الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ولو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه ناسيا لمذهبه نفذ عند أبي حنيفة رحمه الله ، وإن كان عامدا ففيه روايتان ) ووجه النفاذ [ ص: 305 ] أنه ليس بخطأ بيقين ، وعندهما لا ينفذ في الوجهين لأنه قضى بما هو خطأ عنده وعليه الفتوى ، ثم المجتهد فيه أن لا يكون مخالفا لما ذكرنا . والمراد بالسنة المشهورة منها وفيما اجتمع عليه الجمهور لا يعتبر مخالفة البعض وذلك خلاف وليس باختلاف والمعتبر الاختلاف في الصدر الأول

التالي السابق


( قوله ولو قضى في المجتهد فيه مخالفا لرأيه ناسيا لمذهبه نفذ عند أبي حنيفة ) رواية واحدة ( وإن كان عامدا ففيه روايتان ) عنه ( ووجه النفاذ أنه ليس بخطأ بيقين ) لأن رأيه يحتمل الخطأ وإن كان الظاهر عنده الصواب ، ورأي غيره يحتمل الصواب وإن كان الظاهر عنده خطأه فليس واحد منهما خطأ بيقين ، فكان حاصله قضاء في محل مجتهد فيه فينفذ .

ووجه عدم النفاذ أن قضاءه مع اعتقاد أنه غير حق عبث فلا يعتبر كمن اشتبهت عليه القبلة فوقع تحريه إلى جهة فصلى إلى غيرها لا يصح لاعتقاده خطأ نفسه ، فكذا هذا ، وبه أخذ شمس الأئمة الأوزجندي . وبالأول أخذ الصدر الشهيد وفرع بعضهم عليه أن ما يفعله القضاة من الإرسال إلى الشافعي ليحكم ببطلان اليمين المضافة لا يجوز إلا بشرط كون القاضي المرسل يرى بطلانه كالشافعي وإلا كان مقلدا لغيره ليفعل ما هو الباطل عنده وهو باطل .

قال الشيخ أبو المعين : هذا خلاف ما عليه السلف ، فإنهم كانوا يتقلدون القضاء من الخلفاء ويرون ما يحكمون به نافذا وإن كان مخالفا لرأي الخلفاء انتهى .

وأوكد الأمور في هذا حكم شريح بما يخالف رأي علي كثيرا وهو يعلم ويوافقه كما علم في رده شهادة الحسن له وعمر قبله ، فقيل صح عن عمر رضي الله عنه أنه قلد أبا الدرداء القضاء فاختصم إليه رجلان فقضى لأحدهما ثم لقي المقضي عليه عمر فسأله عن حاله فقال : قضى علي فقال : لو كنت مكانه قضيت لك ، قال : فما يمنعك ؟ فقال عمر : ليس هنا نص والرأي مشترك وغير ذلك . وتحقيقه أن القاضي المرسل [ ص: 305 ] يقطع بأن ما يفعله القاضي المرسل إليه مأمور به من عند الله ، فظنه بطلانه معناه ظنه عدم مطابقته لحكم الله الثابت في نفس الأمر ، لكن القطع بأن المكلف به منه تعالى ليس إصابة ذلك بل العمل بمظنونه ، وإن خالف حكمه تعالى فقد أوجب عليه أن يعمل بخلاف حكمه تعالى فكان إرسال الحنفي إليه إرسالا لأن يحكم بما أمره الله تعالى ، ولا جناح عليه في ذلك مع علمه أن الله جوز له أن يقول هذا القول وأن يعمل به من أفتاه به أو حكم به عليه ، واقتصار المصنف على وجه النفاذ دليل أنه المرجح عنده .

هذا عند أبي حنيفة ( وعندهما لا ينفذ في الوجهين ) يعني وجه النسيان والعمد ( لأنه قضى بما هو خطأ عنده ) وقد تضمن وجه أبي حنيفة جوابه بيسير تأمل ، ومع [ ص: 306 ] ذلك ذكر المصنف كصاحب المحيط الفتوى على قولهما . وذكر في الفتاوى الصغرى أن الفتوى على قول أبي حنيفة فقد اختلفت الفتوى . والوجه في هذا الزمان أن يفتى بقولهما لأن التارك لمذهبه عمدا لا يفعله إلا لهوى باطل لا لقصد جميل .

وأما الناسي فلأن المقلد ما قلده إلا ليحكم بمذهبه لا بمذهب غيره ، وهذا كله في القاضي المجتهد . فأما المقلد فإنما ولاه ليحكم بمذهب أبي حنيفة مثلا فلا يملك المخالفة فيكون معزولا بالنسبة إلى ذلك الحكم . هذا وفي بعض المواضع ذكر الخلاف في حمل الإقدام على القضاء بخلاف مذهبه . وقال : وجه من قال بالجواز أن القاضي مأمور بالمشاورة وقد تقع على خلاف رأيه . وجه المنع قوله تعالى { وأن احكم بينهم بما أنزل الله } الآية . واتباعه غير رأيه اتباع هوى غيره . والوجه الصحيح أن المجتهد مأمور بالعمل بمقتضى ظنه إجماعا ، وهذا بخلاف مقتضى ظنه وعمله هنا ليس إلا قضاؤه ، بخلاف المرسل إلى من يرى خلاف رأيه ليحكم هو فإنه لم يحكم فيه بشيء . هذا ومن تتمة اليمين المضافة أنه إذا فسخ اليمين المضافة بعد التزوج لا يحتاج إلى تجديد العقد ، ولو وطئها الزوج بعد النكاح قبل الفسخ ثم فسخ حكي عن برهان الأئمة يكون الوطء حلالا ، ولو كانت اليمين كل امرأة أتزوجها فتزوج امرأة وفسخت اليمين ثم تزوج بأخرى هل يحتاج إلى الفسخ في كل امرأة ؟ ذكر فيه خلاف عند أبي يوسف يحتاج وعند محمد لا . وفي المنتقى ذكر أن عند أبي حنيفة يحتاج وعند أبي يوسف لا يحتاج . واختلف فيه المشايخ أيضا . وحيلة أن لا يحتاج في كل امرأة أن يقضي القاضي عند تزوج امرأة ببطلان اليمين الواقعة مطلقا من غير قيد فسخها في حق تلك المرأة ، وسنذكر في أمر الفتوى فيها كلاما آخر في باب التحكيم .




الخدمات العلمية