الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وإنما يصح بلفظ تزويج ونكاح ) لأنهما صريح ( وما ) عداهما كناية هو كل لفظ ( وضع لتمليك عين ) كاملة فلا يصح بالشركة ( وفي الحال ) خرج الوصية غير المقيدة بالحال [ ص: 17 ] ( كهبة وتمليك وصدقة وعطية وقرض وسلم واستئجار ) [ ص: 18 ] وصلح وصرف وكل ما تملك به الرقاب بشرط نية أو قرينة وفهم الشهود المقصود ( لا ) يصح ( بلفظ إجارة ) براء أو بزاي ( وإعارة ووصية ) ورهن الوديعة ونحوها مما لا يفيد الملك ، لكن تثبت به الشبهة فلا يحد ولها الأقل من المسمى ، ومهر المثل ، وكذا تثبت بكل لفظ لا ينعقد به النكاح فليحفظ . ( وألفاظ مصحفة كتجوزت ) [ ص: 19 ] لصدوره لا عن قصد صحيح بل عن تحريف وتصحيف ، فلم تكن حقيقة ولا مجازا لعدم العلاقة بل غلطا فلا اعتبار به أصلا تلويح ، نعم لو اتفق قوم على النطق بهذه الغلطة وصدرت عن قصد [ ص: 20 ] كان ذلك وضعا جديدا فيصح ، به أفتى أبو السعود . وأما الطلاق فيقع بها قضاء كما في أوائل الأشباه ( ولا بتعاط ) [ ص: 21 ] احتراما للفروج .

التالي السابق


( قوله : وإنما يصح إلخ ) اعلم أن التصريح ينعقد به النكاح بلا خلاف وغيره على أربعة أقسام : قسم لا خلاف في الانعقاد به عندنا بل الخلاف في خارج المذهب ، وقسم فيه خلاف عندنا والصحيح الانعقاد ، وقسم فيه خلاف والصحيح عدمه وقسم لا خلاف في عدم الانعقاد به ، فالأول ما سوى لفظي النكاح والتزويج لفظ الهبة والصدقة والتمليك ، والجعل نحو جعلت بنتي لك بألف والثاني نحو بعت نفسي منك بكذا أو ابنتي أو اشتريتك بكذا فقالت نعم ونحو السلم والصرف والقرض والصلح والثالث كالإجارة والوصية والرابع كالإباحة والإحلال والإعارة والرهن والتمتع والإقالة والخلع أفاده في الفتح . ( قوله : وما عداهما كناية إلخ ) في هذا التركيب إخراج المتن عن مدلوله من التصريح بجوازه بهذه الألفاظ . وأورد عليه كيف صح بالكناية مع اشتراط الشهادة فيه والكناية لا بد فيها من النية ، ولا اطلاع للشهود عليها قال الزيلعي قلنا ليست بشرط مع ذكر المهر وذكر السرخسي أنها ليست بشرط مطلقا لعدم اللبس ولأن كلامنا فيما إذا صرحنا به ولم يبق احتمال . ا هـ .

وللمحقق ابن الهمام فيه بحث طويل يأتي بعضه قريبا . ( قوله : هو كل لفظ إلخ ) أورد عليه في البحر أنه ينعقد بألفاظ غير ما ذكر مثل كوني امرأتي ، وقولها عرستك نفسي . وقوله : لمبانته : راجعتك بكذا وقولها له رددت نفسي عليك ، وقوله صرت لي أو صرت لك وقوله : ثبت حقي في منافع بضعك وذكر ألفاظ أخر وأنه ينعقد في الكل مع القبول ، ثم أجاب بأن العبرة في العقود للمعاني حتى في النكاح كما صرحوا به وهذه الألفاظ تؤدي معنى النكاح .

وحاصله أن هذه الألفاظ داخلة في النكاح ; لأن المراد لفظه أو ما يؤدي معناه تأمل .

( قوله : وضع لتمليك عين ) خرج ما لا يفيد التمليك أصلا كالرهن الوديعة ، وما يفيد تمليك المنفعة كالإجارة والإعارة كما يأتي . ( قوله : كاملة ) صرح بمفهومه بقوله فلا يصح بالشركة قال في غاية البيان وهذا أي لا ينعقد بلفظ الشركة ; لأنه يفيد التمليك في البعض دون الكل وهذا لا يصح النكاح إذا قال زوجتك نصف جاريتي ( قوله : خرج الوصية غير المقيدة بالحال ) بأن كانت مطلقة أو مضافة إلى ما بعد الموت أما المقيدة بالحال نحو أوصيت لك ببضع ابنتي للحال بألف درهم فجائز كما حققه في الفتح ، وتبعه في النهر قائلا وارتضاه غير واحد ، وخالفهم في البحر بأن المعتمد ما أطلقه الشارحون من عدم الجواز ; لأن الوصية مجاز عن التمليك فلو انعقد بها لكان مجازا عن النكاح والمجاز لا مجاز له كما في بيوع العناية . ا هـ .

ونقل الرملي عن المقدسي أن قوله إن المجاز لا مجاز له مردود يعرف ذلك من طالع أساس البلاغة . ا هـ .

أي كما قرروه في رأيت مشفر زيد من أنه مجاز بمرتبتين ، وكذا في { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف } [ ص: 17 ]

قلت : لكن قول المصنف كغيره ، وما وضع لتمليك العين في الحال لا يشمل الوصية ; لأنها موضوعة لتمليك العين بعد الموت فإذا استعملت في تمليك العين في الحال كانت مجازا فلم يصح بها النكاح بناء على أنها لم توضع للتمليك في الحال لا بناء على أنها مجاز ، اللهم إلا أن يجاب بأن قولهم وضع بمعنى استعمل فيشمل الحقيقة والمجاز أو هو مبني على أن المجاز موضوع بالوضع النوعي كما أوضحه شارح التحرير في أول الفصل الخامس فتأمل .

( قوله : كهبة ) أي إذا كانت على وجه النكاح . واعلم أن المنكوحة إما أمة أو حرة ، فإذا أضاف الهبة إلى الأمة بأن قال لرجل وهبت أمتي هذه منك ، فإن كان الحال يدل على النكاح من إحضار شهود وتسمية المهر معجلا ، ومؤجلا ونحو ذلك ينصرف إلى النكاح ، وإن لم يكن الحال دليلا على النكاح ، فإن نوى النكاح وصدقه الموهوب له فكذلك ينصرف إلى النكاح بقرينة النية ، وإن لم ينو ينصرف إلى ملك الرقبة ، وإن أضيفت إلى الحرة فإنه ينعقد من غير هذه القرينة ; لأن عدم قبول المحل للمعنى الحقيقي ، وهو الملك للحرة يوجب الحمل على المجاز فهو القرينة ، فإن قامت القرينة على عدمه لا ينعقد ، فلو طلب من امرأة الزنى فقالت وهبت نفسي منك فقال الرجل قبلت لا يكون نكاحه كقول أبي البنت وهبتها لك لتخدمك فقال قبلت إلا إذا أراد به النكاح كذا في البحر ط .

( قوله : وقرض إلخ ) قال في النهر وفي الصرف والقرض والصلح والرهن قولان وينبغي ترجيح انعقاده بالصرف عملا بالكلية لما أنه يفيد ملك العين في الجملة وبه يترجح ما في الصيرفية من تصحيح انعقاده بالقرض ، وإن رجح في الكشف وغيره عدمه وجزم السرخسي بانعقاده بالصلح والعطية ولم يحك الأتقاني غيره . ا هـ . وسيأتي الكلام على الرهن لكن قوله : ولم يحك الأتقاني غيره سبق قلم فإن الذي ذكره الأتقاني في غاية البيان أنه لا ينعقد بالصلح وهكذا نقله عنه في البحر ، وعزاه في الفتح إلى الأجناس ، ثم نقل كلام السرخسي .

قلت : وينبغي التفصيل والتوفيق بأن يقال إن جعلت المرأة بدل الصلح مثل أن يقول أبو البنت لدائنه مثلا صالحتك عن ألفك التي لك علي ببنتي هذه ، وإن جعلت مصالحا عنها بأن قال " صالحتك " عن بنتي بألف لا يصح وعليه يحمل كلام غاية البيان بدليل أنه علله بقوله ; لأن الصلح حطيطة ، وإسقاط للحق . ا هـ .

ولا يخفى أن الإسقاط إنما هو بالنسبة للمصالح عنه والمقصود ملك المتعة من المرأة لا إسقاطه فلذا لم يصح أما بدل الصلح فالمقصود ملكه أيضا فيصح به ملك المتعة . هذا ، ولم أر من تعرض للخلاف في العطية مثل قوله هي لك عطية بكذا لأنه بمنزلة الهبة وقد أفتى به في الخيرية وأما لفظ أعطيتك بنتي بكذا كما هو الشائع عند الأعراب والفلاحين فيصح به العقد كما قدمناه عن الفتح عن شرح الطحاوي ، ويقع كثيرا أنه يقول جئتك خاطبا بنتك لنفسي فيقول أبوها هي جارية في مطبخك فينبغي أن يصح إذا قصد العقد دون الوعد أخذا مما قدمناه آنفا عن البحر في وهبتها لك لتخدمك ويؤيده ما في الذخيرة إذا قال جعلت ابنتي هذه لك بألف صح لأنه أتى بمعنى النكاح والعبرة في العقود للمعاني دون الألفاظ . ا هـ .

( قوله : وسلم واستئجار ) هذا إذا جعلت المرأة رأس مال السلم أو جعلت أجرة فينعقد إجماعا ، أما إن جعلت مسلما فيها فقيل لا ينعقد ; لأن السلم في الحيوان لا يصح ، وقيل ينعقد لأنه لو اتصل به القبض يفيد ملك الرقبة ملكا فاسدا ، وليس كل ما يفسد الحقيقي يفسد مجازيه ورجحه في الفتح ، وهو مقتضى [ ص: 18 ] ما في المتون ، وإن لم تجعل أجرة كقوله آجرتك ابنتي بكذا فالصحيح أنه لا ينعقد ; لأنها لا تغير ملك العين أفاده في البحر ( قوله : وكل ما تملك به الرقاب ) كالجعل والبيع والشراء فإنه ينعقد بها كما مر ( قوله : بشرط نية أو قرينة إلخ ) هذا ما حققه في الفتح ردا على ما قدمناه عن الزيلعي ، حيث لم يجعل النية شرطا عند ذكر المهر وعلى السرخسي حيث لم يجعلها شرطا مطلقا .

وحاصل الرد أن المختار أنه لا بد من فهم الشهود المراد فإن حكم السامع بأن المتكلم أراد من اللفظ ما لم يوضع له لا بد له من قرينة على إرادته ذلك ، فإن لم تكن فلا بد من إعلام الشهود بمراده ، ولذا قال في الدراية في تصوير الانعقاد بلفظ الإجارة عند من يجيزه أن يقول آجرت بنتي ونوى به النكاح وأعلم الشهود . ا هـ .

بخلاف قوله بعتك بنتي ، فإن عدم قبول المحل للبيع يوجب الحمل على المجازي ، فهو قرينة يكتفي بها الشهود حتى لو كانت المعقود عليها أمة لا بد من قرينة زائدة تدل على النكاح من إحضار الشهود وذكر المهر مؤجلا أو معجلا ، وإلا فإن نوى وصدقه الموهوب له صح ، وإن لم ينو انصرف إلى ملك الرقبة كما في البدائع والظاهر أنه لا بد مع النية من إعلام الشهود وقد رجع شمس الأئمة إلى التحقيق حيث قال ولأن كلامنا فيما إذا صرحا به ولم يبق احتمال . ا هـ . هذا حاصل ما في الفتح ، وملخصه أنه لا بد في كنايات النكاح من النية مع قرينة أو تصديق القابل للموجب وفهم الشهود المراد أو إعلامهم به . ( قوله : بلفظ إجارة ) أي في الأصح كآجرتك نفسي بكذا بخلاف لفظ الاستئجار بأن جعلت المرأة بدلا مثل استأجرت دارك بنفسي أو ببنتي عند قصد النكاح كما مر بيانه ، وغير هناك بالاستئجار وهنا بالإجارة إشارة للفرق المذكور فلا تكرار فافهم . ( قوله : ووصية ) أي غير مقيدة بالحال كما مر ( قوله : ورهن ) فيه اختلاف المشايخ كما في البناية ، ورجع في الولوالجية ما هنا من عدم الصحة ولعل ابن الهمام لم يعتبر القول الآخر لعدم ظهور وجهه فعد الرهن من قسم ما لا خلاف في عدم الصحة به ; لأنه لا يفيد الملك أصلا . ( قوله : ونحوها ) كإباحة ، وإحلال وتمتع ، وإقالة وخلع كما قدمناه عن الفتح ، لكن ذكر في النهر أنه ينبغي أن يقيد الآخر بما إذا لم يجعل بدل الخلع ، فإن جعلت كما إذا قال أجنبي اخلع زوجتك ببنتي هذه فقبل صح أخذا من مسألة الإجارة . ( قوله : لكن تثبت به ) أي بنحو المذكورات ( قوله : وكذا تثبت بكل لفظ لا ينعقد به النكاح ) هذا ساقط من بعض النسخ وهو الأحسن ولذا قال ح : إنه مكرر مع قوله لكن ثبت به الشبهة مع أن قوله بكل لفظ لا ينعقد به النكاح شامل للفظ لا دخل له أصلا كقوله لها أنت صديقتي فقالت نعم فإنه يصدق عليه أنه لفظ لا ينعقد به النكاح ، ومع ذلك لا تثبت به الشبهة ، بخلاف العبارة الأولى فإنها وقعت بيانا لنحو المذكورات في المتن فتختص بكل لفظ يفيد الملك ولا ينعقد به النكاح . ا هـ .

مطلب هل ينعقد النكاح بالألفاظ المصحفة نحو تجوزت

( قوله : وألفاظ مصحفة ) من التصحيف ، وهو تغيير اللفظ حتى يتغير المعنى المقصود من الوضع كما في الصحاح ، وفي المغرب التصحيف أن يقرأ الشيء على خلاف ما أراده كاتبه أو على غير ما اصطلحوا عليه ( قوله : كتجوزت ) أي بتقديم الجيم على الزاي قال في المغرب : جاز المكان وأجازه وجاوزه وتجاوزه إذا سار فيه وخلفه ، وحقيقته قطع جوزه [ ص: 19 ] أي وسطه ، ومنه جاز البيع أو النكاح إذا نفذه وأجازه القاضي إذا نفذه وحكم به ، ومنه المجيز الوكيل والوصي لتنفيذه ما أمر به ، وجوز الحكم رآه جائزا وتجويز الضراب الدراهم أن جعلها رائجة جائرة وأجازه بجائزة سنية إذا أعطاه عطية ، ومنها جوائز الوفود للتحف واللطف ، وتجاوز عن المسيء وتجوز عنه أغضى عنه وعفا وتجوز في الصلاة ترخص فيها وتساهل ، ومنه تجوز في أخذ الدراهم . ا هـ ملخصا .

( قوله : لصدوره لا عن قصد صحيح ) أشار به إلى الفرق بينه وبين انعقاده بلفظ أعجمي بأن اللغة الأعجمية تصدر عمن تكلم بها عن قصد صحيح ، بخلاف لفظ التجويز فإنه يصدر لا عن قصد صحيح ، بل عن تحريف وتصحيف ، فلا يكون حقيقة ولا مجازا منح ملخصا . والتحريف التغيير وهو المراد بالتصحيف كما مر ( قوله : تلويح ) ليس مراده عزو المسألة إلى التلويح بل عزو مضمون التعليل لأنها غير مذكورة فيه ولا في غيره من الكتب المتقدمة ، وإنما ذكرها المصنف في متنه . وذكر في شرح المنح أنه كثر الاستفتاء عنها في عامة الأمصار وأنه كتب فيها رسالة حاصلها اعتماد عدم الانعقاد بهذا اللفظ ; لأنه لم يوضع لتمليك العين للحال وليس لفظ نكاح ولا تزويج وليس بينه وبين ألفاظ النكاح علاقة مصححة للمجازية عنها كما استعير لفظ الهبة والبيع بنكاح ، ومن ثم صرحوا بأنه لا ينعقد بلفظ الإحلال والإجارة والوصية لعدم صحة الاستعارة ، ولا يصح قياس ذلك على اللغة الأعجمية لعدم القصد الصحيح كما مر ، ثم استشهد لذلك بما ذكره المحقق السعد التفتازاني في بحث الحقيقة والمجاز من التلويح ، وهو أن اللفظ المستعمل استعمالا صحيحا جاريا على القانون إما حقيقة أو مجاز ; لأنه إن استعمل فيما وضع له فحقيقة ، وإن استعمل في غيره ، فإن كان لعلاقة بينه وبين الموضوع له فمجاز ، وإلا فمرتجل وهو أيضا من قسم الحقيقة ; لأن الاستعمال الصحيح في الغير بلا علاقة وضع جديد ، فيكون اللفظ مستعملا فيما وضع له فيكون حقيقة ، وقيدنا الاستعمال بالصحيح احترازا عن الغلط مثل استعمال لفظ الأرض في السماء من غير قصد إلى وضع جديد . ا هـ .

( قوله : نعم إلخ ) هذا ذكره المصنف أيضا حيث قال عقب عبارة التلويح المذكورة ، نعم لو اتفق قوم على النطق بهذه الغلطة بحيث إنهم يطلبون بها الدلالة على حل الاستماع ، وتصدر على قصد واختيار منهم ، فللقول بانعقاد النكاح بها وجه ظاهر ; لأنه والحالة هذه يكون وضعا جديدا منهم ، وبانعقاده بين قوم اتفقت كلمتهم على هذه الغلطة أفتى شيخ الإسلام أبو السعود مفتي الديار الرومية ، وأما صدورها لا عن قصد إلى وضع جديد كما يقع من بعض الجهلة الأغمار ، فلا اعتبار به فقد قال في التلويح إن استعمال اللفظ في الموضوع له أو غيره طلب دلالته عليه ، وإرادته منه فمجرد الذكر لا يكون استعمالا صحيحا فلا يكون وضعا جديدا . ا هـ .

. وحاصل كلام المصنف : أنه إن اتفقوا على استعمال التجويز في النكاح بوضع جديد قصدا يكون حقيقة عرفية مثل الحقائق المرتجلة . ، ومثل الألفاظ الأعجمية الموضوعة للنكاح ، فيصح به العقد لوجود طلب الدلالة على المعنى المراد ، وإرادته من اللفظ قصدا ، وإلا فذكر هذا اللفظ بدون ما ذكر لا يكون حقيقة ; لعدم الوضع ولا مجازا لعدم العلاقة ، فلا يصح به العقد لكونه غلطا كما أفتى به المصنف تبعا لشيخه العلامة ابن نجيم ، ومعاصريه لكن أفتى بخلافه العلامة الحبر الرملي في الفتاوى الخيرية ، ونازع المصنف فيما استشهد به ، وكذا نازعه في حاشيته عن المنح ، بأنه لا دخل لبحث الحقيقة والمجاز المرتب على عدم العلاقة ، وقد أقر المصنف بأنه تصحيف ، فكيف اتجه ذكر نفي العلاقة ، بل نسلم كونه تصحيفا بإبدال حرف ، فلو صدر من عارف لا ينعقد به ، وهو محل فتوى [ ص: 20 ] الشيخ زين بن نجيم ، ومعاصريه فيقع الدليل في محله ح والمسألة لم توجد فيها نقل بخصوصها عن المشايخ ، فصارت حادثة الفتوى .

وقد صرح الشافعية بأنه لا يضر من عامي إبدال الزاي جيما وعكسه مع تشديدهم في النكاح بحيث لم يجوزوه إلا بلفظ الإنكاح والتزويج والإفتاء بحسب الإنهاء . فإذا سئل المفتي هل ينعقد بلفظ التجويز يجيب بلا لعدم التعرض لذكر التصحيف والأصل عدمه ، وإذا سئل في عامي قدم الجيم على الزاي بلا قصد استعارة لعدم علمه بها بل قصد حل الاستمتاع باللفظ الوارد شرعا فوقع له ذكر ينبغي فيه موافقة الشافعية ، وبالأولى فيما إذا اتفقت كلمتهم على هذه الغلطة كما قطع به أبو السعود ، وقد صرحوا بعدم اعتبار الغلظ والتصحيف في مواضع فأوقعوا الطلاق بالألفاظ المصحفة مع اشتراك الطلاق والنكاح في أن جدهما جد وهزلهما جد ، وخطر الفروج ، وأفتوا بالوقوع في علي الطلاق وأنه تعليق يقع به الطلاق عند وقوع الشرط ; لأنه صار بمنزلة إن فعلت فأنت كذا ، ومثله الطلاق يلزمني لا أفعل كذا مع كونه غلطا ظاهرا لغة وشرعا لعدم وجود ركنه وعدم محلية الرجل للطلاق ، وقول أبي السعود إنه أي هذا الطلاق ليس بصريح ولا كناية نظرا لمجرد اللفظ لا إلى الاستعمال الفاشي لعدم وجوده في بلاده ، فإذا لم نعتبر هذا الغلط الفاحش لزمنا أن لا نعتبره فيما نحن فيه مع فشو استعماله وكثرة دورانه في ألسنة أهل القرى والأمصار بحيث لو لقن أحدهم التزويج لعسر عليه النطق به ، فلا شك أنهم لا يلمحون استعارة لنرد ملمحهم بعدم العلاقة ، بل هو تصحيف عليهم فشا في لسانهم .

وقد استحسن بعض المشايخ عدم فساد الصلاة بإبدال بعض الحروف ، وإن لم يتقارب المخرج ; لأن فيه بلوى العامة فكيف فيما نحن فيه . ا هـ ملخصا .

( قوله : وأما الطلاق فيقع بها إلخ ) أي بالألفاظ المصحفة كتلاق وتلاك وطلاك وطلاغ وتلاغ . قال في البحر : فيقع قضاء ولا يصدق إلا إذا أشهد على ذلك قبل التكلم بأن قال امرأتي تطلب مني الطلاق وأنا لا أطلق فأقول هذا ، ولا فرق بين العالم والجاهل وعليه الفتوى . ا هـ .

ثم إنه لا فرق يظهر بين النكاح والطلاق . وقد استدل الخير الرملي على ذلك بما قدمناه من قول قاضي خان إنه ينبغي أن يكون النكاح كالطلاق والعتاق في أنه لا يشترط العلم بمعناه ; لأن العلم بمضمون اللفظ إنما يعتبر لأجل القصد فلا يشترط فيما يستوي فيه الجد والهزل . ا هـ . قال فإذا علمنا أن الطلاق واقع مع التصحيف فينبغي أن يكون النكاح نافذا معه أيضا . ا هـ .

قلت : وأما الجواب بأن وقوع طلاق للاحتياط في الفروج فهو مشترك الإلزام ، على أنه لا احتياط في التفريق بعد تحقق الزوجية بمجرد التلفظ بلفظ مصحف أو مهمل لا معنى له ، بل الاحتياط في بقاء الزوجية حتى يتحقق المزيل ، فلولا أنهم اعتبروا القصد بهذا اللفظ المصحف بدون وضع جديد ولا علاقة لم يوقعوا به الطلاق ; لأن الغلط الخارج عن الحقيقة والمجاز لا معنى له ، فعلم أنهم اعتبروا المعنى الحقيقي المراد ولم يعتبروا تحريف اللفظ بل قولهم يقع بها قضاء يفيد أنه يقضي عليه بالوقوع ، وإن قال لم أرد بها الطلاق حملا على أنها من أقسام الصريح ولذا قيد تصديقه بالإشهاد فبالأولى إذا قال العامي جوزت بتقديم الجيم أو زوزت بالزاي بدل الجيم قاصدا به معنى النكاح يصح ويدل عليه أيضا ما قدمناه عن الذخيرة من أنه إذا قال جعلت بنتي هذه لك بألف صح ; لأنه أتى بمعنى النكاح ، والعبرة في العقود للمعاني دون الألفاظ ، فهذا التعليل يدل على أن كل ما أفاد معنى النكاح يعطى حكمه ، لكن إذا كان بلفظ نكاح أو تزويج أو ما وضع لتمليك العين للحال ، ولا شك أن لفظ جوزت أو زوزت [ ص: 21 ] لا يفهم منه العاقدان والشهود إلا أنه عبارة عن التزويج ، ولا يقصد منه إلا ذلك المعنى بحسب العرف ، وقد صرحوا بأنه يحمل كلام كل عاقد وحالف وواقف على عرفه ، وإذا وقع الطلاق بالألفاظ المصحفة ولو من عالم كما مر ، وإن لم تكن متعارفة كما هو ظاهر إطلاقهم فيها يصح النكاح من العوام بالمصحفة المتعارفة بالأولى ، والله تعالى أعلم .

[ تنبيه ]

علم مما قررناه جواز العقد بلفظ أزوجت بالهمزة في أوله خلافا لما ذكره السيد محمد أبو السعود في حاشية مسكين عن شيخه من عدم الجواز معللا بأنه لم يجده في كتب اللغة فكان تحريفا وغلطا ( قوله : احتراما للفروج ) أي لخطر أمرها وشدة حرمتها ، فلا يصح العقد عليها إلا بلفظ صريح أو كناية .




الخدمات العلمية