الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
[ ص: 235 ] 17 - قوله: (ص): في حد الصحيح : (أن لا يكون شاذا ولا معللا):

اعترض عليه، بأنه كان ينبغي أن يزيد فيه قيد القدح بأن يقول: ولا معللا بقادح.

وقد ذكره بعد هذا القول في قوله: وفي هذه الأوصاف احتراز عن ما فيه علة قادحة فكان يتعين أن يذكره في نفس الحد؛ لأن من مسمى العلل ما لا يقدح كما سيأتي.

ومن هنا اعترض الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد عليه بأن قال: وفي قوله: ولا شاذا ولا معللا نظر على مقتضى مذاهب الفقهاء؛ فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء . انتهى.

فقوله: إن كثيرا يدل على أن من العلل ما يجري على أصول الفقهاء، وهي العلل القادحة.

وأما العلل التي يعلل بها كثير من المحدثين ولا تكون قادحة فكثيرة.

1 - منها: أن يروي العدل الضابط عن تابعي مثلا عن صحابي حديثا فيرويه عدل ضابط غيره مساو له في عدالته وضبطه وغير ذلك من الصفات العلية عن ذلك التابعي بعينه عن صحابي آخر، فإن مثل هذا يسمى علة عندهم لوجود الاختلاف على ذلك التابعي في شيخه [ ص: 236 ] 2 - ولكنها غير قادحة لجواز أن يكون التابعي سمعه من صحابيين معا من هذا جملة كثيرة .

والجواب عن المصنف: أنه لم يخل باحتراز ذلك، بل قوله: (ولا يكون معللا) إنما يظهر من تعريف المعلل (وقد عرف) فيما بعد أنه الحديث الذي اطلع في إسناده الذي ظاهره السلامة على علة خفية قادحة...

فلما اشترط انتفاء المعلل دل على أنه اشترط انتفاء ما فيه من علة خفية قادحة.

فلهذا قال: وفيه احتراز عما فيه علة قادحة.

ويحتمل أنه إنما لم يقيد العلة بالقدح في نفس الحد ليكون الحد جامعا للحديث الصحيح المتفق على قبوله عند الجميع؛ لأن بعض المحدثين يرد الحديث بكل علة سواء كانت قادحة أو غير قادحة ، ومع ذلك فاختياره أن لا يرد إلا بقادح، بدليل قوله: بعد كلامه (وفيه احتراز عما فيه علة قادحة) فوصفه للعلة بالقادح يخرج غير القادح.

هكذا أجاب به شيخنا في شرح منظومته، والأول أوضح. والله أعلم.

تنبيهات:

الأول: مراده بالشاذ هنا ما يخالف الراوي فيه من هو أحفظ منه أو أكثر كما فسره الشافعي . لا مطلق تفرد الثقة كما فسره به الخليلي [ ص: 237 ] فافهم ذلك.

وللمخالفة شرط يأتي في نوع زيادة الثقة.

الثاني: سنبينه في الكلام على الحسن على موضع يتبين منه أن هذا التعريف للصحيح غير مستوف لأقسامه عند من خرج الصحيح حتى ولا الشيخين.

وذلك عند قوله: إن الحسن إذا تعددت طرقه ارتقى إلى الصحة - والله الموفق - .

الثالث: إنما لم يشترط نفي النكارة؛ لأن المنكر على قسميه عند من يخرج الشاذ هو أشد ضعفا من الشاذ. فنسبة الشاذ من المنكر نسبة الحسن من الصحيح فكما يلزم من انتفاء الحسن عن الإسناد انتفاء الصحة، كذا يلزم من انتفاء الشذوذ عنه انتفاء النكارة. ولم يتفطن الشيخ تاج الدين التبريزي لهذا وزاد في حد الصحيح ، أن لا يكون شاذا ولا منكرا [ ص: 238 ]

الرابع: زاد الحاكم في علوم الحديث في شرط الصحيح أن يكون راويه مشهورا بالطلب، وهذه الشهرة قدر زائد على مطلق الشهرة التي تخرجه من الجهالة. واستدل الحاكم على مشروطية الشهرة بالطلب بما أسنده عن عبد الله بن عون قال: لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له عندنا بالطلب. والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك.

إلا أنهما حيث يحصل للحديث طرق كثيرة يستغنون بذلك عن اعتبار ذلك - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية