الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1715 386 - (حدثنا أحمد بن محمد قال: أخبرنا عبد الله قال: أخبرنا يونس عن الزهري قال: أخبرني سالم قال: كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا).

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: (إن حبس أحدكم عن الحج)، والحبس عن الحج هو الإحصار فيه، وأحمد بن محمد بن موسى أبو العباس، يقال له: مردويه السمسار المروزي، وهو من أفراد البخاري، وعبد الله هو ابن المبارك المروزي، ويونس هو ابن يزيد، والزهري محمد بن مسلم، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه النسائي عن أحمد عن عمرو [ ص: 146 ] ابن السرح، والحارث بن مسكين، كلاهما عن ابن وهب. قوله: (أليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ أي: أليس يكفيكم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ لأن معنى الحسب الكفاية، ومنه: حسبنا الله؛ أي: كافينا، و"حسبكم" مرفوع لأنه اسم "ليس"، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام إضافي منصوب على أنه خبر "ليس"، وقال عياض: ضبطنا "سنة" بالنصب على الاختصاص أو على إضمار فعل؛ أي: تمسكوا، وشبهه. وقال السهيلي: من نصب "سنة" فهو بإضمار الأمر، كأنه قال: الزموا سنة نبيكم، وقال بعضهم: خبر "حسبكم" في قوله: (طاف بالبيت). قلت: ليس كذلك، بل خبر "ليس" على وجه نصب "سنة" على قول عياض والسهيلي.

                                                                                                                                                                                  قوله: (طاف بالبيت)، وهو أيضا سد مسد جواب الشرط. وقال الكرماني: فإن قلت: إذا كان محصرا فكيف يطوف بالبيت؟ قلت: المراد من قوله: (إن حبس) الحبس عن الوقوف بعرفة، قلت: لا حاجة إلى هذا التقدير؛ لأن معنى (طاف بالبيت) أي: إذا أمكنه ذلك، ويدل عليه ما رواه عبد الرزاق: " إن حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل إليه طاف به".

                                                                                                                                                                                  قوله: (وبالصفا والمروة)؛ أي: طاف بهما، أي سعى بين الصفا والمروة؛ قوله: (فيهدي)؛ أي: يذبح شاة، إذ التحلل لا يحصل إلا بنية التحلل والذبح والحلق، وإن لم يجد الهدي يصوم بدله بعدد أمداد الطعام الذي يحصل من قيمته.

                                                                                                                                                                                  قلت: هكذا ذكره الكرماني، وهو مذهب الشافعي ومن تابعه، فإن عنده حكم المكي والغريب سواء في الإحصار، فيطوف ويسعى ويحل، ولا عمرة عليه على ظاهر حديث ابن عمر، وأوجبها مالك على المحصر المكي، وعلى من أنشأ من مكة، وعند أبي حنيفة لا يكون محصرا من بلغ مكة؛ لأن المحصر عنده من منع الوصول إلى مكة وحيل بينه وبين الطواف والسعي، فيفعل ما فعل الشارع من الإحلال من موضعه، وأما من بلغها فحكمه عنده كمن فاته الحج يحل بعمرة وعليه الحج من قابل، ولا هدي عليه؛ لأن الهدي لجبر ما أدخله على نفسه، ومن حبس عن الحج فلم يدخل على نفسه نقصا، وقال الزهري: إذا أحصر المكي فلا بد له من الوقوف بعرفة وإن تعسر بعشي، وفي حديث ابن عمر رد عليه؛ لأن المحصر لو وقف بعرفة لم يكن محصرا، ألا يرى قول ابن عمر: " طاف بالبيت وبين الصفا والمروة"، ولم يذكر الوقوف بعرفة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية