الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2258 [ ص: 228 ] 4 - حدثنا أحمد بن يونس ، حدثنا أبو شهاب ، عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أبصر يعني أحدا ، قال : ما أحب أنه تحول لي ذهبا يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث إلا دينارا أرصده لدين ، ثم قال : إن الأكثرين هم الأقلون إلا من قال بالمال هكذا وهكذا ، وأشار أبو شهاب بين يديه وعن يمينه وعن شماله وقليل ما هم ، وقال : مكانك ، وتقدم غير بعيد ، فسمعت صوتا فأردت أن آتيه ، ثم ذكرت قوله مكانك حتى آتيك ، فلما جاء ، قلت : يا رسول الله الذي سمعت أو قال الصوت الذي سمعت ، قال : وهل سمعت ؟ قلت : نعم ، قال : أتاني جبريل عليه السلام ، فقال : من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ، قلت : وإن فعل كذا وكذا ؟ قال : نعم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة من حيث إن فيه ما يدل على الاهتمام بأداء الدين ، وهو قوله " إلا دينارا أرصده لدين " ، وفيه ما يدل على شدة أمر الدين والمديون إذا نوى أداءه يرزقه الله تعالى ما يؤديه منه .

                                                                                                                                                                                  ذكر رجاله وهم خمسة : الأول : أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس بن عبد الله أبو عبد الله التميمي اليربوعي ، الثاني : أبو شهاب واسمه عبد ربه الحناط بالحاء المهملة والنون المشهور بالأصغر ، الثالث : سليمان الأعمش ، الرابع : زيد بن وهب أبو سليمان الهمداني الجهني ، الخامس : أبو ذر واسمه جندب بن جنادة في الأشهر .

                                                                                                                                                                                  ذكر لطائف إسناده فيه : التحديث بصيغة الجمع في موضعين ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه القول في موضع ، وفيه أن شيخه مذكور باسم جده وأنه والأعمش وزيد بن وهب كوفيون وأن أبا شهاب مدائني ، وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي ، وفيه راو مذكور بكنيته وآخر بلقبه .

                                                                                                                                                                                  ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره أخرجه البخاري أيضا في الاستئذان عن عمر بن حفص وفي الرقاق عن حسن بن الربيع ، وفيه عن قتيبة ، وفي بدء الخلق عن محمد بن بشار ، وأخرجه مسلم في الزكاة عن قتيبة به وعن يحيى بن يحيى ومحمد بن عبد الله وأبي بكر وأبي كريب ، وأخرجه الترمذي في الإيمان عن محمود بن غيلان ، وأخرجه النسائي في اليوم والليلة عن عبدة بن عبد الرحيم وعن بشر بن خالد وعن يعقوب بن إبراهيم ، وعن الحسين بن منصور وعن عمران بن بطال وعن أبي قدامة عن معاذ بن هشام .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) قوله " أنه " أي أن أحدا ، قوله " تحول " بفتح التاء المثناة من فوق على وزن تفعل في رواية أبي ذر هكذا ، وفي رواية غيره بضم التاء آخر الحروف على صيغة المجهول من باب التفعيل ، ومعنى " تحول " صار فيستدعي اسما مرفوعا وخبرا منصوبا فالاسم هو الضمير في " تحول " الذي يرجع إلى أحدا ، والخبر هو قوله " ذهبا " ، قوله " يمكث " فعل وفاعله هو قوله " دينار " أي دينار واحد ، وهو جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله " ذهبا " ، قوله " منه " أي من الذهب ، قوله " فوق ثلاث " أي فوق ثلاث ليال وهي ظرف والعامل فيه يمكث ، قوله " إلا دينارا " مستثنى مما قبله ، قوله " أرصده " جملة في محل النصب لأنها صفة لقوله دينارا ، و" أرصده " بضم الهمزة من الإرصاد ، يقال : أرصدته أي هيأته وأعددته .

                                                                                                                                                                                  وحكى ابن التين أنه روى " أرصده " بفتح الهمزة من قولك رصدته أي رقبته ، وقال ابن قرقول : قوله " إلا دينارا أرصده " أي أعده بضم الهمزة وفتحها ثلاثي ورباعي ، يقال : أرصدته ورصدته أرصده بالخير والشر أعددته له ، وقيل : رصدته ترقبته وأرصدته أعددته ، قال الله تعالى : وإرصادا لمن حارب الله وقال تعالى : شهابا رصدا ومنه من يرصد لي عير قريش والرصد الطلب ، قوله " إن الأكثرين هم الأقلون " أي إن الأكثرين مالا هم الأقلون ثوابا ، قوله " إلا من قال بالمال هكذا وهكذا " معناه إلا من صرف المال على الناس يمينا وشمالا وأماما ، و" قال " هنا ليس من القول بمعنى الكلام بل معناه صرف أو فرق أو أعطى ونحو [ ص: 229 ] ذلك لأن العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام واللسان ، فتقول : قال بيده أي أخذه ، وقال برجله أي مشى ، وقال الشاعر :


                                                                                                                                                                                  وقالت له العينان سمعا وطاعة

                                                                                                                                                                                  أي أومأت ، وقال بالماء على يده أي قلب ، وقال بثوبه أي رفعه ، وكل ذلك على المجاز والاتساع كما روي في حديث السهو ، قال : ما يقول ذو اليدين ؟ قالوا : صدق ، روي أنهم أومأوا برؤوسهم أي نعم ولم يتكلموا ، ويقال : قال بمعنى أقبل وبمعنى مال واستراح وضرب وغلب وغير ذلك ، قوله " وأشار أبو شهاب " هو عبد ربه الراوي المذكور في سند الحديث ، قوله " وقليل ما هم " جملة اسمية لأن قوله " هم " مبتدأ ، وقوله " قليل " مقدما خبره ، وكلمة " ما " زائدة أو صفة ، قوله " مكانك " بالنصب أي الزم مكانك ، قوله " الذي سمعت " خبر مبتدأ محذوف تقديره ما هو الذي سمعت ، قوله " أو قال " شك من الراوي أي ما هو الصوت الذي سمعت ، قوله " هل سمعت ؟ " استفهام على سبيل الاستخبار ، قوله " وإن فعل كذا وكذا " أي وإن زنى وسرق ونحوهما ، والرواية التي في الرقاق تفسر هذا وهي قوله وإن زنى وسرق ، ووقع في رواية المستملي : ومن فعل كذا وكذا عوض ، وإن الشرطية .

                                                                                                                                                                                  ومما يستفاد من الحديث الاهتمام بأمر الدين وتهيئته لأدائه وصرف المال إلى وجوه القربات عند القدرة عليه والخوف من استغراق الدين لأن المديون إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف ، والاحتراز من المطل عند القدرة لأنه في معنى الخيانة في الأمانة ، وقد جاء في خيانة الأمانة من الوعيد ما رواه إسماعيل بن إسحاق من حديث زاذان عن عبد الله بن مسعود ، قال : إن القتل في سبيل الله يكفر كل ذنب إلا الدين والأمانة ، قال : وأعظم ذلك الأمانة تكون عند الرجل فيخونها ، فيقال له يوم القيامة : أد أمانتك ، فيقول : من أين وقد ذهبت الدنيا ؟ فيقال : نحن نريكها ، فيمثل له في قعر جهنم ، فيقال له : انزل فأخرجها ، فينزل فيحملها على عنقه حتى إذا كاد زلت فهوت وهوى في إثرها أبدا ، وفيه ما يدل على فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية