الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإن تطيب أو لبس مخيطا أو حلق من عذر فهو مخير إن شاء ذبح وإن شاء تصدق على ستة مساكين بثلاثة أصوع من الطعام وإن شاء صام ثلاثة أيام ) لقوله تعالى { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } وكلمة أو للتخيير وقد فسرها رسول الله عليه الصلاة والسلام بما ذكرنا ، والآية نزلت في المعذور [ ص: 41 ] ثم الصوم يجزيه في أي موضع شاء ; لأنه عبادة في كل مكان ، وكذلك الصدقة عندنا لما بينا . وأما النسك فيختص بالحرم بالاتفاق ; لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان ، وهذا الدم لا يختص بزمان فتعين اختصاصه بالمكان ، ولو اختار الطعام أجزأه فيه التغذية والتعشية عند أبي يوسف رحمه الله اعتبارا بكفارة اليمين . وعند محمد رحمه الله لا يجزيه ; لأن الصدقة تنبئ عن التمليك وهو المذكور .

التالي السابق


( قوله : أو لبس مخيطا أو حلق من عذر ) بأن اضطر إلى تغطية الرأس لخوف الهلاك من البرد أو للمرض أو لبس السلاح للحرب فعليه كفارة واحدة يتخير فيها بين أن يذبح شاة أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام أو بصوم ثلاثة أيام ، وإن كان ينزعه ليلا ويلبسه نهارا ما لم يذهب العدو مثلا ويأتي غيره ، وتقدم لهذا زيادة تفصيل فارجع إليه ( قوله : وقد فسرها ) أي فسر الكفارة المخير فيها بقوله تعالى : { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } بما ذكرنا ، وذلك في حديث كعب بن عجرة في الصحيحين قال { حملت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال : ما كنت أرى الوجع بلغ بك ما أرى ، أو ما كنت أرى الجهد بلغ بك ما أرى ، أتجد شاة ؟ فقلت لا ، فقال : صم . ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع } وفي رواية { فأمره أن يطعم فرقا بين ستة أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة أيام } وفسر الفرق بثلاثة أصوع ، وقوله في الرواية الأولى " أتجد شاة " في الابتداء محمول على أنه سأله هل تجد النسك ، فإن وجده أخبره أنه مخير بينه وبين الخصلتين ، وإن كان خلاف المتبادر كي لا تقع المعارضة بينه وبين الكتاب وهو قوله تعالى { ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } [ ص: 41 ] والرواية الأخرى .

( قوله : وأما النسك فيختص بالحرم ) قال الله تعالى في جزاء الصيد { هديا بالغ الكعبة } وهو واجب بطريق الكفارة فكان أصلا في كل هدي وجب كفارة في اختصاصه بالحرم ، وقوله ; لأن الإراقة لم تعرف قربة إلا في زمان أو مكان يعطي أن القربة هنا تعلقت بالإراقة ، ولازمه جواز الأكل منه كهدي المتعة والقران والأضحية ، لكن الواقع لزوم التصدق بجميع لحمه ; لأنه كفارة ، ثم لازم هذا بحسب المتبادر أنه لو سرق بعدما ذبح يلزمه إقامة غيره مقامه ، لكن الواقع أن لا يلزمه ذلك وغيره فكانت القربة فيه لها جهتان : جهة الإراقة . وجهة التصدق . فللأولى لا يجب غيره إذا سرق مذبوحا ، وللثاني يتصدق بلحمه ولا يأكل منه . ( قوله : وهو ) أي الصدقة على تأويل التصدق ( المذكور ) في الآية ، قيل قول أبي حنيفة كقول محمد ، وقال أبو يوسف : الحديث الذي فسر الآية فيه لفظ الإطعام فكان ككفارة اليمين ، وفيه نظر ، فإن الحديث ليس مفسر المجمل بل إنه مبين للراد بالإطلاق ، وهو حديث مشهور عملت به الأمة فجازت الزيادة به ، ثم المذكور في الآية الصدقة وتحقق حقيقتها بالتمليك ، فيجب أن يحمل في الحديث الإطعام على الإطعام الذي هو الصدقة وإلا كان معارضا ، وغاية الأمر أنه يعتبر بالاسم الأعم ، والله أعلم .




الخدمات العلمية