الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 69 ]

746 . ثم علو قدم السماع وضده النزول كالأنواع      747 . وحيث ذم فهو ما لم يجبر
والصحة العلو عند النظر

التالي السابق


هذا القسم الخامس من أقسام العلو ، وهو تقدم السماع من الشيخ ، فمن تقدم سماعه من شيخ كان أعلى ممن سمع من ذلك الشيخ نفسه بعده . روينا عن محمد بن طاهر ، قال : من العلو تقدم السماع . ولكن جعل ابن طاهر ، وتبعه ابن دقيق العيد ، هذا القسم ، والذي قبله ، قسما واحدا ، وقال ابن الصلاح : "إن كثيرا من هذا يدخل في النوع المذكور قبله ، وفيه ما لا يدخل مثل أن يسمع شخصان من شيخ واحد ، وسماع أحدهما من ستين سنة مثلا ، وسماع الآخر من أربعين سنة" ، قلت : وأهل الحديث مجمعون على أفضلية المتقدم في حق من اختلط شيخه ، أو خرف لهرم ، أو مرض ، وهو واضح . أما من لم يحصل له ذلك فربما كان السماع المتأخر أرجح ، بأن يكون تحديثه الأول قبل أن يبلغ درجة الإتقان ، والضبط ، ثم كان الشيخ متصفا بذلك في حالة سماع الراوي المتأخر السماع ، فلهذا مزية ، وفضل على السماع المتقدم ، وهو أرفع وأعلى ، لكنه علو معنوي على ما سيأتي .

فهذه أقسام العلو ولما جمع ابن طاهر ، وابن دقيق العيد ، بين قسمي تقدم السماع ، وتقدم الوفاة ، وجعلاهما قسما واحدا ، زادا بدل الساقط : العلو إلى صاحبي الصحيحين ومصنفي الكتب المشهورة . وجعل ابن طاهر هذا قسمين : أحدهما : العلو إلى البخاري ومسلم ، وأبي داود وأبي حاتم ، وأبي زرعة . والآخر : العلو إلى كتب مصنفة لأقوام ، كابن أبي الدنيا ، والخطابي ، وأشباههما ، قال : ابن طاهر : واعلم أن كل حديث عز على المحدث ، ولم يجده عاليا ولا بد له من إيراده في تصنيف ، أو احتجاج به ; فمن أي وجه أورده ، فهو عال لعزته ، ثم مثل ذلك بأن البخاري روى عن أماثل أصحاب مالك ، ثم روى حديثا لأبي إسحاق الفزاري عن مالك ، لمعنى فيه فكان فيه بينه وبين مالك ثلاثة رجال ، والله أعلم [ ص: 70 ] .

وأما أقسام النزول ، فهي خمسة أيضا . فإن كل قسم من أقسام العلو ضده قسم من أقسام النزول ، كما قال ابن الصلاح . وقال الحاكم في علوم الحديث : "لعل قائلا يقول : النزول ضد العلو ، فمن عرف العلو ، فقد عرف ضده . قال الحاكم : وليس كذلك ، فإن للنزول مراتب لا يعرفها إلا أهل الصنعة" ، قال ابن الصلاح : "هذا ليس نفيا لكون النزول ضد العلو على الوجه الذي ذكرته ، بل نفيا لكونه يعرف بمعرفة العلو . قال : وذلك يليق بما ذكره هو في معرفة العلو ، فإنه قصر في بيانه وتفصيله ، وليس كذلك ما ذكرناه فإنه مفصل تفصيلا مبينا مفهما لمراتب النزول" . ثم إن النزول حيث ذمه من ذمه ، كقول علي بن المديني ، وأبي عمرو المستملي ، فيما رويناه عنهما : النزول شؤم . وكقول ابن معين فيما رويناه عنه : الإسناد النازل قرحة في الوجه ، فهو محمول على ما إذا لم يكن مع النزول ما يجبره ، كزيادة الثقة في رجاله على العالي ، أو كونهم أحفظ ، أو أفقه ، أو كونه متصلا بالسماع وفي العالي حضور ، أو إجازة ، أو مناولة ، أو تساهل بعض رواته في الحمل ، ونحو ذلك ; فإن العدول حينئذ إلى النزول ليس بمذموم ، ولا مفضول . وقد روينا عن وكيع قال : الأعمش أحب إليكم عن أبي وائل عن عبد الله ؟ أو سفيان ، عن منصور عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله ؟ فقلنا : الأعمش عن أبي وائل أقرب . فقال : [ ص: 71 ] الأعمش شيخ ، وأبو وائل شيخ ، وسفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، عن علقمة فقيه ، عن فقيه ، عن فقيه ، عن فقيه . وروينا عن ابن المبارك قال : ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال .

وروينا عن السلفي قال : الأصل الأخذ عن العلماء فنزولهم أولى من العلو عن الجهلة على مذهب المحققين من النقلة ، والنازل حينئذ هو العالي في المعنى عند النظر والتحقيق ، كما روينا عن نظام الملك قال : عندي أن الحديث العالي : ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن بلغت رواته مائة . وكما روينا عن السلفي من نظمه :


ليس حسن الحديث قرب رجال عند أرباب علمه النقاد بل علو الحديث بين أولي الحـ
ـفظ والإتقان صحة الإسناد وإذا ما تجمعا في حديث
فاغتنمه فذاك أقصى المراد



قال ابن الصلاح : "هذا ليس من قبيل العلو المتعارف إطلاقه بين أهل الحديث ، وإنما هو علو من حيث المعنى فحسب" .




الخدمات العلمية