الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا أن يتذكر الشهادة لأن الخط يشبه الخط فلم يحصل العلم . قيل هذا على قول أبي حنيفة رحمه الله [ ص: 387 ] وعندهما يحل له أن يشهد . وقيل هذا بالاتفاق ، وإنما الخلاف فيما إذا وجد القاضي شهادته في ديوانه أو قضيته ، لأن ما يكون في قمطره فهو تحت ختمه يؤمن عليه من الزيادة والنقصان فحصل له العلم بذلك ولا كذلك الشهادة في الصك لأنه في يد غيره ، وعلى هذا إذا تذكر المجلس الذي كان فيه الشهادة أو أخبره قوم ممن يثق به أنا شهدنا نحن وأنت . .

التالي السابق


( قوله ولا يحل للشاهد إذا رأى خطه أن يشهد إلا إذا تذكر شهادته ) التي صدرت منه فإن لم يتذكر وجزم أنه خطه لا يشهد ، لأن هذا الجزم ليس بجزم بل تخيل الجزم لأن الخط يشبه الخط فلم يحصل العلم ، هكذا ذكره القدوري ، ولم يذكر خلافا هو ولا في شرحه للأقطع ، وكذا الخصاف ذكرها في أدب القاضي ولم يحك خلافا . ولما حكى الخلاف الفقيه أبو الليث وغيره كشمس الأئمة قال المصنف : قيل هذا على قول أبي حنيفة ، وعندهما يحل له أن يشهد .

وقيل هذا بالاتفاق : يعني عدم جواز [ ص: 387 ] الشهادة إذ رأى ولم يتذكر ، وإنما الخلاف فيما إذا وجد القاضي شهادة في ديوانه : يعني رأى في ديوانه شهادة شهود أديت عنده ولم يتصل بها حكم ثم جاء المشهود له وطلب حكم القاضي والقاضي لا يتذكر أنه شهد عنده شهود بذلك لم يجز له أن يحكم عنده ، وبه قال الشافعي .

ورواية عن أحمد وعند أبي يوسف ومحمد إذا وجده في قمطره تحت خاتمه يجوز أن يقضي به ، وبه قال مالك وأحمد في رواية .

وكذا إذا رأى قضيته : أي رأى حكمه مكتوبا في خريطته وهي القمطرة ولم يتذكر أنه حكم فهو على هذا الخلاف ، فظهر أن المصنف حكى الخلاف فيهما واحدا بينه وبينهما ، وشمس الأئمة في أدب القاضي من المبسوط حكى الخلاف كذلك في وجدان صحيفة الحكم ، وأما في شهادة الشاهد يجدها في صك وعلم أنه خطه ولم يتذكر الحادثة وفي الحديث يجده مكتوبا بخطه ولم يتذكر ووجد سماعه مكتوبا بخط غيره وهو خط معروف فعلى خلاف ذلك ، وقد صارت الفصول ثلاثة : وجدان القاضي الشهادة عنده أو حكمه ، ووجدان الشاهد خطه ، والراوي في الحديث . قال محمد : أخذ في الفصول الثلاثة بالرخصة تيسيرا وقال : يعتمد الخط إذا كان معروفا ، وأبو يوسف في مسألة القضاء والرواية أخذ بالرخصة لأن المكتوب كان في يده أو يد أمينه .

وفي مسألة الشهادة أخذ بالعزيمة لأنه كان في يد الخصم فلا يأمن الشاهد التغيير فلا يعتمد خطه . وحاصل وجه غير أبي حنيفة في صور خلافهم أن وضع الخط ليرجع إليه عند النسيان وإلا فلا فائدة ، وهو يمنع حصر الفائدة في ذلك ، بل صح أن تكون فائدته أن يتذكر برؤيته عند النسيان إلا أني أرى أنه إذا كان محفوظا مأمونا عليه من التغيير كأن يكون تحت ختمه في خريطته المحفوظة عنده أن يترجح العمل بها ، بخلاف ما إذا كان عند غيره لأن الخط يشبه الخط ، ورأينا كثيرا تتحاكى خطوطهم حتى أني رأيت ببلدة الإسكندرية خط رجل من أهل العلم يعرف بالقاضي بدر الدين الدماميني كان رحمه الله فقيها مالكيا شاعرا أديبا فصيحا ، وخط آخر بها شاهد يعرف بالخطيب لا يفرق الإنسان بين خطيهما أصلا .

ودمامين بالنون بلدة بالصعيد . ولقد أخبرني من أثق بصلاحه وخبره أنه شاهد رجلا كان معيدا في الصلاحية بالقدس الشريف وضع رسم شهادته [ ص: 388 ] في صك فأخذ من صاحبه عدوانا فكتب رجل مثله ثم عرضه على ذلك الكاتب فلم يشك أنه خطه .

وهذا قول أبي يوسف ، ويقتضي أنه لو كان الصك في يد الشاهد تركه الطالب في يده منذ كتبه جاز أن يشهد إذا عرف أنه خطه ولم يذكر الحادثة . وبهذا أجاب محمد بن مقاتل حين كتب إليه نصير بن يحيى فيمن نسي شهادته ووجد خطه وعرفه هل يسعه أن يشهد ؟ قال : إذا كان الخط في حرزه يسعه أن يشهد .

وقال في المجرد : قال أبو حنيفة : لو شهدوا على صك فقالوا نعرف أن هذا خطنا وخواتيمنا لكن لا نذكره لم يكن للقاضي أن ينفذ شيئا من ذلك ، فإن أنفذه قاض غيره ثم اختصموا إليه فيه أنفذه ، لأن هذا مما يختلف فيه القضاة ، وهذا يفيد أنه لو ذكر للقاضي أني أشهد من غير تذكر للحادثة بل لمعرفة خطي لم تقبل ، فإنه لم يحك خلافا .

ولو نسي قضاءه ولا سجل عنده فشهد شاهدان أنك قضيت بكذا لهذا على هذا ، فإن تذكر أمضاه ، وإن لم يتذكر فلا إشكال أن عند أبي حنيفة لا يقضي بذلك ، وقيل وأبو يوسف كذلك ، وعند محمد يعتمد ويقضي به ، وهو قول أحمد وابن أبي ليلى ، وعلى هذا لو سمع من غيره حديثا ثم نسي الأصل روايته للفرع ثم سمع الفرع يرويه عنه عند أبي حنيفة ، وأبي يوسف لا يعمل به ، وعند محمد يعمل به .

ومن ذلك المسائل التي رواها محمد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رحمه الله ونسيها أبو يوسف وهي ست فكان أبو يوسف رحمه الله لا يعتمد رواية محمد لها عنه ، ومحمد كان لا يدع روايتها عنه ، كذا قالوا والله أعلم أن في تخريج المسائل الست إشكالا ، لأن المذكور عند ذكرهم لهذه المسائل أن أبا يوسف أنكر وقال ما رويت لك عن أبي حنيفة ذلك على ما صرح به في الهداية فيما إذا صلى أربعا وترك القراءة في إحدى الأوليين وإحدى الأخريين أنه يلزمه قضاء أربع ، فقال أبو يوسف : ما رويت لك إلا ركعتين ، وهذه الصورة ليست من صور نسيان الأصل رواية الفرع ، بل من صور تكذيب الأصل رواية الفرع عنه كما يعرف في الأصول ، ولا خلاف يحفظ فيه بين المحدثين والأصوليين أن رواية الفرع ترد في ذلك ، بخلاف ما إذا نسي الأصل ولم يجزم بالإنكار فلا ينبغي اعتبار قول محمد رحمه الله .

نعم إذا صح اعتبار ما ذكره عنه تخريجا على أصول أبي حنيفة يمكن




الخدمات العلمية