الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولو خلق له رأسان فحلق أحدهما في العمرة والآخر في الحج لم يكره لانتفاء القزع ، ثم محل أفضلية الحلق ما لم ينذره ، فإن نذره في حج أو عمرة تعين ولم يجزه غيره ; لأنه في حقه قربة بخلاف المرأة والخنثى ولو استأصله بما لا يسمى حلقا حصل به التحلل وإن أثم ولزمه دم كما لو نذر المشي فركب ، ولا يجب عليه الحلق لو طلع شعره فيما يظهر ; لأن النسك إنما هو إزالة شعر يشتمل عليه الإحرام ، ثم ناذر الحلق قد يطلقه كعلي الحلق أو أن أحلق فيكفيه ثلاث شعرات ، وقد يصرح بالاستيعاب فيلزمه حلق الجميع ، ومثله ما لو قال لله علي حلق رأسي فيما يظهر ; لأن هذه الصيغة مع ملاحظة العرف تفيد العموم وبه فارق ما مر في الآية ، ويكفي في الحلق الواجب مسماه ، ولا يشترط الإمعان في الاستئصال ويقرب الرجوع إلى اعتبار عدم رؤية الشعر قاله الإمام .

                                                                                                                            والأوجه أن المراد رؤيته لذي النظر المعتدل عن قربه من الرأس ( والحلق ) أي إزالة شعر الرأس أو التقصير في حج أو عمرة في وقته ( نسك على المشهور ) فيثاب عليه إذ هو للذكر أفضل من التقصير ، والتفضيل إنما يقع في العبادات دون المباحات وعلى هذا هو ركن كما سيأتي وقيل واجب ، والثاني هو استباحة محظور فلا يثاب عليه ; لأنه محرم في الإحرام فلم يكن نسكا كلبس المخيط ( وأقله ) أي إزالة شعر الرأس أو التقصير ( ثلاث شعرات ) من رأسه فلا يجزئ شعر غيره وإن وجبت فيه الفدية أيضا لورود لفظ الحلق أو التقصير فيه واختصاص كل منهما عادة بشعر الرأس وشمل ذلك المسترسل عنه وما لو أخذها متفرقة كما في المجموع والمناسك وإن اقتضى كلام الروضة خلافه حيث بناه على الأصح من عدم تكميل الدم بإزالتها المحرمة إذ يلزم من البناء الاتحاد في التصحيح نعم يزول بالتفريق الفضيلة والأحوط تواليها وذلك لقوله تعالى { محلقين رءوسكم ومقصرين } ولخبر الصحيحين { أنه صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه أن يحلقوا أو يقصروا } وإطلاقه يقتضي الاكتفاء بحصول أقل مسمى اسم الجنس الجمعي المقدر في محلقين رءوسكم : أي شعرا لرءوسكم ، إذ هي لا تحلق ، وأقل مسماه ثلاث ، ولا يعارضه فعله صلى الله عليه وسلم المقتضي للتعميم ; لأنه محمول على بيان الأفضل ، واستدلال المصنف في المجموع بأن الإجماع قام على عدم وجوب التعميم صحيح ، إذ المراد به إجماع الخصمين وهو لا يقتضي إجماع الكل خلافا لمن فهم ذلك فلا يعكر عليه أن [ ص: 306 ] أحمد وغيره قائلون بوجوبه ، وزعم الإسنوي أن الآية تقتضي التعميم ; لأن شعر المقدر فيها مضاف ، وأفهم كلام المصنف أنه لا يجزئ أخذ شعرة على ثلاث مرات وهو كذلك ، فقد نقل في المجموع عن الشافعي والأصحاب أنه لا يجزي أقل من ثلاث شعرات من شعر الرأس ، والذي يظهر أنه لو كان برأسه شعرة أو شعرتان فقط كان الركن في حقه إزالة ذلك ، وقد صرح به بعضهم ويكفي في الإزالة أخذ الشعر ( حلقا أو تقصيرا أو نتفا أو إحراقا أو قصا ) أو أخذه بنورة أو نحو ذلك ; لأن المقصود الإزالة وكل من هذه الأشياء طريق إليها ( ومن لا شعر ) كائن ( برأسه ) أو بعضه كما قاله الإسنوي بأن خلق كذلك أو كان قد حلق واعتمر من ساعته كما مثله العمراني لا شيء عليه .

                                                                                                                            نعم ( يستحب ) له ( إمرار الموسى عليه ) إن كان ذكرا كما بحثه الأذرعي قال الشافعي رضي الله عنه ولو أخذ من لحيته أو شاربه شيئا كان أحب إلي لئلا يخلو عن أخذ الشعر ، وفي المجموع عن المتولي أن سائر ما يزال للفطرة كذلك ، بل الوجه كما أفاده الشيخ رحمه الله عدم التقييد بما يزال فيها ، وصرح القاضي بأنه يندب للمقصر أيضا ما ذكره الشافعي قال ابن المنذر : وصح { أنه صلى الله عليه وسلم لما حلق رأسه قص أظفاره } : أي فيسن للحالق أيضا ، وإنما وجب مسح الرأس في الوضوء عند فقد شعره ; لأن الفرض تعلق ثم بالرأس وهنا بشعره ، ولو عجز عن أخذه لنحو جراحة صبر إلى قدرته ولا يسقط عنه ، ويسن للحالق البداءة بشقه الأيمن فيستوعبه بالحلق ثم الأيسر ، وأن يستقبل المحلوق القبلة وأن يكبر بعد فراغه وأن يدفن شعره لا سيما الحسن لئلا يؤخذ للوصل ، وأن يستوعب الحلق أو التقصير وأن يكون بعد كمال الرمي ، وغير المحرم مثله فيما ذكر غير التكبير ، وأن يبلغ بالحلق إلى العظمتين من الأصداغ ، وأن لا يشارط عليه وأن يأخذ شيئا من ظفره عند فراغه ، وأن يقول بعد فراغه : اللهم آتني بكل شعرة حسنة ، وامح عني بها سيئة ، وارفع لي بها درجة ، واغفر لي وللمحلقين والمقصرين وجميع المسلمين .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لم يكره لانتفاء القزع ) هذا ظاهر إن كان أصليين وإلا ففيه ما يأتي ( قوله : ولو استأصله ) أي أزاله جميعا ( قوله : وإن أثم ) أي حيث نذره كما هو الفرض أما إذا لم ينذره فالواجب مجرد الإزالة على أي وجه كما يأتي ( قوله : تفيد العموم ) قد يتوقف في إفادة ما ذكر للعموم مع عدم إفادة الآية فإن الآية سيقت للإيجاب أيضا ، وإن كان مجرد ملاحظة الفرضية موجبة للعموم لزم أن تكون الآية كذلك وإلا فلا يجب العموم هنا ( قوله : ثلاث شعرات ) كلا أو بعضا أخذا من قوله الآتي أو تقصيرا ( قوله : فلا يجزئ شعر غيره إلخ ) قياس ما في الوضوء أنه لو خلق له رأسان فإن كانا أصليين اكتفى بإزالة الشعر من أحدهما ، وإن علمت زيادة أحدهما لم يكف الأخذ منه وإن اشتبه وجب الأخذ من كل منهما ( قوله : وشمل ذلك المسترسل ) أي فيكفي وإن طال ( قوله : أو تقصيرا ) فسره في القاموس بأنه كف الشعر ، والقص بأنه الأخذ منه بالمقص : أي المقراض ، فعطفه عليه الآتي من عطف الأخص تأكيدا ، وبهذا يعلم أن التقصير حيث أطلق في كلامهم أريد به المعنى الأول وهو الأخذ من الشعر [ ص: 306 ] بمقص أو غيره ا هـ حج وعبارة القاموس : كف منه : أي أخذ وبهذا يظهر معنى قوله وبهذا يعلم أن التقصير إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : إن كان ذكرا كما بحثه الأذرعي ) ظاهره أن الأنثى لا تفعل ذلك ، ولو قيل بأن لها ذلك أيضا كالرجل لم يكن بعيدا ( قوله للفطرة ) أي الخلقة والمراد ما يزال لتحسين الهيئة ( قوله : لنحو جراحة ) أي يتوقع زوالها عن قرب ( قوله : ويسن للحالق ) أي مطلقا محرما أو غيره كما يأتي ( قوله : وأن يكبر بعد فراغه ) أفهم أنه لا يكبر حال الحلق .

                                                                                                                            وفي الدميري ما نصه : وأن يكبر إلى أن يفرغ منه ، ثم قال : وفي مثير الغرام الساكن عن بعض الأئمة أنه قال : أخطأت في حلق رأسي في خمسة أحكام علمنيها حجام ، وذلك أني أتيت إلى حجام بمنى فقلت له : بكم تحلق رأسي ؟ فقال : أعراقي أنت ؟ قلت نعم ، قال : النسك لا يشارط عليه ، قال فجلست منحرفا عن القبلة فقال لي : حول وجهك إلى القبلة ، فحولته وأدرته أن يحلق من الجانب الأيسر فقال لي : أدر اليمين فأدرته فجعل يحلق وأنا ساكت ، فقال : كبر كبر ، فكبرت فلما فرغت قمت لأذهب فقال : صل ركعتين ثم امض .

                                                                                                                            قلت له : من أين ما أمرتني به ؟ قال : رأيت عطاء بن أبي رباح يفعله ا هـ شرح الروض .

                                                                                                                            ( قوله : غير التكبير ) أي وغير الرمي كما هو معلوم ( قوله : وأن لا يشارط عليه ) أي أن لا يشرط للحالق أجرة معلومة ، وعبارة حج كذا أطلقوه ، وينبغي حمله على أن مرادهم أنه [ ص: 307 ] يعطيه ابتداء ما تطيب به نفسه فإن رضي وإلا زاده ، لا أنه يسكت إلى فراغه ; لأن ذلك ربما تولد منه نزاع إذا لم يرض الحلاق بما يعطيه له



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            [ ص: 304 - 305 ] قوله : وما لو أخذها متفرقة ) أي في الزمان بقرينة ما بعده ( قوله : إذ لا يلزم من البناء ) الترجيح لا يناسب ما صدر به العبارة من اعترافه بأن الروضة تقتضي ذلك ، فكان ينبغي أن يبدل الاقتضاء بالإيهام أو نحوه ( قوله : أي شعرا لرءوسكم ) إنما لم يقدر المحذوف مضافا فرارا من زعم الإسنوي الآتي ، لكن قد يقال : إن هذا غاية ما فيه أن فيه [ ص: 306 ] بيان أن الإضافة على معنى اللام فلم يخرج عما قاله الإسنوي ( قوله : أو بعضه كما قاله الإسنوي ) مراده بذلك أن الشعر لو كان ببعض رأسه فقط يسن له إمرار الموسى على الباقي ، وإن كان سياقه المذكور غير صحيح كما لا يخفى ( قوله : وصرح القاضي بأنه يندب للمقصر أيضا إلخ ) هذا ليس في خصوص ما نحن فيه من كونه لا شعر برأسه ، [ ص: 307 ] بل هو وما بعده حكم عام .




                                                                                                                            الخدمات العلمية