الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1762 432 - حدثنا مسدد قال: حدثنا عبد الواحد قال: حدثنا حبيب بن أبي عمرة قال: حدثتنا عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قلت: يا رسول الله، ألا نغزو ـ أو نجاهد ـ معكم؟ فقال: لكن أحسن الجهاد وأجمله، الحج حج مبرور، فقالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة، وقد تقدم عن عائشة مثله في أوائل الحج في باب فضل الحج المبرور، أخرجه عن عبد الرحمن بن المبارك، عن خالد، عن حبيب بن أبي عمرة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها، وهنا أخرجه عن مسدد، عن عبد الواحد بن زياد العبدي البصري.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ألا نغزو" ؛ "ألا" كلمة تستعمل في مثل هذا الموضع للعرض والتحضيض، ويجوز أن تكون للتمني؛ لأنه من جملة مواضعها التي تستعمل فيها. قوله: " أو نجاهد" ؛ شك من الراوي، قيل: هو مسدد شيخ البخاري، وقد رواه أبو كامل، عن أبي عوانة شيخ مسدد بلفظ: " ألا نغزو معكم؟" أخرجه الإسماعيلي، وقاله الكرماني. (فإن قلت): الغزو والجهاد هما لفظان بمعنى واحد، فما الفائدة فيه؟

                                                                                                                                                                                  (قلت): ليسا بمعنى واحد [ ص: 221 ] فإن الغزو: القصد إلى القتال، والجهاد: هو بذل المقدور في القتال، وذكر الثاني تأكيدا للأول، وقال بعضهم: وأغرب الكرماني، ثم نقل كلامه، ثم قال: وكأنه ظن أن الألف تتعلق بـ"نغزو" بالواو، أو جعل "أو" بمعنى الواو. انتهى.

                                                                                                                                                                                  (قلت): لم يظن الكرماني ذلك، وإنما اعتمد في كلامه على نسخة ليس فيها كلمة الشك، وفرق بين الغزو والجهاد، وهو فرق حسن، وأخرج النسائي هذا الحديث من طريق جرير، عن حبيب بلفظ: " ألا نخرج فنجاهد معك"، وأخرج ابن خزيمة من طريق زائدة، عن حبيب مثله، وزاد: " فإنا نجد الجهاد أفضل العمل"، وأخرجه الإسماعيلي من طريق أبي بكر بن عياش، عن حبيب بلفظ: " لو جاهدنا معك، قال: لا، جهادكن حج مبرور"، ولفظ البخاري من طريق خالد الطحان، عن حبيب: " نرى الجهاد أفضل العمل". قوله: " لكن" بتشديد النون جماعة المؤنث، وهو خبر لـ"أحسن"، والحج بدل منه، و"حج" بدل البدل، ويجوز أن يكون ارتفاع "حج" على أنه خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هو حج مبرور، وقال التيمي: لكن، بتخفيف النون وسكونها، وأحسن مبتدأ، و"الحج" خبره، وفي رواية جرير: " حج البيت حج مبرور"، وسيأتي في الجهاد من وجه آخر، عن عائشة بنت طلحة بلفظ: " استأذنته نساؤه في الجهاد، فقال: يكفيكن الحج".

                                                                                                                                                                                  وروى ابن ماجه من طريق محمد بن فضيل، عن حبيب " قلت: يا رسول الله، على النساء جهاد؟ قال: نعم، جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة"، وقد ذكرنا فيما مضى أنهم اختلفوا في المراد بالحج المبرور، فقيل: هو الذي لا يخالطه شيء من مأثم، وقيل: هو المتقبل، وقيل: هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة، ولا رفث ولا فسوق، وقيل: الذي لم تتعقبه معصية. قوله: " فلا أدع" ؛ أي: فلا أترك.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية