الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1654 322 - حدثني عبد الله بن محمد قال: حدثنا أبو عامر قال: حدثنا قرة، عن محمد بن سيرين قال: أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبي بكرة، ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي بكرة رضي الله عنه قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر قال: أتدرون أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى، قال: أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: أليس ذو الحجة؟ قلنا: بلى، قال: أي بلد هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست بالبلدة الحرام؟ قلنا: بلى، قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 81 ]

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  [ ص: 81 ] مطابقته للترجمة ظاهرة

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله): وهم سبعة؛ الأول: عبد الله بن محمد بن عبد الله أبو جعفر الجعفي المعروف بالمسندي. الثاني: أبو عامر عبد الملك بن عمرو العقدي. الثالث: قرة، بضم القاف وتشديد الراء، ابن خالد أبو محمد السدوسي. الرابع: محمد بن سيرين وقد تكرر ذكره. الخامس: عبد الرحمن بن أبي بكرة، واسم أبي بكرة: نفيع بن الحارث بن كلدة. السادس: حميد بن عبد الرحمن، قال الكرماني: هو حميد بن عوف القرشي الزهري، وقال بعضهم: هو حميد بن عبد الرحمن الحميري، وإنما كان عند ابن سيرين أفضل من عبد الرحمن بن أبي بكرة لكون عبد الرحمن دخل في الولايات، وكان حميد زاهدا.

                                                                                                                                                                                  (قلت): كل واحد من حميد بن عبد الرحمن بن عوف وحميد بن عبد الرحمن الحميري سمع من أبي بكرة وسمع منه محمد بن سيرين، ولم يظهر لي أيهما المراد هاهنا. السابع: أبو بكرة، بفتح الباء الموحدة، وهو نفيع المذكور.

                                                                                                                                                                                  (ذكر لطائف إسناده): فيه: التحديث بصيغة الإفراد في موضع وبصيغة الجمع في موضعين، وفيه: الإخبار بصيغة الإفراد في موضع، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع، وفيه: القول في موضعين، وفيه: أن شيخه بخاري، وأن أبا عامر وقرة ومحمد بن سيرين وعبد الرحمن بن أبي بكرة بصريون، وحميد بن عبد الرحمن إن كان هو الحميري فهو بصري وإن كان ابن عوف فهو مدني، وفيه ثلاثة من التابعين؛ وهم: محمد بن سيرين، وعبد الرحمن بن أبي بكرة، وحميد بن عبد الرحمن.

                                                                                                                                                                                  وقد ذكرنا تعدده ومن أخرجه غيره في كتاب العلم في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "رب مبلغ أوعى من سامع.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) مما لم نذكره هناك: قوله: " ورجل" بالرفع لا غير عطفا على عبد الرحمن. قوله: " أفضل في نفسي من عبد الرحمن" يعني من ابن أبي بكرة. قوله: " حميد بن عبد الرحمن" ارتفاع حميد على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي هو حميد بن عبد الرحمن الحميري. قوله: " أليس يوم النحر" بنصب يوم على أنه خبر "ليس"؛ أي: ليس اليوم يوم النحر، ويجوز الرفع على أنه اسم "ليس" والتقدير: أليس يوم النحر هذا اليوم. قوله: " أليس ذو الحجة" بالرفع، اسم "ليس" وخبرها محذوف؛ أي ليس ذو الحجة هذا الشهر، ويجوز فيه فتح الحاء وكسرها، وقال صاحب التوضيح: فتح الحاء أشهر.

                                                                                                                                                                                  (قلت): نقله عن صاحب التلويح، وهو نقله عن القزاز، وفي المثلث لابن سيده جعلهما سواء، ولكن في ألسن العامة الكسرة أشهر.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أليست بالبلدة الحرام" الضمير في "أليست" يرجع إلى البلد في قوله: " أي بلد هذا؟" قال الجوهري: البلد والبلدة واحد البلاد والبلدان، وإنما وصف البلدة بالحرام والبلدة تؤنث؛ لأن لفظ الحرام اضمحل منه معنى الوصفية وصار اسما، قال الكرماني: وفي بعض الرواية لم يوجد لفظ الحرام، وقال التوربشتي: وجه تسميتها بالبلدة وهي تقع على سائر البلدان أنها البلدة الجامعة للخير المستحقة أن تسمى بهذا الاسم؛ لتفوقها سائر مسميات أجناسها، تفوق الكعبة في تسميتها بالبيت سائر مسميات أجناسها حتى كأنها هي المحل المستحق للإقامة بها، وقال ابن جني: من عادة العرب أن يوقعوا على الشيء الذي يختصونه بالمدح اسم الجنس، ألا تراهم كيف سموا الكعبة بالبيت وكتاب سيبويه بالكتاب، وقال الخطابي: يقال: إن البلدة خاص لمكة، أو اللام للعهد عن قوله تعالى: " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها ". قوله: " إلى يوم تلقون" بفتح يوم وكسره مع التنوين وعدمه، وترك التنوين مع الكسر هو الذي ثبت به الرواية.

                                                                                                                                                                                  قوله: " اللهم اشهد" لما كان التبليغ فرضا عليه أشهد الله تعالى أنه أدى ما أوجبه عليه. قوله: " فرب مبلغ" بفتح اللام المشددة؛ أي: رب شخص بلغه كلامي كان أحفظ له وأفهم لمعناه من الذي نقله. قوله: " أوعى" ؛ أي: أحفظ.

                                                                                                                                                                                  (فإن قلت): كلمة "رب" أصلها للتقليل، وقد تستعمل للتكثير، فأيهما المراد هنا؟

                                                                                                                                                                                  (قلت): الظاهر أن المراد معنى التقليل، تدل عليه الرواية التي تقدمت في كتاب العلم: عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه.

                                                                                                                                                                                  ومن فوائد هذا الحديث: وجوب تبليغ العلم على الكفاية وقد يتعين في حق بعض الناس، وفيه: تأكيد التحريم وتغليظه بأبلغ ممكن من تكرار ونحوه، وفيه: مشروعية ضرب المثل وإلحاق النظير بالنظير ليكون أوضح للسامع.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية