الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وللزوج النظر إلى كل بدنها ) حال حياتها : أي الزوجة والمملوكة التي تحل ، وعكسه إن لم يمنعها كما بحثه الزركشي وإن توقف فيه بعض المتأخرين ; لأنه يملك التمتع بها بخلاف العكس ، وشمل كلامه الفرج ظاهرا مع الكراهة ، وباطنا أشد ; لأنه محل استمتاعه وعكسه للخبر [ ص: 200 ] الصحيح { احفظ عورتك إلا من زوجتك أو أمتك } أي فهي أولى أن لا تحفظ منه ; لأن الحق له لا لها ومن ثم لزمها تمكينه ولا عكس ، وقيل يحرم نظر الفرج لخبر { إذا جامع أحدكم زوجته أو أمته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى } أي في الناظر أو الولد أو القلب ، حسنه ابن الصلاح وخطأ ابن الجوزي في ذكره له في الموضوعات ورد بأن أكثر المحدثين على ضعفه ، وأنكر الفارقي جريان خلاف في حرمة نظره حالة الجماع وهو ممنوع بأن الخبر المذكور مصرح بخلافه ، وتقدم جواز النظر لحلقة الدبر ومسها والتلذذ بها بما سوى الإيلاج ; لأن جملة أجزائها محل استمتاعه إلا ما حرم الله تعالى عليه من الإيلاج ، وخرج بالنظر المس فلا خلاف في حله ولو للفرج وبحال الحياة ما بعد الموت فلا يحل بشهوة وبالتي تحل زوجته المعتدة عن شبهة ونحو أمة مجوسية فلا يحل له إلا نظر ما عدا ما بين سرتها وركبتها .

                                                                                                                            واعلم أن كل ما حرم نظره منه أو منها متصلا حرم نظره منفصلا كقلامة يد أو رجل والفرق مبني على مقابل قول المنهاج وكذا وجهها إلى آخره ، وشعر امرأة وعانة رجل فتجب مواراتها ، والمنازعة في هذين بالإجماع الفعلي بإلقائهما في الحمامات والنظر إليهما يرد ذلك مردودة .

                                                                                                                            قالوا : وكدم فصد وما قيل ما لم يتميز بشكله كفضلة أو شعر ينبغي حله مردود ، فقد نقل ذلك في الروضة احتمالا للإمام ، ثم ضعفه بأنه لا أثر [ ص: 201 ] للتمييز مع العلم بأنه جزء ممن يحرم نظره .

                                                                                                                            ويحرم مضاجعة رجلين أو امرأتين عاريين في ثوب واحد وإن لم يتماسا ولو أبا أو أما إذا بلغ الصبي أو الصبية عشر سنين خلافا لبعض المتأخرين لعموم خبر { وفرقوا بينهم في المضاجع } أي عند العري كما أفاده الوالد رحمه الله تعالى ; لأن ذلك معتبر في الأجانب فما بالك بالمحارم لا سيما الآباء والأمهات ، ووجه التحريم أن ضعف عقل الصغير مع إمكان احتلامه قد يؤدي إلى محظور ولو بالأم ، ويجوز نومهما في فراش واحد مع عدم التجرد ولو متلاصقين فيما يظهر ، ويمتنع مع التجرد في فراش واحد وإن تباعدا ، ويكره للإنسان نظر فرج نفسه عبثا .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : إن لم يمنعها ) أي فإن منعها حرم عليها النظر وظاهره ، ولو لغير العورة ، لكن قال سم على منهج : بحث الزركشي حرمة نظرها لعورة زوجها إذا منعها منه م ر ا هـ . [ ص: 200 ]

                                                                                                                            وكتب أيضا حفظه الله قوله إن لم يمنعها اعتمد حج الجواز ولو منعها ، وكتب عليه سم : فرع : الخلاف الذي في النظر إلى الفرج لا يجري في مسه لانتفاء العلة ، ولم أر أحدا قال بتحريم مس الفرج له وإن كان واضحا لم يصرحوا بذلك ، ورأيت في كتب الحنفية أنه لا بأس بالرجل أن يمس فرج امرأته ، والمرأة أن تمس فرج زوجها سبكي ا هـ .

                                                                                                                            ولعل وجهه أنه محرك للشهوة بلا ضرر يترتب عليه ( قوله : ومن ثم لزمها تمكينه ) أي حيث لم يلحقها ضرر بذلك كما هو واضح وتصدق في ذلك ، وكتب أيضا لطف الله به قوله ومن ثم لزمها تمكينه : أي وإن تكرر ( قوله : ورد ) الظاهر رجوعه لرد ما قاله ابن الجوزي لكن تضعيف أكثر المحدثين له لا يقتضي وضعه ، فلعل المراد به رد تحسين ابن الصلاح له ( قوله : فلا يحل بشهوة ) أي النظر وأفهم حل النظر بلا شهوة إلى جميع بدنها ( قوله : زوجته المعتدة ) أي فلا يحل نظره إلى شيء من بدنها مطلقا ( قوله : ونحو أمة ) كالمشركة ( قوله : والفرق ) أي بين قلامة ظفر اليد والرجل حيث جاز نظر الأول وحرم نظر الثاني ( قوله : فتجب مواراتها ) أي قلامة الظفر وشعر المرأة وعانة الرجل وإطلاق القلامة شامل لقلامة ظفر الرجل ، وعليه فتقييد وجوب المواراة للشعر بعانته مشكل ، وقياس القلامة تعدى ذلك إلى جميع أجزائه حتى شعر الرأس فليراجع ، وعبارة الأنوار : يجب على من حلق عانته مواراة شعرها لئلا ينظر إليه ، واعتمد حج وجوب مواراة الظفر من المرأة والشعر ا هـ .

                                                                                                                            وقياسه عكسه بناء على الأصح من حرمة نظر أحدهما إلى الآخر ( قوله : يرد ذلك ) لم يذكر خبرا لقوله والمنازعة ، وفي حج بعد قوله يرد ذلك قدمت في مبحث الانتفاع بالشارع في إحياء الموات ما يرده فراجعه ا هـ .

                                                                                                                            ثم رأيت في نسخة صحيحة بعد قوله ذلك مردودة ( قوله : كفضلة ) تعبيره بما قد يشمل بول المرأة فيحرم نظره لمن علم بأنه بول امرأة ، وفي كلام سم على حج ما نصه : هل بول المرأة كدم فصدها فيحرم نظره أو لا ، ويفرق بما يؤخذ من قوله الآتي مع العلم بأنه جزء ممن يحرم نظره فإن البول لا يعد جزءا بخلاف الدم فيه نظر ا هـ .

                                                                                                                            أقول : الأقرب عدم الحرمة لما علل به ومن ثم لو

                                                                                                                            [ ص: 201 ] قال بولك طالق لم تطلق بخلاف ما لو قال دمك ( قوله : ويحرم مضاجعة رجلين ) وكالمضاجعة ما يقع كثيرا في مصرنا من دخول اثنين فأكثر مغطس الحمام فيحرم إن خيف النظر أو المس من أحدهما لعورة الآخر ( قوله : لأن ذلك ) أي العري ( قوله : قد يؤدي إلى محظور ) ولا ينافي هذا ما تقدم من تقييد الحرمة بالرجلين والمرأتين مع أن ما هنا شامل للأم مع ابنها بل ظاهر فيه ; لأن التقييد فيما مر لمجرد التصوير لا للاحتراز .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله لأنه محل استمتاعه ) أي بدنها فهو تعليل للمتن ، وقوله للخبر الصحيح لعله سقط قبله واو من الكتبة [ ص: 200 ] قوله ورد ) أي تحسين ابن الصلاح ( قوله فلا يحل بشهوة ) فيه أنه لم يذكر الشهوة فيما مر حتى يأخذ هذا محترزه ، وعبارة التحفة : وبحال الحياة ما بعد الموت فهي كالمحرم انتهت . فلعل الشارح إنما عدل عنها لأنه لا يعتمد مقتضاها فليراجع معتمده ، لكن كان عليه أن يقدم ما يصح أن يكون هذا محترزه .




                                                                                                                            الخدمات العلمية