الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( فإن تزوج حبلى من زنا جاز النكاح ولا يطؤها حتى تضع حملها ) وهذا عند [ ص: 242 ] أبي حنيفة ومحمد . وقال أبو يوسف رحمه الله : النكاح فاسد ( وإن كان الحمل ثابت النسب فالنكاح باطل بالإجماع ) لأبي يوسف رحمه الله أن الامتناع في الأصل لحرمة الحمل ، وهذا الحمل محترم لأنه لا جناية منه ، ولهذا لم يجز إسقاطه . ولهما أنها من المحللات بالنص وحرمة الوطء كي لا يسقي ماءه زرع غيره ، والامتناع في ثابت النسب لحق صاحب الماء ولا حرمة للزاني .

التالي السابق


( قوله فإن تزوج حبلى من زنا ) من غيره ( جاز النكاح ) خلافا لأبي يوسف ، وقول الشافعي رحمه الله كقولنا وقول الآخرين وزفر كقول أبي يوسف . أما لو كان الحبل من زنا منه جاز النكاح بالاتفاق كما في الفتاوى الظهيرية محالا إلى النوازل .

قال : رجل تزوج حاملا من زنا منه فالنكاح صحيح عند الكل ، ويحل وطؤها عند الكل . وإذا جاز في الخلافية عندهما ولا يطؤها هل تستحق النفقة ؟ ذكر التمرتاشي لا نفقة لها ، وقيل لها النفقة ، والأول أوجه لأن النفقة وإن وجبت من العقد الصحيح عندنا لكن إذا لم يكن مانع من الدخول من جهتها ، بخلاف الحائض فإن عذرها سماوي وهذا يضاف إلى فعلها الزنا ، وعن محمد كقول أبي يوسف ، وكما لا يباح وطؤها لا يباح دواعيه ، وقيل لا بأس بوطئها ، ونقل عن الشافعي كأنه يقيسه على التي زنت حيث جاز تزوجها وحل وطؤها في الحال مع احتمال العلوق ، فعلم أن العلوق من الزنا لا يمنع الوطء وإلا لمنع مع تجويزه في مقام الاحتياط وليس بشيء لأن الفرق بين المحقق والموهوم في الشغل الحرام ثابت شرعا لورود عموم النهي في المحقق ، وهو ما روى رويفع بن ثابت الأنصاري [ ص: 242 ] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره } يعني إتيان الحبالى .

رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن ( قوله أن الامتناع في الأصل ) يعني ثابت النسب . حاصله قياس الحامل من الزنا على الحامل بثابت النسب في حكم هو عدم صحة العقد عليهما فعين علة الأصل كون حملها محترما فيمنع ورود الملك على محله ، وهذا كذلك بدليل أنه لا يجوز إسقاطه وأنه لا جناية منه فيمنع الملك . واستدل المصنف رحمه الله بعموم { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وحين علم أنه يرد من قبل أبي يوسف أن هذا مخصوص على ما قيل فيجوز تخصيصه بالقياس احتاج إلى منع علته فقال : لا نسلم أن علة المنع في الأصل احترام الحمل بل احترام صاحب الماء وهي منتفية في الفرع إذ لا حرمة للزاني . ومنهم من يزيد في تعيين العلة فيقول الامتناع في الأصل لحرمة الحمل فيصان عن سقيه بماء حرام ، وقد يزاد أيضا فيقال : فيصان عن سقيه ، ولما لم يجز الوطء لحرمة السقي لم يصح العقد لأن كل عقد لا يترتب عليه حكمه لا يصح ، وهي زيادة توجب النقص إنما يحتاج إليها لو قلنا بصحة العقد وحل الوطء ولم نقل به فيقال : إن قلت لا يترتب مطلقا منعناه أو في الحال فقط منعنا اقتضاءه البطلان وإلا لم يصح نكاح الحائض والنفساء ، إلا أن أبا يوسف رحمه الله يدفع التعليل بحرمة صاحب الماء بأنه لو كان لحقه لجاز بأمره ، فالأولى تعليل المنع في الأصل بلزوم الجمع بين الفراشين وهو السبب في امتناع العقد على المحصنات من المؤمنات وهو منتف في الحبلى من الزنا .

وقد يقال : إن هذا الدفع مغالطة خيل أن حرمته وحقه واحد وهو معنى الحق ، وليس كذلك فإن معنى حرمته أن الشارع أثبت له من الحرمة منع العقد على محل مائه ما دام قائما ، وحرمته لا تسقط بإذنه في العقد ، إلا أن هذا يقتضي صحة العقد على المسبية الحامل والمهاجرة ، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله ، وأما على ظاهر المذهب فلا ، فالمطرد ما ذكرنا على ما هو رواية الحسن أنسب بالتعليل بحرمة صاحب الماء . واعلم أن في سنن أبي داود { عن رجل من الأنصار [ ص: 243 ] يقال له نضرة بن أكتم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تزوجت امرأة على أنها بكر في سترها ، فدخلت عليها فإذا هي حبلى ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : لها الصداق بما استحللت من فرجها ، والولد عبد لك ، وفرق بيننا . وقال : إذا وضعت فحدوها } وهو ظاهر في عدم صحة نكاح الحامل من زنا لقوله " وفرق بيننا " إلا أن يحمل على تفريق الأبدان فقط بأن منعه من الخلوة بها إلى أن تلد ، مع أن فيه من المنسوخات جعل الولد عبدا ، إلا أن يحمل على إرادة أنه يصير يخدمك ، وهو يوافق حمل التفريق على المنع من مجرد المخالطة وهو أولى لاستبعاد إرادة جعل الولد عبدا يبيعه الزوج بالنسبة إلى مقابله لقلة نظيره في الشرع فيجعل هذا قرينة إرادة التفريق عن المخالطة لا في العقد .

وهذا لأن الظاهر أنه إنما يكون بحيث يخدمه من غير ملك فيه إذا كان مع أمه عنده ، وهذا كله إذا ثبت هذا الحديث




الخدمات العلمية