الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ويرد ) ما رواه ( متساهل في روايته ) سماعا أو إسماعا كالنوم وقت السماع ، وقبول التلقين ، أو يحدث لا من أصل مصحح ونحوه . وقد [ ص: 279 ] نص عليه المحدثون ، وهو قادح في قياس قول أصحابنا وغيرهم : يحرم التساهل في الفتيا واستفتاء معروف به . وقبول الحديث ممن هو على هذه الصفة أولى بالتحريم .

وقد جزم به في المحصول وغيره ( و ) ما رواه ( مجهول عين ) على الصحيح وقطع به جمع ، منهم التاج السبكي وحكى البرماوي وغيره فيه خمسة أقوال . أحدها : لا يقبل مطلقا . وعليه الأكثر من المحدثين وغيرهم . والثاني : يقبل مطلقا . وهو رأي من لم يشترط في الراوي غير الإسلام . والثالث : إن كان المنفرد بالرواية عنه لا يروي إلا عن عدل ، كابن مهدي ويحيى بن سعيد ، واكتفينا بالتعديل بواحد قبل وإلا فلا . والرابع : إن كان مشهورا في غير العلم بالزهد والقوة في الدين ، قبل وإلا فلا ، وهو لابن عبد البر . والخامس : إن زكاه أحد من أئمة الجرح والتعديل مع رواية واحد عنه ، قبل وإلا فلا . وهو لأبي الحسين بن القطان ( أو عدالة ) عطف على قوله " مجهول عين " يعني أنه لا تقبل رواية مجهول العدالة عند الأكثر منهم الإمام أحمد رضي الله عنه وأصحابه والمالكية والشافعية . وعند أحمد رواية ثانية : تقبل وفاقا لأبي حنيفة رضي الله عنه وأكثر أصحابه ، وابن فورك وسليم الرازي والمحب الطبري . ومن أصحابنا : الطوفي . كقبوله عقب إسلامه ، وإطلاق القبول عن أبي حنيفة وأصحابه نقله كثير من العلماء . وقال ابن مفلح في أصوله : وقالت الحنفية : إن رده جميعهم لم يقبل . وإن اختلفوا فيه قبل ، وإن لم يرد ولم يقبل جاز قبوله لظاهر عدالة المسلم ولم يجب . وجوز الحنفية القضاء بظاهر العدالة .

أما اليوم فتعتبر التزكية لغلبة الفسق . انتهى . ونقل البرماوي عن صاحب البديع وغيره من الحنفية : أن أبا حنيفة إنما قبل ذلك في صدر الإسلام حيث الغالب على الناس العدالة .

فأما اليوم فلا بد من التزكية لغلبة الفسق . انتهى . وقال أبو المعالي : يوقف ويجب الكف في التحريم إلى الظهور احتياطا . فلو كنا على اعتقاد في حل شيء فروى لنا مستور تحريمه ، فالذي أراه : وجوب الانكفاف عما كنا نستحله إلى تمام البحث عن حال الراوي . قال : وليس ذلك حكما بالحظر للترتيب على الرواية ، وإنما هو [ ص: 280 ] توقف في الأمر . والتوقف في الإباحة يتضمن الإحجام ، وهو معنى الحظر . فهو إذا حظر مأخوذ من قاعدة ممهدة . وهي التوقف عند عدم بدو ظواهر الأمور إلى استبانتها . فإذا ثبتت العدالة فالحكم بالرواية إذ ذاك . انتهى ( أو ضبط ) معطوف على " عدالة " يعني أنه ترد رواية مجهول الضبط كما ترد رواية مجهول العدالة ; لأن غير الضابط لا يؤمن من أن يدلس عليه . فاشترط ثبوت ضبطه ( لا رقيق ) يعني أنه لا ترد رواية الرقيق من أجل رقه لظاهر الأدلة . فإنها تشمله ( و ) لا ( أنثى ) لقبولهم خبر عائشة وأسماء وأم سلمة وأم سليم وغيرهن ، ولا فرق بين كون الأنثى حرة أو رقيقة ( و ) كذا لا ترد رواية ( قريب ) لكونه قريبا للراوي عنه ( و ) لا رواية ( ضرير ) لكونه ضريرا ( و ) لا ( عدو ) لكونه عدوا للراوي عنه ; لأن حكم الرواية عام للمخبر والمخبر ولا يختص بشخص فلا تهمة في ذلك ، بخلاف الشهادة ( و ) لا ترد أيضا رواية ( قليل سماع الحديث ) بل متى سمع ، ولو حديثا واحدا ، صحت روايته له ( و ) لا ترد أيضا رواية ( جاهل بمعناه ) أي معنى الحديث الذي يرويه ، ولا جاهل ب ( فقه وعربية ) عند الجمهور ، واعتبر الإمام مالك رضي الله عنه معرفة الفقه . ونقل عن أبي حنيفة مثله ، ونقل عنه أيضا : إنما تعتبر معرفته إن خالف ما رواه القياس . واحتجا بأن غير الفقيه مظنة سوء الفهم ووضع النصوص على غير المراد منها ، فالاحتياط للأحكام أن لا يروى عنه . واستدل للجمهور بحديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه . ورب حامل فقه وليس بفقيه } إسناده جيد . رواه أبو داود والنسائي والترمذي ، وحسنه . ورواه الشافعي وأحمد بإسناد جيد . وقوله صلى الله عليه وسلم { نضر الله } رواه الأصمعي : بتشديد الضاد المعجمة . وأبو عبيد بتخفيفها ، أي نعمه الله . وكانت الصحابة تقبل رواية الأعرابي لحديث واحد . وعلى ذلك عمل المحدثين . وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه { فرب مبلغ أوعى من [ ص: 281 ] سامع } رواه ابن ماجه والترمذي وصححه . والجواب عما قالوا : أنا إنما نقبل روايته إذا روى باللفظ والمعنى المطابق وكان يعرف مقتضيات الألفاظ . والعدالة تمنعه من تحريف لا يجوز ( و ) لا ترد رواية ( عديم نسب ) كولد الزنا والمنفي باللعان ( و ) لا رواية ( مجهوله ) أي مجهول النسب ; لأن هؤلاء كلهم داخلون في عموم الأدلة .

فصحت روايتهم كغيرهم حيث لا مانع .

التالي السابق


الخدمات العلمية