الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإذا تزوج أمة فالإذن في العزل إلى المولى ) عند أبي حنيفة . وعن أبي يوسف ومحمد أن الإذن في العزل إليها لأن الوطء حقها حتى تثبت لها ولاية [ ص: 401 ] المطالبة ، وفي العزل تنقيص حقها فيشترط رضاها كما في الحرة ، بخلاف الأمة المملوكة لأنه لا مطالبة لها فلا يعتبر رضاها . وجه ظاهر الرواية أن العزل يخل بمقصود الولد وهو حق المولى فيعتبر رضاه وبهذا فارقت الحرة .

التالي السابق


( قوله وإذا تزوج أمة فالإذن في العزل إلى المولى عند أبي حنيفة ) العزل جائز عند عامة العلماء ، وكرهه قوم من الصحابة وغيرهم لما في مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت { حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس فسألوه عن العزل ; قال : ذاك الوأد الخفي } وكذا ذكر شعبة عن عاصم عن زرعة وصح عن ابن مسعود " أنه قال هو الموءودة الصغرى " وصح عن أبي أمامة أنه سئل عنه فقال : ما كنت أرى مسلما يفعله ، وقال نافع عن ابن عمر : ضرب عمر على العزل بعض بنيه .

وعن عمر وعثمان أنهما : كانا ينهيان عن العزل . والصحيح الجواز ; ففي الصحيحين عن جابر " كنا نعزل والقرآن ينزل " وفي مسلم عنه : { كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا } وفي السنن عن أبي سعيد الخدري { أن رجلا قال : يا رسول الله إن لي جارية وأنا أعزل عنها وأنا أكره أن تحمل وأنا أريد ما يريد الرجال ، وإن اليهود تحدث أن العزل هو الموءودة الصغرى ، قال : كذبت يهود ، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه } وفي صحيح مسلم عن جابر قال { سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندي جارية وأنا أعزل عنها ، فقال صلى الله عليه وسلم : إن ذلك لا يمنع شيئا أراده الله تعالى ، قال : فجاء الرجل فقال : يا رسول الله إن الجارية التي كنت ذكرتها لك قد حملت ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ ص: 401 ] أنا عبد الله ورسوله } فهذه الأحاديث ظاهرة في جواز العزل .

وقد روي عن عشرة من الصحابة : علي وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت وأبي أيوب وجابر وابن عباس والحسن بن علي وخباب بن الأرت وأبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وروي أيضا عن ابن عباس ; وحديث السنن يدفع حديث جدامة ، وهو وإن كان في السنن فهو حديث صحيح ، وإن وقع فيه اختلاف على يحيى بن أبي كثير ، فقيل فيه عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن جابر ، وقيل فيه عن أبي مطيع بن رفاعة ، وقيل عن رفاعة ، وقيل عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، فإن الطرق كلها صحيحة .

وجاز أن يكون الحديث عند يحيى من حديث الكل بهذه الطرق ، لكن بقي أنهما إذا تعارضا يجب ترجيح حديث جدامة ; لأنه مخرج عن الأصل : أعني الإباحة الأصلية ، إلا أن كثرة الأحاديث تدل على اشتهار خلافه ، وقد اتفق عمر وعلي رضي الله عنهما أنها لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع . أسند أبو يعلى وغيره عن عبيد بن رفاعة عن أبيه قال : جلس إلي عمر وعلي والزبير وسعد في نفر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فتذاكروا العزل فقالوا لا بأس به ، فقال رجل منهم : إنهم يزعمون أنها الموءودة الصغرى ، فقال علي : لا تكون موءودة حتى تمر عليها التارات السبع : حتى تكون سلالة من طين ، ثم تكون نطفة ، ثم تكون علقة ، ثم تكون مضغة ، ثم تكون عظاما ، ثم تكون لحما ، ثم تكون خلقا آخر ، فقال عمر : صدقت ، أطال الله بقاءك .

وفيه خلاف ما عن علي وعمر من المنع المتقدم ، ثم في بعض أجوبة المشايخ الكراهة وفي بعضها عدمها ، ثم على الجواز في أمته لا يفتقر إلى إذنها ، وفي زوجته الحرة يفتقر إلى رضاها ، وفي منكوحته الأمة يفتقر إلى الإذن والخلاف في أنه للسيد أو لها وهي هذه المسألة وفي الفتاوى : إن خاف من الولد السوء في الحرة يسعه العزل بغير رضاها لفساد الزمان فليعتبر مثله من الأعذار مسقطا لإذنها . ثم في بعض نسخ الهداية : وقال أبو يوسف ومحمد : وهو الموافق لما ذكر الصدر الشهيد والعتابي وفي بعضها : وعن أبي يوسف ومحمد وهي النسخة الصحيحة ; لأنه لم يذكر الخلاف في ظاهر الرواية بل ذكر الجواب في الجامع الصغير أنه لمولاها من غير حكاية خلاف ، وبقرينة قوله في وجه قول أبي حنيفة .

وجه ظاهر الرواية ووجه المروي عنهما أن الوطء حقها حتى إن لها المطالبة به ، وفي العزل تنقيصه فيشترط رضاها به كالحرة . وجه الظاهر أن حقها في نفس الوطء قد تأدى بالجماع ، فإن قضاء الشهوة به ; وأما سفح الماء فإنما فائدته الولد والحق فيه لمولاها ; لأنه عبده ومستفاده فيشترط إذنه . ثم إذا عزل بإذن أو بغير إذن ثم ظهر بها حبل هل يحل نفيه أم لا ؟ قالوا : إن لم يعد إليها أو عاد ولكن بال قبل العود حل نفيه وإن لم يبل لم يحل ، كذا روي عن علي ; لأن بقية المني في ذكره يسقط فيها ، ولذا قال أبو حنيفة فيما إذا اغتسل من الجنابة قبل البول ثم بال فخرج المني وجب عليه إعادة الغسل . وفي فتاوى قاضي خان : رجل له جارية غير محصنة تخرج وتدخل ويعزل عنها المولى فجاءت بولد وأكبر ظنه أنه ليس منه كان في سعة من نفيه ، وإن كانت محصنة لا يسعه نفيه ; لأنه ربما يعزل فيقع الماء في الفرج الخارج ثم يدخل فلا يعتمد على العزل ، ولو كان الزوج عنينا قالوا الخصومة للمولى أو لها على الخلاف ، وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح ما لم يتخلق شيء منه ثم في غير موضع ، قالوا : ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يوما ، وهذا يقتضي أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح وإلا فهو غلط [ ص: 402 ] لأن التخليق يتحقق بالمشاهدة قبل هذه المدة




الخدمات العلمية