الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
19579 [ ص: 58 ] 8585 - (20083) - (5\7 - 8) عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، وقال بهز في حديثه: ويدمى، ويسمى فيه، ويحلق "، قال يزيد: " رأسه".

"كل غلام": أريد به: مطلق المولود، ذكرا كان أو أنثى.

التالي السابق


* قوله : "رهينة": أي: مرهون محبوس.

قال الخطابي: تكلم الناس في هذا، وأجود ما قيل فيه: ما ذهب إليه أحمد بن حنبل، قال: هذا في الشفاعة، يريد: أنه إذا لم يعق عنه، فمات طفلا ، لم يشفع عن والديه.

وقال في "النهاية": المعنى: أن العقيقة لازمة له، لابد منها، فشبه المولود في لزومها له وعدم انفكاكه منها بالرهن في يد المرتهن.

وقال التوربشتي: أي: إنه كالشيء المرهون، لا يتم الانتفاع به دون فكه، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر، ووظيفة الشكر في هذه النعمة ما سنه نبي الله صلى الله عليه وسلم، وهو أن يعق عن المولود؛ شكرا لله تعالى، وطلبا لسلامة المولود، ويحتمل أنه أراد بذلك: أن سلامة المولود ونشوءه على النعت المحمود رهينة بالعقيقة، وقال: وما ذكره أحمد، فلا يفهم من لفظ الحديث، إلا أن يكون التقدير: شفاعة الغلام لأبويه مرهونة بعقيقته، وذاك بعيد، ورده الطيبي أن ما ذكره بقوله: لا يتم الانتفاع به دون فكه يقتضي عمومه في الأمور الأخروية والدنيوية، ونظر الأولياء مقصور على الأول، وأولى الانتفاع بالأولاد [ ص: 59 ] في الآخرة شفاعة الوالدين؛ أي: فحمله أحمد على ذلك، وقال: ما ذكره أحمد مروي عن قتادة - أيضا - .

وقال ابن القيم: اختلف في معنى الارتهان، فقال طائفة: هو محبوس عن الشفاعة لوالديه، قاله عطاء، وتبعه أحمد، وفيه نظر لا يخفى؛ إذ لا يقال لمن لا يشفع لغيره: إنه مرتهن، ولا في اللفظ ما يدل على ذلك، والأولى أن يقال: إن العقيقة سبب لفك رهانه من الشيطان الذي تعلق به من حين خروجه من الدنيا، وطعنه في خاصرته، ومراده بذلك أن يجعله في قبضته، وتحت أسره، ومن جملة أوليائه، فشرع للوالدين العقيقة فداء وتخليصا له من حبس الشيطان له، ومنعه من السعي في مصالح آخرته، فإن ذبح فذاك، وإلا بقي مرتهنا ، ولذا أمر بإراقة الدم عنه؛ فإنه يخلصه عن الارتهان، ولو كان الارتهان متعلقا بالأبوين، لقال: فأريقوا عنكم الدم؛ لتخلص إليكم شفاعته.

* "ويدمى": - بلفظ المجهول - من التدمية؛ أي: يلطخ رأسه بالدم، وقيل به، والجمهور على المنع منه، وقالوا: إنه من عمل الجاهلية، وهو منسوخ، والصحيح في الرواية: "لا يدمى" وذلك لأنه أمرهم بإزالة ما خف من الأذى، وهو الشعر، عن رأس الصبي، فكيف يأمرهم بتدمية رأسه، والدم نجس؟! وقيل: المراد به: أن يختن ، والله تعالى أعلم.

* * *




الخدمات العلمية