد توقف فيه فحكم بمقتضاه ثم رجع عن روايته ا هـ ومثل الراوي المذكور فيما يظهر المفتي إذا أفتى بالقتل ثم رجع م ر ( قوله : ومن ثم لو شوهد إلخ ) يتأمل موقع هذا الكلام فإنه تحصل من كلامه أن شرط وجوب القصاص الرجوع مع الاعتراف بتعمد الكذب وبالعلم بأنه يقتل بشهادتهما فإن تحقق هذا الشرط وجب القصاص ولا أثر للمشاهدة المذكورة وإن لم يتحقق لم يجب وإن انتفت المشاهدة المذكورة فليتأمل ، وقد يجاب بأن مرادهما أنهما إن لم يعترفا بالتعمد وشاهدنا المشهود بقتله حيا لم يجب القصاص لاحتمال الغلط وعدم التعمد ولا يخفى عدم مساعدة العبارة عليه فليتأمل ( قوله : لم يقتلا ) أي بالمشهود عليه الذي قتل ( قوله : قال البلقيني أو قالا لم نعلم إلخ ) بحث تقييد ما قاله البلقيني بما إذا كان حالهما معلوما وإلا فلا التفات [ ص: 383 ] إلى قولهما ذلك وهو بحث في غاية الاتجاه .



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : كالمباشرة ) إلى قول المتن ، ولو ضيف المغني إلا قوله وسيعلم إلى قوله ثم السبب والتنبيه ( قوله : وهي ) أي المباشرة ( قوله : ما أثر التلف إلخ ) أي كحز الرقبة وقوله التلف أي فيه ( قوله : وهو ) أي السبب ( قوله ما أثره ) أي أثر في التلف ( قوله : فقط ) أي بأن ترتب عليه الهلاك بواسطة ولم يحصله بذاته ع ش ( قوله : ومنه منع نحو الطعام إلخ ) أي فكان الأولى تأخيره إلى هنا مغني وعميرة ( قوله : ما لا ولا ) أي ما لا يؤثر في الهلاك ولا يحصله ووجه الحصر في ذلك أن الفاعل لا يخلو إما أن يقصد عين المجني عليه أو لا فإن قصده بالفعل المؤدي إلى الهلاك بلا واسطة فهو المباشرة وإن أدى إليه بواسطة فهو السبب كالشهادة بموجب قصاص وإن لم يقصد عين المجني عليه بالكلية فهو الشرط مغني .

                                                                                                                              ( قوله تأثيره ) أي الغير ( قوله : فإن المفوت ) أي المؤثر [ ص: 382 ] ا هـ مغني .

                                                                                                                              ( قوله : مطلقا ) أي سواء كان الحفر عدوانا أم لا ( قوله : أن السبب ) أي كالشهادة قد يغلبها أي المباشرة ( قوله : وعكسه ) أي كالقد مع الإلقاء من شاهق وقوله قد يعتدلان أي كالمكره والمكره شوبري ( قول المتن فلو شهدا ) أي رجلان عند قاض مغني .

                                                                                                                              ( قوله : أو بردة إلخ ) عطف على بقصاص ( قول المتن فقتل ) أي المشهود عليه ( قوله : فيها ) أي الشهادة ( قوله بها ) أي بشهادتنا ( قوله : أو قال كل : تعمدت ) أي واقتصر عليه ( قول المتن لزمهما القصاص ) وخرج بالشاهد الراوي كما لو أشكلت قضية على حاكم فروى له فيها إنسان خبرا فقتل الحاكم به شخصا ثم رجع الراوي وقال تعمدت الكذب فلا قصاص عليه كما في الروضة وأصلها وقياسه ما لو استفتى القاضي شخصا فأفتاه بالقتل ثم رجع مغني ونهاية قال ع ش قوله : فلا قصاص عليه أي ولا دية ، وكذا لا قصاص على القاضي حيث كان أهلا للأخذ من الحديث بأن كان مجتهدا وإلا اقتص منه وقوله فأفتاه إلخ أي ، ولو قال تعمدت الكذب وعلمت أنه يقتل بإفتائي وقوله ثم رجع أي المفتي ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله وموجبه ) أي القصاص عليهما ( قوله والتعمد مع العلم ) أي الاعتراف به مغني .

                                                                                                                              ( قوله : لا الكذب ) أي وحده رشيدي ( قوله ومن ثم لو شوهد إلخ ) يتأمل موقع هذا الكلام فإنه تحصل من كلامه أن شرط وجوب القصاص الرجوع مع الاعتراف بتعمد الكذب وبالعلم بأنه يقتل بشهادتهما فإن تحقق هذا الشرط وجب القصاص ولا أثر للمشاهدة المذكورة وإن لم يتحقق لم يجب ، وإن انتفت المشاهدة المذكورة فليتأمل ، وقد يجاب بأن المراد أنهما إذا لم يعترفا بالتعمد وشاهدنا المشهود بقتله حيا لم يجب القصاص لاحتمال الغلط وعدم التعمد ولا يخفى عدم مساعدة العبارة عليه فليتأمل سم على حج ا هـ ع ش ( قوله : لم يقتلا ) وعلى القاتل دية عمد في ماله كما يأتي في شرح ، ولو ألقاه في ماء مغرق فالتقمه حوت إلخ ع ش ( قوله : قتل الأول ) أي من قال تعمدت أنا وصاحبي ع ش ( قوله : فإن قالا إلخ ) ويظهر أنه يأتي هنا وفيما يأتي عن البلقيني نظير قوله السابق ، ولو قال أحدهما تعمدت إلخ ( قوله : قبل إن أمكن إلخ ) عبارة المغني فإنه ينظر إن كانا ممن يخفى عليهما ذلك لقرب عهدهما بالإسلام أو بعدهما عن العلماء لم يجب عليهما القصاص بل دية شبه عمد وإن لم يخف عليهما ذلك فلا اعتبار بقولهما ، كمن رمى سهما إلى شخص واعترف بأنه قصده ولكن قال لم أعلم أنه يبلغه ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : إن أمكن ) أي صدقهما نهاية .

                                                                                                                              ( قوله : قال البلقيني إلخ ) بحث تقييد ما قاله البلقيني بما إذا كان حالهما معلوما وإلا فلا التفات إلى قولهما ذلك وهو بحث في غاية الاتجاه سم ويؤيد ذلك قول المغني بدل قول الشارح لمقتض إلخ لظهور أمور فينا تقتضي ردها إلخ ( قوله : ووجبت إلخ ) عطف على قوله قبل ( قوله : في مالهم ) أي الشهود ع ش ( قوله إن لم تصدقهم العاقلة ) فإن صدقتهم فالدية على العاقلة ع ش ( قوله : أنه لا بد ) أي في لزوم القصاص عليهما ( قول المتن الولي ) أي ولي المقتول مغني .

                                                                                                                              ( قوله : عند القتل ) متعلق بعلمه ( قوله : فلا قود عليهما ) هذا إذا تمحض القصاص فلو شهدا على قاطع الطريق ثم رجعا لم يسقط القصاص عنهما باعتراف الولي بكذبهما ؛ لأن حق الله تعالى باق مغني .

                                                                                                                              ( قوله : بل هو ) أي القود وقوله أو الدية إلخ أي إن عفى عن القود وقوله عليه أي الولي ( قوله وإلجائهما ) عطف تفسير على تسببهما ( قوله بعلمه ) متعلق بانقطاع [ ص: 383 ] رشيدي ( قوله واعترافه ) أي الولي ع ش ( قوله : بعد القتل ) متعلق بعلمه رشيدي والمراد قتل الجاني ع ش ( قوله : واعتراف القاضي إلخ ) أي دون الولي مغني .

                                                                                                                              ( قوله : حين الحكم ) متعلق بعلمه ( قوله : رجعا ) أي الشاهدان ( قوله وارث القاتل ) أي القاتل الأول الذي قتلناه بشهادة البينة ع ش ( قوله : بأن قتله حق ) فلو قال أنا أعلم كذبهما في رجوعهما وأن مورثي قتله فلا قصاص على أحد مغني .




                                                                                                                              الخدمات العلمية