الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 602 ] ( ولا يلزمه إتيانها بمؤنسة ) ويأمره بإسكانها بين جيران صالحين بحيث لا تستوحش سراجية . ومفاده أن البيت بلا جيران ليس مسكنا شرعيا بحر . وفي النهر : وظاهره وجوبها لو البيت خاليا عن الجيران لا سيما إذا خشيت على عقلها من سعته . قلت : لكن نظر فيه الشرنبلالي بما مر أن ما لا جيران له غير مسكن شرعي ، فتنبه ( ولا يمنعها من الخروج إلى الوالدين ) في كل جمعة إن لم يقدرا على إتيانها على ما اختاره في الاختيار ولو أبوها [ ص: 603 ] زمنا مثلا فاحتاجها فعليها تعاهده ولو كافرا وإن أبى الزوج فتح ( ولا يمنعهما من الدخول عليها في كل جمعة ، وفي غيرهما من المحارم في كل سنة ) لها الخروج ولهم الدخول زيلعي ( ويمنعهم من الكينونة ) وفي نسخة : من البيتوتة لكن عبارة منلا مسكين : من القرار ( عندها ) به يفتى خانية ، ويمنعها من زيارة الأجانب وعيادتهم والوليمة ، وإن أذن كانا عاصيين كما مر في باب المهر .

وفي البحر : له منعها من الغزل وكل عمل ولو تبرعا لأجنبي ولو قابلة أو مغسلة - [ ص: 604 ] لتقدم حقه على فرض الكفاية ، ومن مجلس العلم إلا لنازلة امتنع زوجها من سؤالها ، ومن الحمام إلا النفساء وإن جاز بلا تزين وكشف عورة أحد . قال الباقاني : وعليه فلا خلاف في منعهن للعلم بكشف بعضهن ، وكذا في الشرنبلالية معزيا للكمال . .

التالي السابق


مطلب في الكلام على المؤنسة ( قوله ولا يلزمه إتيانها بمؤنسة إلخ ) قال في النهر : ولم نجد في كلامهم ذكر المؤنسة إلا في فتاوى قارئ الهداية قال إنها لا تجب إلخ ( قوله ومفاده إلخ ) عبارة البحر : هكذا قالوا للزوج أن يسكنها حيث أحب ولكن بين جيران صالحين ; ولو قالت إنه يضربني ويؤذيني فمره أن يسكنني بين قوم صالحين ; فإن علم القاضي ذلك زجره ومنعه عن التعدي في حقها وإلا يسأل الجيران عن صنيعه ، فإن صدقوها منعه عن التعدي في حقها ، ولا يتركها ثمة وإن لم يكن في جوارها من يوثق به أو كانوا يميلون إلى الزوج أمره بإسكانها بين قوم صالحين . ا هـ ولم يصرحوا بأنه يضرب وإنما قالوا زجره ولعله ; لأنها لم تطلب تعزيره وإنما طلبت الإسكان بين قوم صالحين ، وقد علم من كلامهم أن البيت الذي ليس له جيران ليس بمسكن شرعي . ا هـ ( قوله لكن نظر فيه الشرنبلالي إلخ ) أي نظر في كلام النهر وأجيب عنه بحمله على ما إذا رضيت بذلك ولم تطالبه بمسكن له جيران . فالحاصل أن الإفتاء بلزوم المؤنسة وعدمه يختلف باختلاف المساكن ولو مع وجود الجيران ، فإن كان صغيرا كمساكن الربوع والحيشان فلا يلزم لعدم الاستيحاش بقرب الجيران ، وإن كان كبيرا كالدار الخالية من السكان المرتفعة الجدران يلزم لا سيما إن خشيت على عقلها كما أفاده السيد محمد أبو السعود في حواشي مسكين ، وهو كلام وجيه ; لأن ما في السراجية من عدم اللزوم مشروط بشرطين : إسكانها بين جيران صالحين ، وعدم الاستيحاش ، فإذا أسكنها في دار وكان يخرج ليلا ليبيت عند ضرتها ونحوه وليس لها ولد أو خادم تستأنس به أو لم يكن عندها من يدفع عنها إذا خشيت من اللصوص أو ذوي الفساد كان من المضارة المنهي عنها ولا سيما إذا كانت صغيرة السن فيلزمه إتيانها بمؤنسة أو إسكانها في بيت من دار عند من لا يؤذيها إن كان مسكنا يليق بحالهما ، والله سبحانه أعلم .

( قوله على ما اختاره في الاختيار ) الذي رأيته في الاختيار شرح المختار : هكذا قيل لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين وقيل يمنع ; ولا يمنعهما من الدخول إليها في كل جمعة وغيرهم من الأقارب في كل سنة هو المختار . ا هـ فقوله هو المختار مقابله القول بالشهر في دخول المحارم كما أفاده في الدرر والفتح ، نعم ما ذكره الشارح اختاره في فتح القدير حيث قال : وعن أبي يوسف في النوادر تقييد خروجها بأن لا يقدرا على إتيانها ، فإن قدرا لا تذهب وهو حسن ، وقد اختار بعض المشايخ منعها من الخروج إليهما وأشار إلى نقله في شرح المختار . والحق الأخذ بقول أبي يوسف إذا كان الأبوان بالصفة التي ذكرت ، وإلا ينبغي أن يأذن لها في زيارتهما في الحين بعد الحين على قدر متعارف ، أما في كل جمعة فهو بعيد ، فإن في كثرة الخروج فتح باب الفتنة خصوصا إذا كانت شابة والزوج من ذوي الهيئات ، بخلاف خروج الأبوين فإنه أيسر . ا هـ .

وهذا ترجيح منه لخلاف ما ذكر في البحر أنه الصحيح المفتى به من أنها تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبدونه ، وللمحارم في كل سنة مرة بإذنه [ ص: 603 ] وبدونه ( قوله زمنا ) أي مريضا مرضا طويلا ( قوله فعليها تعاهده ) أي بقدر احتياجه إليها ، وهذا إذا لم يكن له من يقوم عليه كما قيده في الخانية ( قوله ولو كافرا ) ; لأن ذلك من المصاحبة بالمعروف المأمور بها ( قوله وإن أبى الزوج ) لرجحان حق الوالد ، وهل لها النفقة ؟ الظاهر لا وإن كانت خارجة من بيته بحق كما لو خرجت لفرض الحج ( قوله في كل جمعة ) هذا هو الصحيح ، خلافا لمن قال له المنع من الدخول معللا بأن المنزل ملكه ، وله حق المنع من دخول ملكه دون القيام على باب الدار ، ولمن قال لا منع من الدخول بل من القرار ; لأن الفتنة في المكث وطول الكلام ، أفاده في البحر .

وظاهر الكنز وغيره اختيار القول بالمنع من الدخول مطلقا واختاره القدوري وجزم به في الذخيرة ، وقال : ولا يمنعهم من النظر إليها والكلام معها خارج المنزل إلا أن يخاف عليها الفساد فله منعهم من ذلك أيضا ( قوله في كل سنة ) وقيل في كل شهر كما مر ( قوله لها الخروج ولهم الدخول زيلعي ) المناسب إسقاط هذه الجملة كما في بعض النسخ . وعبارة الزيلعي : وقيل لا يمنعها من الخروج إلى الوالدين ولا يمنعهم من الدخول عليها في كل جمعة إلخ ( قوله ويمنعهم من الكينونة ) الظاهر أن الضمير عائد إلى الأبوين والمحارم ( قوله وفي نسخة من البيتوتة إلخ ) وبه عبر في النهر ، وتعبير منلا مسكين يؤيد النسخة الأولى ، ومثله في الزيلعي والبحر ، ويؤيده ما مر من التعليل بأن الفتنة في المكث وطول الكلام ( قوله ويمنعها إلخ ) ولا تتطوع للصلاة والصوم بغير إذن الزوج بحر عن الظهيرية .

قلت : ينبغي تقييد الصلاة بصلاة التهجد في الليل ; لأن في ذلك منعا لحقه وتنقيصا لجمالها بالسهر والتعب وجمالها حقه أيضا كما مر ، أما غيره ولا سيما السنن الرواتب فلا وجه لمنعها منها كما لا يخفى ( قوله والوليمة ) ظاهره ولو كانت عند المحارم ، ; لأنها تشتمل على جمع فلا تخلو من الفساد عادة رحمتي ( قوله وكل عمل ولو تبرعا لأجنبي ) كذا ذكره في البحر بحثا حيث قال : وينبغي عدم تخصيص الغزل ، بل له أن يمنعها من الأعمال كلها المقتضية للكسب ; لأنها مستغنية عنه لوجوب كفايتها عليه وكذا من العمل تبرعا لأجنبي بالأولى . ا هـ وقوله بالأولى ينافي قول الشارح ولو تبرعا لاقتضاء لو الوصلية كون غير التبرع أولى وهو غير صحيح كذا قيل . وقد يجاب بأن ما كان غير تبرع بل بالأجرة قد يستدعي خروجها لمطالبة الأجنبي بالأجرة تأمل . قلت : ثم إن قولهم له منعها من الغزل يشمل غزلها لنفسها ، فإن كانت العلة فيه السهر والتعب المنقص لجمالها فله منعها عما يؤدي إلى ذلك لا ما دونه وإن كانت العلة استغناءها عن الكسب كما مر ، ففيه أنها قد تحتاج إلى ما لا يلزم الزوج شراؤه لها ، والذي ينبغي تحريره أن يكون له منعها عن كل عمل يؤدي إلى تنقيص حقه أو ضرره أو إلى خروجها من بيته أما العمل الذي لا ضرر له فيه فلا وجه لمنعها عنه خصوصا في حال غيبته من بيته ، فإن ترك المرأة بلا عمل في بيتها يؤدي إلى وساوس النفس والشيطان أو الاشتغال بما لا يعني مع الأجانب والجيران ( قوله ولو قابلة ومغسلة ) أي التي تغسل الموتى كما في الخانية ، ونقل في البحر عنها تقييد خروجها بإذن الزوج بعدما نقل عن النوازل أن لها [ ص: 604 ] الخروج بلا إذنه ، واقتصر عليه في الفتح ، وقوى في البحر الأول بما علل به الشارح ( قوله على فرض الكفاية ) بخلاف فرض العين كالحج فلها الخروج إليه مع محرم ( قوله ومن مجلس العلم ) معطوف على قوله من الغزل ، فإن لم تقع لها نازلة ، وأرادت الخروج لتعلم مسائل الوضوء والصلاة ، إن كان الزوج يحفظ ذلك ويعلمها له منعها ، وإلا فالأولى أن يأذن لها أحيانا بحر .

مطلب في منع النساء من الحمام ( قوله ومن الحمام إلخ ) المنع منه قول الفقيه ، وخالفه قاضي خان فقال : دخوله مشروع للنساء والرجال ، خلافا لما قاله بعض الناس ، لكن إنما يباح إذا لم يكن فيه إنسان مكشوف العورة . ا هـ وعلى ذلك فلا خلاف في منعهن للعلم بأن كثيرا منهن مكشوف العورة ، وقد وردت أحاديث تؤيد قول الفقيه وورد استثناء النفساء والمريضة ، وتمامه في الفتح ، وقال قبله : وحيث أبحنا لها الخروج فإنما يباح بشرط عدم الزينة وتغيير الهيئة إلى ما يكون داعية لنظر الرجال والاستمالة . قال الله تعالى - { ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى } - ا هـ وأشار الشارح بقوله وإن جاز إلى قول قاضي خان ، وإلى أنه لا ينافي منع الزوج لها من دخوله مع مشروعيته لها كما لا ينافي منعها من صوم النفل وإن كان مشروعا ، نعم ينافي منعها من دخوله ولو بإذن الزوج والظاهر أنه مراد الفقيه خلافا لما فهمه الشرنبلالي .




الخدمات العلمية