الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1586 253 - حدثنا قتيبة قال: حدثنا إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن أبي حرملة، عن كريب مولى ابن عباس، عن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما- أنه قال: ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- من عرفات، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال، ثم جاء فصببت عليه الوضوء، توضأ وضوءا خفيفا. فقلت: الصلاة يا رسول الله؟ قال: الصلاة أمامك، فركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حتى أتى المزدلفة فصلى، ثم ردف الفضل رسول الله - صلى الله عليه وسلم- غداة جمع. قال كريب: فأخبرني عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما- عن الفضل أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: " فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم- الشعب الأيسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال" والإناخة والبول لا يكونان إلا بالنزول، وكان ذلك بين عرفة وجمع.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم سبعة؛ الأول: قتيبة بن سعيد. الثاني: إسماعيل بن جعفر أبو إبراهيم الأنصاري مولى زريق المؤدب، مات سنة ثمانين ومائة. الثالث: محمد بن أبي حرملة بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفتح الميم، ولا يعرف اسمه، وهو مولى آل حويطب، وكان خصيف يروي عنه فيقول: حدثني محمد بن حويطب فذكر ابن حبان أن خصيفا كان ينسبه إلى جده وإليه، وذكر في رجال الصحيحين محمد بن أبي حرملة القرشي.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 9 ] يكنى أبا عبد الله مولى عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب بن عبد العزى، قال الواقدي: مات في أول خلافة أبي جعفر. الرابع: كريب بضم الكاف. الخامس: أسامة بن زيد بن حارثة. السادس: عبد الله بن عباس. السابع: الفضل بن عباس رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين، والإخبار بصيغة الإفراد في موضع، وفيه العنعنة في أربعة مواضع، وفيه القول في موضع واحد، وفيه أن شيخه بغلاني بغلان بلخ، والبقية من الرواة كلهم مدنيون، وفيه رواية الصحابي عن الصحابي، وهما: عبد الله بن عباس والفضل بن عباس، وفيه رواية الأخ عن الأخ، وهما المذكوران، وفيه ثلاثة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الحج أيضا، عن يحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وقتيبة، وعلي بن حجر، أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن أبي حرملة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه): قوله: " ردفت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- " بكسر الدال؛ أي: ركبت وراءه. قوله: " أناخ" ؛ أي: راحلته. قوله: " الوضوء" بفتح الواو، هو الماء الذي يتوضأ به، قوله: " توضأ" ويروى " فتوضأ" بفاء العطف، قوله: " وضوءا خفيفا" إما بأنه توضأ مرة مرة، أو بأنه خفف استعمال الماء بالنسبة إلى غالب عادته، ويؤيد هذا الرواية الأخرى الآتية بعد باب: فلم يسبغ الوضوء. قوله: " فقلت: الصلاة" القائل هو أسامة، والصلاة منصوبة بفعل مقدر، ويجوز رفعها على تقدير: الصلاة حضرت. قوله: " الصلاة أمامك" بالوجهين كما ذكرنا في الحديث السابق، قوله: " حتى أتى المزدلفة فصلى" ؛ أي: لم يبدأ بشيء قبل الصلاة، وفي رواية مسلم من حديث إبراهيم بن عقبة: ثم سار حتى بلغ جمعا فصلى المغرب والعشاء. قوله: " غداة جمع" ؛ أي: غداة الليلة التي كانت به، أي: صبح يوم النحر. قوله: " حتى بلغ الجمرة" ؛ أي: جمرة العقبة، ويروى: حتى بلغ رمي الجمرة.

                                                                                                                                                                                  (ذكر ما يستفاد منه): فيه جواز الركوب حال الدفع من عرفة، وفيه جواز الارتداف على الدابة، لكن إذا كانت مطيقة، وفيه الاستعانة في الوضوء وللفقهاء فيه تفصيل؛ لأن الاستعانة إما أن تكون في إحضار الماء مثلا، أو في صبه على المتوضئ، أو مباشرة غسل أعضائه. فالأول جائز بلا خلاف، والثالث مكروه إلا إن كان لعذر، واختلف في الثاني، والأصح أنه لا يكره لكنه خلاف الأولى، وأما الذي وقع من النبي - صلى الله عليه وسلم- فكان إما لبيان الجواز، وهو حينئذ أفضل في حقه، أو كان للضرورة وفيه الجمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة، وسيأتي الكلام فيه عن قريب؛ لأنه عقد له بابا، وفيه التلبية إلى أن يأتي إلى موضع رمي الجمرة، وسيأتي بيانه؛ لأنه عقد بابا له.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية