الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( فالإيجاب ) هو : ( ما يذكر أولا من كلام ) أحد ( المتعاقدين ) والقبول ما يذكر ثانيا من الآخر سواء كإن بعت أو اشتريت [ ص: 507 ] الدال على التراضي ) قيد به اقتداء بالآية وبيانا للبيع الشرعي ، ولذا لم يلزم بيع المكره وإن انعقد ، ولم ينعقد مع الهزل لعدم الرضا بحكمه معه .

التالي السابق


( قوله : فالإيجاب إلخ ) هذه الفاء الفصيحة وهي المفصحة عن شرط مقدر : أي إذا أردت معرفة الإيجاب والقبول المذكورين . وفي الفتح : الإيجاب الإثبات لغة لأي شيء كان ، والمراد هنا إثبات الفعل الخاص والدال على الرضا الواقع أولا سواء وقع من البائع أو من المشتري ، كأن يبتدئ المشتري فيقول اشتريت منك هذا بألف ، والقبول الفعل الثاني ، وإلا فكل منهما إيجاب : أي إثبات فسمى الثاني بالقبول تمييزا له عن الإثبات الأول ; ولأنه يقع قبولا ورضا بفعل الأول ا هـ . ( قوله : والقبول ) في بعض النسخ فالقبول بالفاء ، فهو تفريع على تعريف الإيجاب ; ولذا قال : المصنف لما ذكر أن الإيجاب ما ذكر أولا علم أن القبول هو ما ذكر ثانيا من كلام أحدهما أفاده ط . ( قوله : ما يذكر ثانيا من الآخر ) أي من العاقد الآخر والتعبير ب يذكر لا يشمل الفعل ، وعرفه في الفتح بأنه الفعل الثاني كما مر ، وقال : لأنه أعم من اللفظ ، فإن من الفروع ما لو قال : كل هذا الطعام بدرهم فأكله تم البيع وأكله حلال ، والركوب واللبس بعد قول البائع اركبها بمائة والبسه بكذا رضا بالبيع . [ ص: 507 ] مطلب القبول قد يكون بالفعل وليس من صور التعاطي وكذا إذا قال : بعتكه بألف فقبضه ولم يقل شيئا كان قبضه قبولا ، بخلاف بيع التعاطي ، فإنه ليس فيه إيجاب بل قبض بعد معرفة الثمن فقط ، ففي جعل الأخيرة من صور التعاطي كما فعل بعضهم نظر . ا هـ .

وذكر في الخانية أن القبض يقوم مقام القبول ، وعليه فتعريف القبول بالقول لكونه الأصل . ( قوله : الدال على التراضي ) الأولى أن يقول الرضا كما عبر به في الفتح والبحر ; لأن التراضي من الجانبين لا يدل عليه الإيجاب وحده بل هو مع القبول أفاده ح . ( قوله : قيد به اقتداء بالآية ) وهي قوله تعالى - { إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم } - . ( قوله : وبيانا للبيع الشرعي ) استظهر في الفتح أن التراضي لا بد منه في البيع اللغوي أيضا ، فإنه لا يفهم من باع زيد عبده لغة إلا أنه استبدله بالتراضي . ا هـ . ونقل مثله القهستاني عن الكفاية والكرماني وقال : وعليه يدل كلام الراغب خلافا لشيخ الإسلام . ( قوله : ولذا لم يلزم بيع المكره ) قدمنا أن بيع المكره فاسد موقوف على إجازة البائع ، وأن البيع المعرف يشمل سائر أنواع البيع الفاسد ، وأن قول الكنز : البيع مبادلة المال بالمال بالتراضي غير مرضي ; لأنه يخرج بيع المكره مع أنه داخل .

وأجيب عنه بما ذكره الشارح بأنه قيد به اقتداء بالآية : أي لا للاحتراز ، لكن قوله وبيانا للبيع الشرعي إن أراد به البيع المقابل للغوي يرد عليه ما علمته من اعتبار التراضي في البيع اللغوي ، وأنه لا يعتبر في البيع الشرعي ، إذ لو كان جزء مفهومه لزم أن يكون بيع المكره باطلا لا فاسدا ، بل التراضي شرط لثبوت حكمه شرعا ، وهو الملك كما قدمناه عن الفتح ، وإن أراد بالشرعي الخالي عن الفساد فالتقييد بالتراضي لا يخرج بقية البيوع الفاسدة ، بل التعريف شامل لها ، ثم لا يخفى أن هذا كله إنما يتأتى في عبارة الكنز حيث جعل فيها التراضي قيدا في التعريف . أما قول المصنف الدال على التراضي فلا لكونه ذكره صفة للإيجاب ، فهو بيان للواقع ، فإن الأصل فيه أن يكون دليلا على الرضا ولكن لا يلزم منه وجود الرضا حقيقة فلا يخرج به بيع المكره تأمل .

مطلب في حكم البيع مع الهزل . ( قوله : ولم ينعقد مع الهزل إلخ ) الهزل في اللغة : اللعب . وفي الاصطلاح : هو أن يراد بالشيء ما لم يوضع له ، ولا ما صح له اللفظ استعارة ، والهازل يتكلم بصيغة العقد مثلا باختياره ورضاه ، لكن لا يختار ثبوت الحكم ولا يرضاه . والاختيار : هو القصد إلى الشيء وإرادته . الرضا : هو إيثاره واستحسانه ، فالمكره على الشيء يختاره ولا يرضاه ، ومن هنا قالوا : إن المعاصي والقبائح بإرادة الله - تعالى - لا برضاه فإن الله لا يرضى لعباده الكفر كذا في التلويح . وشرطه : أي شرط تحقق الهزل واعتباره في التصرفات أن يكون صريحا باللسان مثل أن يقول إني أبيع هازلا ، ولا يكتفي بدلالة الحال إلا أنه لا يشترط ذكره في العقد ، فيكفي أن تكون المواضعة سابقة على العقد ، فإن تواضعا على الهزل بأصل البيع : أي توافقا على أنهما يتكلمان بلفظ البيع عند الناس ولا يريدانه واتفقا على البناء : أي على أنهما لم يرفعا الهزل ولم يرجعا عنه فالبيع منعقد لصدوره من أهله في محله ، لكن يفسد البيع لعدم الرضا بحكمه فصار كالبيع بشرط الخيار أبدا ، لكنه لا يملك بالقبض لعدم الرضا بالحكم ; حتى لو أعتقه المشتري لا ينفذ عتقه هكذا ذكروا . وينبغي أن يكون البيع باطلا لوجود حكمه ، وهو أنه لا يملك بالقبض .

وأما الفاسد [ ص: 508 ] فحكمه أن يملك بالقبض حيث كان مختارا راضيا بحكمه ، أما عند عدم الرضا به فلا . ا هـ . منار وشرحه لصاحب البحر فقول الشارح ولم ينعقد مع الهزل الذي هو من مدخول العلة غير صحيح لمنافاته ما تقدم من أنه منعقد لصدوره من أهله في محله ، لكنه يفسد البيع لعدم الرضا بالحكم إلا أن يحمل على نفي الانعقاد الصحيح أو يتمشى على البحث الذي ذكره بقوله وينبغي إلخ . ا هـ . قلت : قد صرح في الخانية والقنية بأنه بيع باطل وبه يتأيد ما بحثه في شرح المنار وكثيرا ما يطلقون الفاسد على الباطل كما ستعرفه في بابه ، لكن يرد على بطلانه أنهما لو أجازه جاز والباطل لا تلحقه الإجازة ، وأن الباطل ما ليس منعقدا أصلا ، والفاسد ما كان منعقدا بأصله لا بوصفه ، وهذا منعقد بأصله ; لأنه مبادلة مال بمال دون وصفه ; ولذلك أجاب بعض العلماء بحمل ما في الخانية على أن المراد بالبطلان الفساد كما في حاشية الحموي وتمامه فيها . قلت : وهذه أولى لموافقته لما في كتب الأصول من أنه فاسد . وأما عدم إفادته الملك بالقبض فلكونه أشبه البيع بالخيار لهما ، وليس كل فاسد يملك بالقبض ; ولذا قال : في الأشباه : إذا قبض المشتري المبيع فاسدا ملكه إلا في مسائل : الأولى لا يملكه في بيع الهازل كما في الأصول . الثانية : لو اشتراه الأب من ماله لابنه الصغير أو باعه له كذلك فاسدا لا يملكه بالقبض حتى يستعمله ، كذا في المحيط . الثالثة لو كان مقبوضا في يد المشتري أمانة لا يملكه به . ا هـ .

وذكر الشارح مسألة بيع الهزل قبيل الكفالة وذكرها المصنف متنا في الإكراه . .




الخدمات العلمية