الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
[ المبايعة يوميا والقبض عند رأس الشهر ]

المثال الثامن والستون : اختلفت الفقهاء في جواز البيع بما ينقطع به السعر من غير تقدير الثمن وقت العقد ، وصورتها : البيع ممن يعامله من خباز أو لحام أو سمان أو غيرهم ، يأخذ منه كل يوم شيئا معلوما ثم يحاسبه عند رأس الشهر أو السنة على الجميع ، ويعطيه ثمنه ; فمنعه الأكثرون ، وجعلوا القبض به غير ناقل للملك ، وهو قبض فاسد يجري مجرى المقبوض بالغصب ; لأنه مقبوض بعقد فاسد .

هذا وكلهم إلا من شدد على نفسه يفعل ذلك ، ولا يجد منه بدا ، وهو يفتي ببطلانه ، وأنه باق على ملك البائع ، ولا يمكنه التخلص من ذلك إلا بمساومته له عند كل حاجة يأخذها قل ثمنها أو كثر ، وإن كان ممن شرط الإيجاب والقبول لفظا ; فلا بد مع المساومة أن يقرن بها الإيجاب والقبول لفظا .

والقول الثاني - : وهو الصواب المقطوع به ، وهو عمل الناس في كل عصر ومصر - جواز البيع بما ينقطع به السعر ، وهو منصوص الإمام أحمد ، واختاره شيخنا ، وسمعته يقول : هو أطيب لقلب المشتري من المساومة ، يقول : لي أسوة بالناس آخذ بما يأخذ به غيري ، قال : والذين يمنعون من ذلك لا يمكنهم تركه ، بل هم واقعون فيه ، وليس في كتاب الله ، ولا سنة رسوله ، ولا إجماع الأمة ، ولا قول صاحب ، ولا قياس صحيح ما يحرمه ، وقد أجمعت الأمة على صحة النكاح بمهر المثل ، وأكثرهم يجوزون عقد الإجارة بأجرة المثل كالنكاح والغسال ، والخباز والملاح ، وقيم الحمام والمكاري ، والبيع بثمن المثل كبيع ماء الحمام ; فغاية البيع بالسعر أن يكون بيعه بثمن المثل ; فيجوز ، كما تجوز المعاوضة بثمن المثل في هذه الصورة وغيرها ; فهذا هو القياس الصحيح ، ولا تقوم مصالح الناس إلا به .

[ ص: 6 ] فإن بليت بالقائل هكذا في الكتاب ، وهكذا قالوا ; فالحيلة في الجواز أن يأخذ ذلك قرضا في ذمته ; فيجب عليه للدافع مثله ، ثم يعاوضه عليه بثمن معلوم ; فإنه بيع للدين من الغريم وهو جائز .

ولكن في هذه الحيلة آفة ، وهو أنه قد يرتفع السعر فيطالبه بالمثل فيتضرر الآخذ ، وقد ينخفض فيعطيه المثل فيتضرر الأول ; فالطريق الشرعية التي لم يحرمها الله ورسوله أولى بهما ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية