الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 89 ] ( قضى بالقطع ببينة أو إقرار فقال المسروق منه هذا متاعه لم يسرقه مني ) وإنما كنت أودعته ( أو قال شهد شهودي بزور أو أقر هو بباطل وما أشبه ذلك فلا قطع ) وندب تلقينه كي لا يقر بالسرقة ( كما ) لا قطع ( لو شهد كافران على كافر ومسلم بها في حقهما ) أي الكافر والمسلم ظهيرية : ( تشارك جمع وأصاب كلا قدر نصاب قطعوا وإن أخذ المال بعضهم ) استحسانا سدا لباب الفساد ، ولو فيهم صغير أو مجنون أو معتوه أو محرم لم يقطع أحد . ( وشرط للقطع حضور شاهديها وقته ) وقت القطع ( كحضور المدعي ) بنفسه ( حتى لو غابا أو ماتا لا قطع ) وهذا في كل حد سوى رجم وقود بحر . [ ص: 90 ] قلت : لكن نقل المصنف في الباب الآتي تصحيح خلافه فتنبه .

التالي السابق


( قوله لم يسرقه مني ) المناسب عطفه بأو ; لأنه مسألة ثانية . ففي كافي الحاكم : أو قال لم يسرقه مني وإنما كنت أودعته ( قوله فلا قطع ) أما لو قال عفوت عنه لم يبطل القطع كافي الحاكم : أي ; لأن القطع محض حقه تعالى فلا يملك إسقاطه ، بخلاف ما قبله ; لأنه ثبت في ضمن ثبوت حق العبد ، وقد بطل بإقراره فبطل ما في ضمنه تأمل ( قوله وندب تلقينه ) المناسب ذكره عند قوله إن أقر بها : أي ندب للإمام أن يلقنه كافي لما أخرجه أبو داود " { أنه صلى الله عليه وسلم أتي بلص قد اعترف ولم يوجد معه متاع ، فقال صلى الله عليه وسلم : ما إخالك سرقت ، قال بلى يا رسول الله فأعادها عليه الصلاة والسلام مرتين أو ثلاثا فأمر به فقطع } " وتمامه في الفتح ( قوله في حقهما ) متعلق بلا قطع ح : أي لا قطع في حق الكافر ولا في حق المسلم ، ولعل وجهه أنها سرقة واحدة فلما بطلت الشهادة في حق المسلم بطلت في حق الكافر . وأما الضمان فلا شك في انتفائه عن المسلم ، وهل يضمن الكافر حصته منها ؟ الظاهر نعم .

قلت : وفي كافي الحاكم : لو شهد رجلان على رجلين بسرقة وأحد السارقين غائب قطع الحاضر ، فإن جاء الغائب لم يقطع حتى تعاد عليه تلك البينة أو غيرها فيقطع ا هـ فلينظر الفرق بين المسألتين ، ولعل وجهه أن الكافر ليس أهلا للشهادة على المسلم ، بخلاف شهادة المسلم على الغائب فإن المانع من قبولها الغيبة لا عدم الأهلية ( قوله تشارك جمع ) أي في دخول الحرز بقرينة قوله وإن أخذ المال بعضهم : قال في الفتح : وإنما وضعها في دخول الكل ; لأنه لو دخل بعضهم لكنهم اشتركوا بعد ذلك في فعل السرقة لا يقطع إلا الداخل إن عرف بعينه ، وإن لم يعرف عزروا كلهم وأبد حبسهم إلى أن تظهر توبتهم ا هـ وقيد بقوله وأصاب كلا نصاب ; لأنه لو أصابه أقل لم يقطع ، بل يضمن ما أصابه من ذلك جوهرة ( قوله استحسانا ) والقياس أن يقطع الحامل وحده ، وهو قول زفر والأئمة الثلاثة فتح ( قوله أو محرم ) أي ذو رحم محرم من المسروق منه بحر ( قوله لم يقطع أحد ) أطلقه فشمل ما إذا تولى الأخذ الكبار العقلاء خلافا لأبي يوسف كما في الزيلعي ( قوله لا قطع ) هذا قول أبي حنيفة الأول ، وقوله الأخير يقطع كما يأتي قريبا ، وبه صرح في التتارخانية وغيرها ( قوله سوى رجم ) في بعض النسخ [ ص: 90 ] سوى جلد وهي الصواب ، وإن كان الأول هو الذي في الفتح والبحر والنهر نقلا عن كافي الحاكم ، فقد رده في الشرنبلالية بأنه مخالف لما قدموه في حد الزنا بالرجم من أنه إذا غاب الشهود أو ماتوا سقط الحد فيتجه استثناء الجلد فإنه يقام حال الغيبة والموت ، بخلاف الرجم لاشتراط بداءة الشهود به .

وعبارة كافي الحاكم في الحدود مصرحة بذلك ، وكذلك عبارته في السرقة ، ونصها : وإذا كان : أي المسروق منه حاضرا والشاهدان غائبان لم يقطع أيضا حتى يحضروا . وقال أبو حنيفة بعد ذلك يقطع وهو قول صاحبيه ، وكذلك الموت ، وكذلك هذا في كل حد وحق سوى الرجم ، ويمضي القصاص وإن لم يحضروا استحسانا ; لأنه من حقوق الناس ا هـ فهذا تصريح الحاكم في الحدود والسرقة بما قلنا فليتنبه له . ا هـ . قلت : والظاهر أن نسخة الكافي التي وقعت لصاحب الفتح سقط منها قوله وقال أبو حنيفة إلى قوله وكذلك الموت فوقع الخلل في اشتراط حضور الشاهدين وفي استثناء الرجم ; لأن الاستثناء وقع من القول الأخير الذي رجع إليه الإمام فكان العمل عليه ; لأن ما رجع عنه المجتهد بمنزلة المنسوخ ، ولذا صرح في شرح الوهبانية بتصحيح قوله الأخير ، فجزى الله تعالى الشرنبلالي خيرا على هذا التنبيه الحسن ( قوله تصحيح خلافه ) أي خلاف قوله لا قطع وهذا هو الصواب كما علمت




الخدمات العلمية