الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فصل ) في موانع الولاية للنكاح

                                                                                                                            ( لا ولاية لرقيق ) كله ولو مكاتبا ، أو مبعضا وإن قل لنقصه ، نعم له خلافا لفتاوى البغوي تزويج أمة ملكها ببعضه الحر بناء على أن السيد يزوج بالملك لا بالولاية ، ومثله المكاتب بل أولى لتمام ملكه لكن بإذن سيده وأفهم نفي ولاية الرقيق جواز كونه وكيلا ، وهو كذلك في القبول لا الإيجاب كما مر في الوكالة ( وصبي ومجنون ) [ ص: 237 ] لنقصهما أيضا وإن تقطع الجنون تغليبا لزمنه المقتضي لسلب العبارة فيزوج الأبعد زمنه فقط ، نعم لو قل جدا كيوم في سنة انتظرت كالإغماء كما بحثه الأذرعي ، ولو قصر زمن الإفاقة جدا فهو كالعدم : أي من حيث عدم انتظاره لا من حيث عدم صحته إنكاحه فيه لو وقع ، ويشترط بعد إفاقته صفاؤه من آثار خبل يحمل على حدة في الخلق كما أفهمه قوله ( ومختل النظر ) وإن قل ، وبحث الأذرعي خلافه يتعين حمله على نوع لا يؤثر في النظر في الأكفاء والمصالح ( بهرم ، أو خبل ) أصلي ، أو عارض ، أو بأسقام شغلته عن اختبار الأكفاء ( وكذا محجور عليه بسفه ) بأن بلغ غير رشيد ، أو بذر في ماله بعد رشده ثم حجر عليه لا ولاية له ( على المذهب ) إذ لا يلي أمر نفسه فغيره أولى ، ويصح توكيله في قبول النكاح لا إيجابه كما مر نظيره في الرقيق .

                                                                                                                            والطريق الثاني وجهان : أحدهما هذا ، والثاني يلي لأنه كامل النظر في أمر النكاح ، وإنما حجر عليه لحفظ ماله .

                                                                                                                            أما سفيه لم يحجر عليه فيلي كما بحثه الرافعي ، وهو ظاهر نص الأم ، ومقتضى كلام المصنف هنا كالروضة ، وهو المعتمد وإن صحح جمع خلافه وأما محجور عليه بفلس فيلي لأنه كامل ، وإنما حجر عليه لحق الغير لا لنقص فيه ( ومتى كان ) المعتق ، أو ( الأقرب ) من عصبة النسب ، أو الولاء متصفا ( ببعض هذه الصفات فالولاية ) في الأولى لأقرب عصبات المعتق على المعتمد كالإرث ، وفي الثانية ( للأبعد ) نسبا فولاء ، فلو أعتق أمة ومات عن ابن صغير وأب ، أو أخ كبير زوج الأب أو الأخ لا الحاكم على المنقول المعتمد ، وإن نقل عن نص وجمع متقدمين أن الحاكم هو المزوج ، وانتصر له الأذرعي واعتمده جمع متأخرون ، وقول البلقيني : الظاهر والاحتياط أن الحاكم هو الذي يزوج يعارضه قوله في المسألة نصوص تدل على أن الأبعد هو الذي يزوج وهو الصواب لأن الأقرب حينئذ كالعدم ولإجماع أهل السير على أنه صلى الله عليه وسلم زوجه وكيله عمرو بن أمية أم حبيبة بالحبشة من ابن عم أبيها خالد بن سعيد بن العاص أو عثمان بن عفان لكفر أبيها أبي سفيان رضي الله عنهم ، ويقاس بالكفر سائر الموانع السابقة والآتية ولذا قيل كان ينبغي تأخير هذا عن كلها ، ومتى زال المانع عادت الولاية .

                                                                                                                            ولو زوج الأبعد فادعى الأقرب أنه زوج بعد تأهله قال الماوردي : فلا اعتبار بهما ، والرجوع فيه إلى قول الزوجين لأن العقد لهما فلا يقبل فيه [ ص: 238 ] قول غيرهما ، وجزم فيما لو زوجها بعد تأهل الأقرب بعدم الصحة ، سواء أعلم ذلك أم لم يعلمه ( والإغماء إن كان لا يدوم غالبا ) يعني بأن قل جدا كالحاصل بهيجان المرة الصفراء ( انتظر إفاقته ) قطعا لقرب زواله كالنائم ( وإن كان يدوم ) يوما أو يومين ، أو ( أياما انتظر ) لكن على الأصح لأن من شأنه أنه قريب الزوال كالنوم ، وقيل لا تنتظر إفاقته بل تنتقل الولاية إلى الأبعد كالجنون والسكر بلا تعد في معنى الإغماء ، فإن دعت حاجتها إلى النكاح في زمن الإغماء ، أو السكر فظاهر كلامهما عدم تزويج الحاكم .

                                                                                                                            وهو كذلك خلافا للمتولي ، وبما تقرر علم أن قول الشارح أي يوما ويومين فأكثر كما عبر به في الروضة وأصلها أشار به إلى أن الخلاف جار فيما دون الثلاثة كما يستفاد من الكتاب بطريق الأولى ، غير أن حمل الشارح على ذلك أفاد كونه منقولا ، وأفاد أيضا أن الغاية ثلاثة وإن أوهم كلامه الزيادة ، إذ هي أقل الكثير وأكثر القليل ، وقد أناط الشرع بها أحكاما كثيرة ولم يغتفر ما زاد عليها ( وقيل تنتقل الولاية للأبعد ) كما في الجنون ( ولا يقدح ) الخرس إن كان له كتابة ، أو إشارة مفهمة وإلا زوج الأبعد ومر صحة تزوجه ومثله تزويجه بالكتابة مع ما فيه فراجعه ، ولا ( العمى في الأصح ) لقدرته معه على البحث عن الأكفاء .

                                                                                                                            وتعذر شهادته إنما هو لتعذر تحمله وإلا فهي مقبولة منه في أماكن تأتي ، والثاني يقدح لنقصه كالشهادة ورد بما مر نعم لا يجوز لقاض تفويض ولاية العقود إليه لأنها نوع من ولاية القضاء وعلم مما مر أن عقده بمهر معين لا يشبه بشرائه بمعين ، أو بيعه له .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( فصل ) في موانع الولاية للنكاح

                                                                                                                            ( قوله : في موانع الولاية للنكاح ) أي وما يتبع ذلك كتزويج السلطان عند غيبة الولي ، أو إحرامه ( قوله : نعم له ) أي المبعض ، وهذا استدراك صوري ( قوله : يزوج بالملك ) معتمد ( قوله : ومثله ) أي المبعض ( قوله : بل أولى ) قد تدفع الأولوية بأن ملك المكاتب معرض للزوال ولا كذلك المبعض ، وعبارة حج تعليلا لصحته من المبعض بعد قوله لا بالولاية وكالمكاتب بالإذن بل أولى لأنه : أي المبعض تام الملك ا هـ .

                                                                                                                            فجعل الصحة في المبعض أولى منها في المكاتب ( قوله : لكن بإذن سيده ) أي فلو خالف وفعل لم يصح النكاح ، ثم لو وطئ الزوج مع ظنه الصحة فلا حد للشبهة ويجب مهر المثل وهل الحكم كذلك مع علمه الفساد ، أو لا ؟ فيه نظر ، والأقرب أنه كذلك إن قيل .

                                                                                                                            [ ص: 237 ] بجوازه عند بعض الأئمة ( قوله : الأبعد زمنه ) أي الجنون ( قوله : في سنة انتظرت ) أي الإفاقة ( قوله : ولو قصر زمن الإفاقة ) أي كيوم ( قوله : لو وقع ) أي ولا من حيث عدم صحة تزويج الأبعد فيه لو وقع فلا يصح تزويج الأبعد في زمن الإفاقة ( قوله : وبحث الأذرعي خلافه ) أي خلاف اشتراط ما تقدم في قوله ويشترط بعد إفاقته إلخ ( قوله : بأن بلغ غير رشيد ) أي في ماله .

                                                                                                                            أما من بلغ غير رشيد بالفسق فهو داخل في الفاسق ، وسيأتي حكمه ( قوله : أما سفيه لم يحجر عليه ) بأن بلغ رشيدا ثم بذر ولم يحجر عليه ، والمراد ببلوغه رشيدا أن يمضي له بعد بلوغه زمن لم يحصل فيه ما ينافي الرشد تقتضي العادة برشد من مضى عليه ذلك من غير تعاطي ما يحصل به لا مجرد كونه لم يتعاط منافيا وقت البلوغ بخصوصه ( قوله : فالولاية في الأولى ) هي قوله ، ومتى كان المعتق ، وقوله وفي الثانية هي قوله ، أو الأقرب ( قوله : وإن نقل عن نص ) أي للشافعي ، ولعل تنكيره لكون المشهور عنه خلافه ( قوله : ينبغي تأخير هذا ) أي قوله ومتى كان إلخ ( قوله : ومتى زال المانع ) أي تحققنا زواله ، وقوله عادت الولاية : أي حالا وينبغي أن يعتبر في زوال التبذير حسن تصرفه مدة يغلب على الظن زواله ( قوله فلا اعتبار بهما ) أي الأبعد [ ص: 238 ] والأقرب ( قوله وجزم فيما لو زوجها ) أي الماوردي ولا يعارض ما قبله لأن هذا مفروض فيما لو علم بعد العقد أنه زوج وما قبله فيما لو تعارض ولم تعلم حقيقة الحال ( قوله : والإغماء ) قال الإمام : ومن جملة ذلك الصرع ا هـ مؤلف ( قوله : في زمن الإغماء ) أي المذكور ( قوله : وأفاد أيضا إلخ ) معتمد ( قوله : أن الغاية ثلاثة ) أي فينتقل بعد الثلاثة للأبعد ، وفي سم على منهج : وتنتقل من أول المدة حيث أخبر أهل الخبرة أنه يزيد على الثلاثة ا هـ .

                                                                                                                            ثم هل المراد بأهل الخبرة واحد منهم ، أو لا بد من اثنين ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول ، ثم لو زوج الأبعد اعتمادا على قول أهل الخبرة فزال المانع قبل مضي الثلاثة بان بطلانه قياسا على ما لو زوج الحاكم لغيبة الأقرب فبان عدمها ( قوله : ولم يغتفر ما زاد عليها ) هذا ظاهر في أن المدة إن لم تزد على ثلاثة انتظرت فالثلاثة ملحقة بما دونها ، وفي كلام حج أنه متى زاد على يومين لم ينتظر ( قوله : كما في الجنون ) يفيد أن إفاقة المجنون لا تنتظر وإن لم تزد مدته على الثلاث ، ولعله مصور بما إذا تكرر جنونه لما مر نقلا عن بحث الأذرعي أنه إذا قل الجنون كيوم في سنة انتظرت الإفاقة ، وقوله ولا يقدح : أي في ثبوت الولاية ( قوله : ومثله تزويجه ) قد يفرق بأن تزوجه ضروري في حقه بخلاف تزويجه للاستغناء عنه بالانتقال لغيره على أن ما مر في تزوجه مقيد بما إذا تعذر توكيله وعلى ما ذكره الشارح تستثنى الكتابة من عدم صحة النكاح بالكناية ، وكذا تستثنى الإشارة إذا فهمها الفطن دون غيره فيصح بها مع كونها كناية على ما أفهمه إطلاقه ( قوله وتعذر شهادته ) أي عدم قبولها ( قوله : ورد بما مر ) أي من قوله لتعذر تحمله ( قوله وعلم مما مر ) لعله في قوله لقدرته إلخ ( قوله : أن عقده ) أي الأعمى ( قوله بمهر معين ) أي كأن قال زوجتك بهذه الدراهم ، بخلاف ما لو قال زوجتك بكذا في ذمتك أو أطلق فيصح ، ثم إن كان له ولاية المال وكل من يقبضه وإلا وكلت هي ( قوله : لا يشبه ) أي ذلك المعين بل يثبت مهر المثل .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( فصل ) في موانع الولاية [ ص: 237 ] قوله : وإن تقطع الجنون ) أي فلا يزوج في زمنه وإن أوهمت علته أنه لا يزوج حتى في زمن الإفاقة ( قوله : ولو زوج الأبعد إلخ ) وصورته أن الأبعد زوج وادعى أن تزويجه قبل تأهل الأقرب وادعى الأقرب أنه بعده [ ص: 238 ] فالضمير في قوله أنه يرجع للأبعد والمراد بالزوجين الزوج والزوجة ( قوله : بطريق الأولى ) فيه وقفة لا تخفى بل [ ص: 239 ] يوهم أنه لا خلاف فيما دون الثلاثة




                                                                                                                            الخدمات العلمية