الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        5044 - حدثنا إبراهيم بن أبي داود ، قال : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : حدثني عقيل ، عن [ ص: 194 ] ابن شهاب ، أنه قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، أن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق قال - حين قتل عمر - : مررت على أبي لؤلؤة ، ومعه هرمزان .

                                                        فلما بغتهم ثاروا ، فسقط من بينهم خنجر له رأسان ممسكه في وسطه .

                                                        قال : قلت : فانظروا لعله الخنجر الذي قتل به عمر ، فنظروا فإذا هو الخنجر الذي وصف عبد الرحمن .

                                                        فانطلق عبيد الله بن عمر حين سمع ذلك من عبد الرحمن ومعه السيف حتى دعا الهرمزان ، فلما خرج إليه قال : انطلق ، حتى تنظر إلى فرس لي ، ثم تأخر عنه ، إذا مضى بين يديه علاه بالسيف ، فلما وجد مس السيف قال : ( لا إله إلا الله ) . قال عبيد الله : ودعوت حفينة وكان نصرانيا من نصارى الحيرة ، فلما خرج إلي علوته بالسيف ، فصلت بين عينيه ، ثم انطلق عبيد الله ، فقتل ابنة أبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام .

                                                        فلما استخلف عثمان دعا المهاجرين والأنصار ، فقال : أشيروا علي في قتل هذا الرجل الذي فتق في الدين ما فتق .

                                                        فاجتمع المهاجرون فيه على كلمة واحدة يأمرونه بالشدة عليه ، ويحثون عثمان على قتله ، وكان فوج الناس الأعظم مع عبيد الله يقولون لحفينة والهرمزان : أبعدهما الله ، فكان في ذلك الاختلاف .

                                                        ثم قال عمرو بن العاص : يا أمير المؤمنين ، إن هذا الأمر قد أعفاك الله من أن تكون بعدما قد بويعت ، وإنما كان ذلك قبل أن يكون لك على الناس سلطان ، فأعرض عن عبيد الله .

                                                        وتفرق الناس عن خطبة عمرو بن العاص ، وودى الرجلين والجارية
                                                        .

                                                        ففي هذا الحديث أن عبيد الله رضي الله عنه قتل حفينة وهو مشرك ، وضرب الهرمزان وهو كافر ، ثم كان إسلامه بعد ذلك .

                                                        فأشار المهاجرون رضوان الله عليهم على عثمان رضي الله عنه بقتل عبيد الله وعلي فيهم .

                                                        فمحال أن يكون قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا يقتل مؤمن بكافر ، يراد به غير الحربي ثم يشير المهاجرون وفيهم علي على عثمان بقتل عبيد الله بكافر ذي عهد ، ولكن معناه هو على ما ذكرنا من إرادته الكافر الذي لا ذمة له .

                                                        فإن قال قائل : ففي هذا الحديث أن عبيد الله رضي الله عنه قتل بنتا لأبي لؤلؤة صغيرة تدعي الإسلام ، فيجوز أن يكون إنما استحلوا سفك دم عبيد الله بها لا بحفينة والهرمزان .

                                                        [ ص: 195 ] قيل له : في هذا الحديث ما يدل على أنه أراد قتله بحفينة والهرمزان ، وهو قولهم : " أبعدهما الله " .

                                                        فمحال أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد أن يقتله بغيرهما ، ويقول الناس له : ( أبعدهما الله ) ، ثم لا يقول لهم : ( إني لم أرد قتله بهذين ، إنما أردت قتله بالجارية ) ، ولكنه أراد قتله بهما وبالجارية .

                                                        ألا تراه يقول : ( فكثر في ذلك الاختلاف ) .

                                                        فدل ذلك أن عثمان رضي الله عنه إنما أراد قتله بمن قتل ، وفيهم الهرمزان وحفينة .

                                                        فقد ثبت بما ذكرنا ما صح عليه معنى هذا الحديث أن معنى حديثه على الأول على ما وصفنا ، فانتفى أن يكون فيه حجة تدفع أن يقتل المسلم بالذمي .

                                                        وقد وافق ذلك أيضا رشده ما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان منقطعا .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية