الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
19873 8715 - (20386) - (5\37) عن أبي بكرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجته، فقال: " ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، [ ص: 144 ] والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان "، ثم قال: " ألا أي يوم هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: " أليس يوم النحر؟ " قلنا: بلى، ثم قال: " أي شهر هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: " أليس ذا الحجة؟ " قلنا: بلى، ثم قال: " أي بلد هذا؟ " قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: " أليست البلدة؟ " قلنا: بلى، قال: " فإن دماءكم وأموالكم، قال: وأحسبه قال: وأعراضكم، عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا لا ترجعن بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت؟ ألا ليبلغ الشاهد الغائب منكم، فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من يسمعه "، قال محمد: " وقد كان ذاك "، قال: " كان بعض من بلغه أوعى له من بعض من سمعه ".

التالي السابق


* قوله : "قد استدار": أي: صار.

* "كهيئته": أي: على هيئته وحسابه القديم، وكان العرب يقدمون شهرا ويؤخرون آخر، ويسمون ذلك، فبين صلى الله عليه وسلم أن ذلك الوضع وضع جاهلي باطل، والمعتبر في المناسك وغيرها هو الوضع الإلهي السابق، وإضافة رجب إلى مضر؛ لأنهم كانوا يحافظون عليه أشد المحافظة، ثم بين ذلك توضيحا وتأكيدا، فقال: "الذي بين جمادى. . . إلخ" - بضم الجيم - .

* "ألا أي يوم": قاله تذكيرا للحرمة.

* "البلدة": أي: المعروفة.

* "إن دماءكم وأموالكم": قيل: تقديره: سفك دمائكم وأخذ أموالكم؛ إذ الذوات لا توصف بتحريم ولا تحليل، فيقدر في كل ما يناسبه.

[ ص: 145 ]

قلت: يمكن أن يقدر واحد عام، فيحمل بالنظر إلى كل على ما يليق به؛ كتناول دمائكم وتعرضها، ثم ليس الكلام من مقابلة الجمع للجمع لإفادة التوزيع حتى يصير المعنى: أن دم كل أحد وماله حرام عليه، بل الأول لإفادة العموم؛ أي: دم كل أحد حرام عليه وعلى غيره، والثاني لإفادة أن مال كل أحد حرام على غيره، ويمكن أن يقال: المعنى فيهما: أن دم كل أحد وماله حرام على غيره، وأما حرمة الدم على نفسه فليست مقصودة في هذا الحديث، وإنما هي معلومة من خارج، وذلك لأن تعرض المرء دم نفسه ممنوع طبعا ، فلا حاجة إلى ذكره إلا نادرا .

* "وأعراضكم": جمع عرض، وهو الوجاهة بين الناس.

"كحرمة يومكم": تأكيد للتحريم وتوضيح له بناء على زعمهم.

* "لا ترجعون": نفي بمعنى النهي؛ أي: لا تصيروا.

* "يضرب": - بالرفع - على الاستئناف، أو على أنه بيان "ضلالا " أو - بالجزم - .

* * *




الخدمات العلمية