الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2104 وسبي عمار وصهيب وبلال

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن أم عمار كانت من موالي بني مخزوم ، وكانوا يعاملون عمارا معاملة السبي ، فهذا هو الوجه هنا ; لأن عمارا ما سبي على ما نذكره ، وأما صهيب وبلال فباعهما المشركون على ما نذكره ، فدخلا في قوله في الترجمة شراء المملوك من الحربي ، وقال صاحب التوضيح : قوله : وسبي عمار وصهيب وبلال يعني أنه كان في الجاهلية يسبي بعضهم بعضا ، ويملكون بذلك ، انتهى .

                                                                                                                                                                                  قلت : هذا الكلام الذي لا يقرب قط من المقصود أخذه من صاحب التلويح ، وكون أهل الجاهلية سابين بعضهم بعضا لا يستلزم كون عمار ممن سبي ولا بلال ، وإنما كانا يعذبان في الله تعالى ، حتى خلصهما الله تعالى ببركة إسلامهما ، نعم سبي صهيب وبيع على يد المشركين ، وروي عن ابن سعد أنه قال : أخبرنا أبو عامر العقدي ، وأبو حذيفة موسى بن مسعود قالا : حدثنا زهير بن محمد ، عن عبد الله بن محمد بن عقيل ، عن حمزة بن صهيب ، عن أبيه قال : إني رجل من العرب من النمر بن قاسط ، ولكني سبيت ، سبتني الروم غلاما صغيرا بعد أن عقلت أهلي وقومي وعرفت نسبي ، وعن ابن سعد كان أباه من النمر بن قاسط ، وكان عاملا لكسرى ، فسبت الروم صهيبا لما غزت أهل فارس فابتاعه منهم عبد الله بن جدعان ، وقيل : هرب من الروم إلى مكة فحالف ابن جدعان ، فهذا يناسب الترجمة ; لأنه دخل في قوله : شراء المملوك من الحربي .

                                                                                                                                                                                  وأما بلال ، فإن ابن إسحاق ذكر في ( المغازي ) حدثني هشام بن عروة ، عن أبيه قال : مر أبو بكر - رضي الله تعالى عنه - بأمية بن خلف وهو يعذب بلالا ، فقال : ألا تتقي الله في هذا المسكين ، فقال : أنقذه أنت بما ترى ، فأعطاه أبو بكر غلاما أجلد منه وأخذ بلالا فأعتقه ، وقيل : غير ذلك ، فحاصل الكلام أنه أيضا يناسب الترجمة ; لأنه دخل في قوله : شراء المملوك من الحربي ، أما الشراء فإن أبا بكر قايض مولاه ، والمقايضة نوع من البيوع ، وأما كونه اشترى من الحربي ; لأن مكة في ذلك الوقت كانت دار الحرب وأهلها من أهل الحرب ، وأما عمار فإنه كان عربيا عنسيا بالنون والسين المهملة ما وقع عليه سباء ، وإنما سكن أبوه ياسر مكة وحالف بني مخزوم ، فزوجوه سمية بضم السين ، وهي من مواليهم ، أسلم عمار بمكة قديما وأبوه وأمه ، وكانوا ممن يعذب في الله - عز وجل - ، فمر بهم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وهم يعذبون ، فقال : "صبرا آل ياسر ، فإن موعدكم الجنة" ، وقيل : أبو جهل سمية طعنها بحربة في قبلها ، فكانت أول شهيد في الإسلام ، وقال مسدد : لم يكن أحد أبواه مسلمان غير عمار بن ياسر ، وليس له وجه في دخوله في الترجمة إلا بتعسف كما ذكرناه ، وقال الكرماني : قوله : سبي ، أي : أسر ولم يذكر شيئا غيره ; لأنه لم يجد شيئا يذكره ، على أن السبي هل يجيء بمعنى الأسر ؟ فيه كلام .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية