الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
باب الصريح ( صريحه ما لم يستعمل إلا فيه ) ولو بالفارسية ( كطلقتك وأنت طالق ومطلقة ) [ ص: 248 ] بالتشديد قيد بخطابها ، لأنه لو قال : إن خرجت يقع الطلاق أو لا تخرجي إلا بإذني فإني حلفت بالطلاق فخرجت لم يقع لتركه الإضافة إليها ( ويقع بها ) أي بهذه الألفاظ وما بمعناها من الصريح ، [ ص: 249 ] ويدخل نحو طلاغ وتلاغ وطلاك وتلاك أو " ط ل ق " أو " طلاق باش " بلا فرق بين عالم وجاهل ، وإن قال تعمدته تخويفا لم يصدق قضاء إلا إذا أشهد عليه قبله وبه يفتى ;

التالي السابق


( قوله ما لم يستعمل إلا فيه ) أي غالبا كما يفيده كلام البحر . وعرفه في التحرير بما يثبت حكمه الشرعي بلا نية ، وأراد بما اللفظ أو ما يقوم مقامه من الكتابة المستبينة أو الإشارة المفهومة فلا يقع بإلقاء ثلاثة أحجار إليها أو بأمرها بحلق شعرها وإن اعتقد الإلقاء والحلق طلاقا كما قدمناه لأن ركن الطلاق اللفظ أو ما يقوم مقامه مما ذكر كما مر ( قوله ولو بالفارسية ) فما لا يستعمل فيها إلا في الطلاق فهو صريح يقع بلا نية ، وما استعمل فيها استعمال الطلاق وغيره فحكمه حكم كنايات العربية في جميع الأحكام بحر . وفي حاشية للخير الرملي عن جامع الفصولين أنه ذكر كلاما بالفارسية معناه إن فعل كذا تجري كلمة الشرع بيني وبينك ينبغي أن يصح اليمين على الطلاق لأنه متعارف بينهم فيه . ا هـ . قلت : لكن قال في [ نور العين ] الظاهر أنه لا يصح اليمين لما في البزازية من كتاب ألفاظ الكفر : إنه قد اشتهر في رساتيق شروان أن من قال جعلت كلما أو علي كلما أنه طلاق ثلاث معلق ، وهذا باطل ومن هذيانات العوام ا هـ فتأمل . [ ص: 248 ] مطلب " سن بوش " يقع به الرجعي [ تنبيه ] قال في الشرنبلالية : وقع السؤال عن التطليق بلغة الترك هل هو رجعي باعتبار القصد أو بائن باعتبار مدلول " سن بوش " أو " بوش أول " لأن معناه خالية أو خلية فينظر . ا هـ . قلت : وأفتى الرحيمي تلميذ الخير الرملي بأنه رجعي وقال كما أفتى به شيخ الإسلام أبو السعود . ونقل مثله شيخ مشايخنا التركماني عن فتاوى علي أفندي مفتي دار السلطنة وعن الحامدية ( قوله بالتشديد ) أي تشديد اللام في مطلقة ، أما بالتخفيف فيلحق بالكناية بحر وسيذكره في بابها ( قوله لتركه الإضافة ) أي المعنوية فإنها الشرط والخطاب من الإضافة المعنوية ، وكذا الإشارة نحو هذه طالق ، وكذا نحو امرأتي طالق وزينب طالق . ا هـ . أقول : وما ذكره الشارح من التعليل أصله لصاحب البحر أخذا من قول البزازية في الأيمان قال لها : لا تخرجي من الدار إلا بإذني فإني حلفت بالطلاق فخرجت لا يقع لعدم حلفه بطلاقها ، ويحتمل الحلف بطلاق غيرها فالقول له . ا هـ . ومثله في الخانية ، وفي هذا الأخذ نظر ، فإن مفهوم كلام البزازية أنه لو أراد الحلف بطلاقها يقع لأنه جعل القول له في صرفه إلى طلاق غيرها ، والمفهوم من تعليل الشارح تبعا للبحر عدم الوقوع أصلا لفقد شرط الإضافة ، مع أنه لو أراد طلاقها تكون الإضافة موجودة ويكون المعنى فإني حلفت بالطلاق منك أو بطلاقك ، ولا يلزم كون الإضافة صريحة في كلامه ; لما في البحر لو قال : طالق فقيل له من عنيت ؟ فقال امرأتي طلقت امرأته . ا هـ . على أنه في القنية قال عازيا إلى البرهان صاحب المحيط : رجل دعته جماعة إلى شرب الخمر فقال : إني حلفت بالطلاق أني لا أشرب وكان كاذبا فيه ثم شرب طلقت . وقال صاحب التحفة : لا تطلق ديانة ا هـ وما في التحفة لا يخالف ما قبله لأن المراد طلقت قضاء فقط ، لما مر من أنه لو أخبر بالطلاق كاذبا لا يقع ديانة بخلاف الهازل ، فهذا يدل على وقوعه وإن لم يضفه إلى المرأة صريحا ، نعم يمكن حمله على ما إذا لم يقل إني أردت الحلف بطلاق غيرها فلا يخالف ما في البزازية ويؤيده ما في البحر لو قال : امرأة طالق أو قال طلقت امرأة ثلاثا وقال لم أعن امرأتي يصدق ا هـ ويفهم منه أنه لو لم يقل ذلك تطلق امرأته ، لأن العادة أن من له امرأة إنما يحلف بطلاقها لا بطلاق غيرها ، فقوله إني حلفت بالطلاق ينصرف إليها ما لم يرد غيرها لأنه يحتمله كلامه ، بخلاف ما لو ذكر اسمها أو اسم أبيها أو أمها أو ولدها فقال : عمرة طالق أو بنت فلان أو بنت فلانة أو أم فلان ، فقد صرحوا بأنها تطلق ، وأنه لو قال : لم أعن امرأتي لا يصدق قضاء إذا كانت امرأته كما وصف كما سيأتي قبيل الكنايات وسيذكر قريبا أن من الألفاظ المستعملة : الطلاق يلزمني ، والحرام يلزمني ، وعلي الطلاق ، وعلي الحرام ، فيقع بلا نية للعرف إلخ . فأوقعوا به الطلاق مع أنه ليس فيه إضافة الطلاق إليها صريحا ، فهذا مؤيد لما في القنية ، و ظاهره أنه لا يصدق في أنه لم يرد امرأته للعرف ، والله أعلم ( قوله وما بمعناها من الصريح ) أي مثل ما سيذكره من نحو : كوني طالقا واطلقي ويا مطلقة بالتشديد ، وكذا المضارع إذا غلب في الحال مثل أطلقك كما في البحر . قلت : ومنه في عرف زماننا : تكوني طالقا ، ومنه : خذي طلاقك فقالت أخذت ، فقد صرح الوقوع به بلا اشتراط نية كما في الفتح ، وكذا لا يشترط قولها أخذت كما في البحر . وأما ما في البحر من أن منه : شئت طلاقك ، [ ص: 249 ] ورضيت طلاقك ، ففيه خلاف . وجزم الزيلعي بأنه لا بد فيهما من النية كما ذكره الخير الرملي : أي فيكون كناية لأن الصريح لا يحتاج إلى النية . وأما ما في البحر أيضا من أنه منه : وهبت لك طلاقك وأودعتك طلاقك ورهنتك طلاقك فسيذكر الشارح تصحيح الوقوع به ، وأما أنت الطلاق فليس بمعنى المذكورات لأن المراد بها ما يقع به واحدة رجعية وإن نوى خلافها كما صرح به المصنف . وأنت الطلاق تصح فيه نية الثلاث كما ذكره عقبه . وأما أنت أطلق من فلانة ، ففي النهر عن الولوالجية أنه كناية قال : فإن كان جوابا لقولها إن فلانا طلق امرأته وقع ولا يدين كما في الخلاصة لأن دلالة الحال قائمة مقام النية ، حتى لو لم تكن قائمة لم يقع إلا بالنية ا هـ فافهم . مطلب من الصريح الألفاظ المصحفة ( قوله ويدخل نحو طلاغ وتلاغ إلخ ) أي بالغين المعجمة . قال في البحر : ومنه الألفاظ المصحفة وهي خمسة فزاد على ما هنا ثلاثا . وزاد في النهر إبدال القاف لاما . قال ط : وينبغي أن يقال إن فاء الكلمة إما طاء أو تاء واللام إما قاف أو عين أو غين أو كاف أو لام واثنان في خمسة بعشرة تسعة منها مصحفة ، وهي ما عدا الطاء مع القاف ا هـ . ( قوله أو ط ل ق ) ظاهر ما هنا ومثله في الفتح والبحر أن يأتي بمسمى أحرف الهجاء والظاهر عدم الفرق بينها وبين أسمائها . ففي الذخيرة من كتاب العتق : وعن أبي يوسف فيمن قال لأمته : ألف نون تاء حاء راء هاء ، أو قال لامرأته ألف نون تاء طاء ألف لام قاف أنه إن نوى الطلاق والعتاق تطلق المرأة وتعتق الأمة ، وهذا بمنزلة الكناية لأن هذه الحروف يفهم منها ما هو المفهوم من صريح الكلام ، إلا أنها تستعمل كذلك فصارت كالكناية في الافتقار إلى النية . ا هـ . وأنت خبير بأنه إذا افتقر إلى النية لا يناسب ذكره هنا لأن الكلام فيما يقع به الرجعية وإن لم ينو وسيصرح الشارح أيضا بعد صفحة بافتقاره إلى النية ، وذكره أيضا في باب الكناية ، وقدمناه أيضا أول الطلاق عن الفتح . وفي البحر : يقع بالتهجي كأنت ط ل ق ، وكذا لو قيل له طلقتها فقال ن ع م أو ب ل ى بالهجاء وإن لم يتكلم به أطلقه في الخانية ولم يشترط النية ، وشرطها في البدائع ا هـ قلت : عدم التصريح بالاشتراط لا ينافي الاشتراط ، على أن الذي في الخانية هو مسألة الجواب بالتهجي والسؤال بقول القائل طلقتها قرينة على إرادة جوابه فيقع بلا نية ، بخلاف قوله ابتداء أنت طالق بالتهجي تأمل ( قوله أو طلاق باش ) كلمة فارسية . قال في الذخيرة : ولو قال لها سه طلاق باش أو قال بطلاق باش تحكم النية ، وكان الإمام ظهير الدين يفتي بالوقوع في هذه الصورة بلا نية ( قوله بلا فرق إلخ ) هذا ذكره في الألفاظ المصحفة فكان عليه ذكره عقبها بلا فاصل ( قوله تعمدته ) أي التصحيف تخويفا لها بلا قصد الطلاق




الخدمات العلمية