الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولغانم ) حر ( رشيد ولو ) هو ( محجور عليه بفلس الإعراض عن الغنيمة ) بقوله أسقطت حقي منها لا وهبت مريدا به التملك ( قبل القسمة ) واختيار التملك ; لأنه به تحقق الإخلاص المقصود من الجهاد لكون كلمة الله هي العليا ، والمفلس لا يلزمه الاكتساب باختيار التملك ، وخرج بحر القن فلا يصح إعراضه وإن كان رشيدا ; لأن الحق فيما غنمه لسيده فالإعراض له .

                                                                                                                            نعم إن كان مكاتبا أو مأذونا له في التجارة ، وقد أحاطت به الديون فلا يظهر صحة إعراضه في حقهما ، فإن أذن له فيه صح على الأصح ، ولو أوصى بإعتاق عبده وهو يخرج من الثلث فاستحق الرضخ صح إعراضه عنه كما قاله البلقيني .

                                                                                                                            وأما المبعض فإن كان بينه وبين سيده مهايأة فالاعتبار بمن وقع الاستحقاق في نوبته بناء على الأصح وهو دخول النادر في المهايأة ، وإلا فيصح إعراضه عن المختص به دون المختص بالمالك ، وخرج برشيد المحجور عليه بسفه فلا يصح إعراضه للحجر عليه ، والصبي عن الرضخ لإلغاء عبارته ، والمجنون والسكران غير المتعدي ، نعم يجوز ممن كمل قبل القسمة ، وإنما صح عفو السفيه عن القود ; لأنه الواجب عينا فلا مال ثم بحال ، وهنا ثبت له اختيار التملك وهو حق مالي فامتنع منه إسقاطه لانتفاء أهليته لذلك ، فاندفع اعتماد جمع متأخرين صحة إعراضه زاعمين أن ما ذكره مبني على ضعيف ، أما بعد القسمة وقبولها [ ص: 76 ] فيمتنع لاستقرار الملك ، وكذا بعد اختيار التملك ( والأصح جوازه ) أي الإعراض لمن ذكر ( بعد فرز الخمس ) وقبل قسمة الأخماس الأربعة ; لأن إفرازه لا يتغير به حق كل منهم ، والثاني منعه لتميز حق الغانمين ( و ) الأصح ( جوازه لجميعهم ) أي الغانمين ، ويصرف حقهم مصرف الخمس ، والثاني منع ذلك ( و ) الأصح ( بطلانه من ذوي القربى ) وإن انحصروا في واحد ; لأنهم لا يستحقونه بعمل فكان كالإرث ، والثاني صحته منها كالغانمين وأحدهم ، وخصهم لأن بقية مستحقي الخمس جهات عامة لا يتصور فيها إعراض ( و ) من ( سالب مال ) ; لأنه يملك السلب قهرا ( والمعرض ) عن حقه ( كمن لم يحضر ) فيضم نصيبه للغنيمة ، ويقسم بين الباقين وأهل الخمس .

                                                                                                                            ويؤخذ من التشبيه أنه لا يعود حقه لو رجع عن الإعراض مطلقا ، وهو ظاهر كموصى له له رد الوصية بعد الموت وقبل القبول ، وليس له الرجوع فيها كما مر .

                                                                                                                            وأما ما بحثه بعض الشراح من عود حقه برجوعه قبل القسمة لا بعدها تنزيلا لإعراضه منزلة الهبة وللقسمة منزلة قبضها ، كما لو أعرض مالك كسرة عنها له العود لأخذها فبعيد ، وقياسه غير مسلم .

                                                                                                                            إذ الإعراض عنها ليس هبة ولا منزلا منزلتها ; لأن المعرض عنه هنا حق تملك لا غير ، ومن ثم جاز من نحو مفلس كما مر ، ولأن الإعراض عن الكسرة يصيرها مباحة لا مملوكة ولا مستحقة للغير فجاز للمعرض أخذها والإعراض عنها ينقل الحق للغير فلم يجز له الرجوع فيه

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : بقوله أسقطت حقي منها ) أي فلا بد لصحة الإعراض من هذا اللفظ أو نحوه مما يدل عليه فلا يسقط حقه بترك الطلب ، وإن طال الزمن ( قوله : لأن به ) أي الإعراض ( قوله : والمفلس لا يلزمه الاكتساب ) ما لم يعص بالدين كما هو واضح ، إذ هذا من الكسب ، وقد صرحوا بأن المفلس إذا عصى بالدين لزمه التكسب ، ومع ذلك فينبغي صحة إعراضه ، وإن أثم لأن غايته أنه ترك التكسب وتركه له لا يوجب شيئا على من أخذ ما كان يكسبه لو أراد الكسب ( قوله : فلا تظهر صحة إعراضه ) أي السيد ، وقوله ولو أوصى بإعتاق عبده : أي ومات ولم يعتقه الوارث ، وقوله فاستحق : أي العبد ( قوله : صح إعراضه ) أي العبد وذلك لأنه إذا عتق يتبعه كسبه ، فبتقدير عدم الإعراض يكون الرضخ له لا للوارث ، فلم يفت بإعراضه على الوارث شيء ، لكن يقال الثلث إنما يعتبر وقت الموت فقد يتلف مال السيد قبل موته فلا يخرج العبد من الثلث ، فلا يكون الرضخ له بل للوارث فكيف يصح إعراضه عنه ( قوله : والصبي عن الرضخ ) بيان لما يستحقه لولا الإعراض ( قوله : نعم يجوز ) [ ص: 76 ] أي الإعراض ( قوله : لو رجع عن الإعراض مطلقا ) أي قبل القسمة أو بعدها ( قوله : وقبل القبول ) تفسيري : يعني فالرد للقبول كأن يقول رددتها أو لا أقبلها ، ولو حذف قوله وقبل القبول كان أولى ( قوله والإعراض عنها ) أي الغنيمة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله وإن كان رشيدا ) أي أو مكاتبا كما صرح به ابن حجر ، لكن تعليل الشارح لا يأتي فيه ( قوله : صح إعراضه ) أي بعد موت السيد وقبل القبول كما هو ظاهر [ ص: 76 ] قوله وليس له الرجوع ) كأن الأظهر الفاء بدل الواو ولعلها للحال




                                                                                                                            الخدمات العلمية