الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ولما مهد من أول الفصل إلى هنا ما يعلم به الوصف المقتضي للاستحقاق شرع في بيان قدر ما يعطاه كل ، فقال ( ويعطى الفقير والمسكين ) إن لم يحسن كل منهما كسبا بحرفة ولا تجارة ( كفاية سنة ) لتكرار الزكاة كل سنة فتحصل الكفاية بها قلت : الأصح المنصوص في الأم ( وقول الجمهور ) يعطى كل منهما ( كفاية العمر الغالب ) أي ما بقي منه ; لأن القصد إغناؤه ولا يحصل إلا بذلك ، فإن زاد عمره عليه أعطي سنة بسنة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى إذ لا حد للزائد عليها .

                                                                                                                            أما من يحسن [ ص: 162 ] حرفة تكفيه لائقة كما مر أول الباب فيعطى ثمن آلة حرفته وإن كثرت أو تجارة فيعطى رأس مال يكفيه لذلك ربحه غالبا باعتبار عادة بلده فيما يظهر ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والنواحي ، وتقديرهم ذلك في أرباب المتاجر باعتبار تعارفهم ، وأما في زمننا فالأوجه الضبط فيه بما مر ، ولو أحسن أكثر من حرفة والكل يكفيه أعطي ثمن أو رأس مال الأدنى ، وإن كفاه بعضها فقط أعطي له ، وإن لم تكفه واحدة منها أعطي لواحدة وزيد له شراء عقار يتم دخله بقية كفايته فيما يظهر ، والعمر الغالب هنا ستون عاما وبعدها سنة ثم سنة كما علم مما مر ، وليس المراد بإعطاء من لا يحسن ذلك إعطاء نقد يكفيه تلك المدة لتعذره بل ثمن ما يكفيه دخله ( فيشتري به ) إن كان غير محجور عليه وإلا فوليه ( عقارا يستغله ) ويغتني به عن الزكاة فيملكه ويورث عنه ( والله أعلم ) للمصلحة العائدة عليه ، إذ الفرض أنه لا يحسن تجارة ولا حرفة ، والأقرب كما بحثه الزركشي أن للإمام دون المالك شراءه له ، نظير ما يأتي في الغازي وله إلزامه بالشراء وعدم إخراجه عن ملكه ، وحينئذ ليس له إخراجه فلا يحل ، ولا يصح فيما يظهر ، ولو ملك هذا دون كفاية العمر الغالب كمل له من الزكاة كفايته كما بحثه السبكي ، وأطال في الرد على بعض معاصريه في اشتراطه اتصافه يوم الإعطاء بالفقر والمسكنة : أي باحتياجه حينئذ للعطاء ، ويؤيد الأول قول الماوردي : لو كان معه تسعون ولا يكفيه إلا ربح مائة أعطي العشرة الأخرى ، وإن كفته التسعون لو أنفقها من غير اكتساب فيها سنين لا تبلغ العمر الغالب ، هذا كله في غير محصورين .

                                                                                                                            أما المحصورون فسيأتي أنهم يملكونه .

                                                                                                                            والأوجه أنهم يملكونه على قدر كفايتهم كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، ولا ينافيه ما يأتي من الاكتفاء بأقل متمول ; لأن محله كما هو ظاهر عند انتفاء الملك ويفرق بأن ذاك منوط بالعرف لا بمستحق معين فنظر فيه لاجتهاده ورعاية الحاجة الواجبة على الإمام أو نائبه إنما تقتضي الإثم عند الإخلال ، وحينئذ فلا مرجح إلا الكفاية فوجب ملكهم بحبسها ويحفظ الفاضل عنها إلى وجود غيرهم ، وما ادعاه السبكي فيما لو زادت الزكاة على كفاية المستحقين لكثرتها وقلتهم أنه يلزمه قسمتها كلها عليهم وينتقل بعدهم لورثتهم يخالفه صريح كلامهم كما اعترف به أولا أن ما زاد من الزكاة على كفايتهم يحفظ لوجودهم .

                                                                                                                            وسكت المصنف عن أقل ما يدفع من الزكاة .

                                                                                                                            والوجه جواز ما ينطلق عليه الاسم وما في الودائع لابن سريج من أن أقله نصف درهم وأكثره ما يخرجه من حال الفقر إلى حال الغنى محمول على أولوية ذلك في حق المالك عند عدم انحصار مستحقيها أو انحصارهم ولم يوف بهم المال .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : كفاية العمر الغالب ) أي وأما الزوجة إذا لم يكفها نفقة زوجها ومن له قريب تجب نفقته عليه فينبغي أن يعطوا كفاية يوم بيوم ; لأنهم يتوقعون في كل وقت ما يدفع حاجتهم من توسعة زوج المرأة عليها إما بتيسر مال أو غير ذلك ومن كفاية قريب له ( قوله : كما أفتى به الوالد ) أي وإذا مات في أثنائها لا يسترد منه شيء لما مر أن الأربعة الأول من الأصناف يملكون [ ص: 162 ] ما أخذوه ملكا مطلقا ( قوله : عقارا يستغله ) أي ونحو ماشية إن كان من أهلها ا هـ حج ( وله أن للإمام إلخ ) أي ويصير ملكا له حيث اشتراه بنيته ( قوله : وحينئذ ليس له إخراجه ) مفهومه أنه لو لم تلزمه بعدم الإخراج حل وصح الإخراج وإن تكرر ذلك منه م ر ا هـ سم على حج ، وصريحه أن مجرد الأمر بالشراء لا يقتضي المنع من الإخراج ، وقد يتوقف فيه فيقال مجرد الأمر بالشراء منزل منزلة الإلزام ( قوله : ولو ملك هذا ) أي من ذكر من الفقير والمسكين أو من لا يحسن الكسب ( قوله : والأوجه أنهم ) أي المحصورون ( قوله : ويحفظ الفاضل ) هل ينقل كما يأتي في شرح قول المصنف ولو عدم الأصناف إلخ أن الفاضل عن حاجتهم ينقل ، وعلى ظاهر ما هنا فهذا مختص بالمحصورين وذاك بغيرهم ، ولا يخفى ما فيه ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : يعني فالقياس أنه ينقل ( قوله يخالفه صريح كلامهم ) معتمد ( قوله : وما في الودائع ) اسم كتاب




                                                                                                                            الخدمات العلمية