الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء

741 . فإن يكن في شيخه قد وافقه مع علو فهو الموافقه      742 . أو شيخ شيخه كذاك فالبدل
وإن يكن ساواه عدا قد حصل      743 . فهو المساواة وحيث راجحه
الأصل بالواحد فالمصافحه

التالي السابق


هذا إشارة إلى بيان الموافقة ، وما ذكر معها . فالموافقة : أن يروي الراوي حديثا في أحد الكتب الستة بإسناد لنفسه ، من غير طريقها ، بحيث يجتمع مع أحد الستة في شيخه مع علو هذا الطريق الذي رواه منه على ما لو رواه من طريق أحد الكتب الستة . مثاله : حديث رواه البخاري عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، عن حميد ، عن أنس مرفوعا : [ ص: 64 ] "كتاب الله القصاص" فإذا رويناه من جزء الأنصاري يقع موافقة للبخاري في شيخه مع علو درجة .

وأما البدل : فهو أن يوافقه في شيخ شيخه مع العلو أيضا . وإلى ذلك أشرت بقولي : (كذاك) . مثاله : حديث ابن مسعود الذي رواه الترمذي ، وتقدم في شرح الأبيات التي قبل هذه فهذا يطلقون عليه : البدل ، وقد يسمونه موافقة مقيدة ، فيقال : هو موافقة في شيخ شيخ الترمذي مثلا . ويؤخذ ذلك من قولي : (أو شيخ شيخه) أي : وإن يكن قد وافقه في شيخ شيخه فسماه موافقة في شيخ الشيخ ، وأما تقييد الموافقة والبدل بصورة العلو فكذا ذكره ابن الصلاح ، أنه لا يطلق عليه ذلك إلا مع العلو ، فإنه قال : ولو لم يكن ذلك عاليا فهو أيضا موافقة وبدل ، لكن لا يطلق عليه اسم الموافقة والبدل ، لعدم الالتفات إليه . قلت : وفي كلام غيره من المخرجين إطلاق اسم الموافقة والبدل ; مع عدم العلو ، فإن علا قالوا : موافقة عالية ، أو بدلا عاليا ، كذا رأيته في كلام الشيخ جمال الدين الظاهري ، وغيره ، ورأيت في كلام الظاهري ، والذهبي : فوافقناه بنزول . فسمياه مع النزول موافقة ، ولكن مقيدة بالنزول ، كما قيدها غيرهما بالعلو .

وأما المساواة : فهو أن يكون بين الراوي وبين الصحابي ، أو من قبل الصحابي إلى شيخ أحد الستة كما بين أحد الأئمة الستة وبين ذلك الصحابي أو من قبله على ما ذكر . أو يكون بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كما بين أحد الأئمة الستة وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - من العدد . وهذا كله كان يوجد قديما ، وأما اليوم فلا توجد المساواة إلا بأن يكون عد ما بين الراوي الآن ، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ، كعد ما بين أحد الأئمة الستة ، وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومثال المساواة لشيوخنا ، حديث النهي عن نكاح المتعة ، أخبرنا به محمد بن إسماعيل بن عبد العزيز ، قال : أخبرنا عبد العزيز بن عبد المنعم الحراني ، قال : أنبأنا أسعد بن سعيد بن روح ، وعفيفة بنت [ ص: 65 ] أحمد الفارفانية ، واللفظ لها ، قالا : أخبرتنا فاطمة بنت عبد الله الجوزدانية ، قالت : أخبرنا أبو بكر بن ريذة ، قال : أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني ، قال : حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج ، قال : حدثنا يحيى بن بكير ، قال : حدثني الليث ح قال الطبراني : وحدثنا يوسف القاضي ، قال : حدثنا أبو الوليد الطيالسي ، قال : حدثنا ليث بن سعد ، قال : حدثني الربيع بن سبرة الجهني ، عن أبيه - سبرة - أنه قال : أذن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة ، . . . الحديث ، وفيه : ثم إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : من كان عنده شيء من هذه [ ص: 66 ] النساء اللاتي يتمتع بهن فليخل سبيلها ، واللفظ لحديث يحيى بن بكير .

هذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي ، عن قتيبة ، عن الليث . فوقع بدلا لهما عاليا . وورد حديث النهي عن نكاح المتعة من حديث جماعة من الصحابة منهم : علي بن أبي طالب وهو متفق عليه من حديثه من طريق مالك . وقد رواه النسائي في جمعه لحديث مالك عن زكريا بن يحيى خياط السنة ، عن إبراهيم بن عبد الله الهروي ، عن سعيد بن محبوب ، عن عبثر بن القاسم ، عن سفيان الثوري ، عن مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبد الله ، والحسن ابني محمد بن علي ، عن أبيهما ، عن علي . فباعتبار هذا العدد كأن شيخنا ساوى فيه النسائي ، وكأني لقيت النسائي وصافحته به ، ولله الحمد .

وأما المصافحة : فهو أن يعلو طريق أحد الكتب الستة عن المساواة بدرجة ، فيكون الراوي كأنه سمع الحديث من البخاري ، أو مسلم مثلا . وهو المراد بقولي :(وحيث راجحه الأصل) أي : وحيث رجح أحد من الأئمة الستة براو واحد على الراوي الذي وقع له ذلك الحديث ، سموه مصافحة ، بمعنى : أن الراوي كأنه لقي أحد الأئمة الستة ، وصافحه بذلك الحديث . ومثلت بالكتب الستة ; لأن الغالب على [ ص: 67 ] المخرجين استعمال ذلك بالنسبة إليهم فقط . وقد استعمله الظاهري وغيره بالنسبة إلى مسند أحمد ، ولا مشاحة في ذلك . وقد وقع لنا غير ما حديث مصافحة ، فمن ذلك : الحديث المتقدم مثالا للمساواة ، فإنه مساواة لشيوخنا ، مصافحة لنا ، كما تقدم ، والله أعلم .




الخدمات العلمية