الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما حضانة البنت إذا صارت مميزة فوجدنا عنه روايتين منصوصتين، وقد نقلهما غير واحد من أصحابه، كأبي عبد الله ابن تيمية وغيره:

إحداهما: أن الأب أحق بها، كما هو موجود في الكتب المعروفة في مذهبه.

والثانية: أن الأم أحق بها.

قال في رواية إسحاق بن منصور: يقضى بالجارية للأم والخالة، حتى إذا احتاجت إلى التزويج فالأب أحق بها.

وقال في رواية مهنا بن يحيى: الأم والجدة أحق بالجارية حتى يتزوج الأب.

قال أبو عبد الله في "ترغيب القاصد": وإن كانت جارية فالأب أحق بها بغير تخيير، وعنه: الأم أحق بها حتى تحيض. [ ص: 403 ]

وهذه الرواية الثانية هي نحو مذهب مالك وأبي حنيفة في ذلك. ففي "المدونة" : مذهب مالك أن الأم أحق بالولد ما لم يبلغ، سواء كان ذكرا أو أنثى. فإذا بلغ وهو أنثى نظرت، فإن كانت الأم في حرز ومنعة وتحصين فهي أحق بها أبدا ما لم تنكح وإن بلغت أربعين سنة؛ وإن لم تكن في موضع حرز وتحصين أو كانت غير مرضية في نفسها، فللأب أخذها منها.

وكذلك الأولياء والوصي كالأب في ذلك إذا أخذ إلى أمانة وتحصين.

ومذهب الليث بن سعد نحو ذلك، قال: الأم أحق بالجارية حتى تبلغ، فإن كانت الأم غير مرضية في نفسها وأدبها لولدها أخذت منها إذا بلغت، إلا أن تكون صغيرة لا يخاف عليها.

وأما أبو حنيفة فقال: الأم والجدة أحق بالجارية حتى تحيض، ومن سوى الأم والجدة أحق بها حتى تبلغ حدا تشتهي. هذا هو المشهور، ولفظ الطحاوي : "حتى تستغني" كما في الغلام مطلقا.

ولهذا قيل فيها كما قيل في الغلام: حتى تأكل وحدها وتلبس وحدها وتتوضأ وحدها، ثم تكون مع الأب.

وأبو حنيفة أيضا يجعل الأب أحق بها بعد التمييز، كما يقول مثل ذلك في الابن، لكن يستثني الأم والجدة خاصة.

وأما المشهور عن أحمد -وهو تخيير الغلام بين أبويه- فهو مذهب الشافعي وإسحاق بن راهويه. وموافقته للشافعي وإسحاق أكثر من موافقته لغيرهما، وأصوله بأصولهما أشبه منها بأصول غيرهما. وكان يثني عليهما ويعظمهما ويرجح أصول مذاهبهما على من ليست أصول [ ص: 404 ] مذاهبه كأصول مذاهبهما. وعندهم أصول فقهاء الحديث أصح من أصول غيرهم، والشافعي وإسحاق هما عنده من أجل فقهاء الحديث.

وجمع بينهما بمسجد الخيف فتناظرا في مسألة رباع مكة، والقصة مشهورة . وذكر أحمد أن الشافعي علا إسحاق بالحجة في موضع، وأن إسحاق علاه بالحجة في موضع؛ فإن الشافعي كان يبيح البيع والإجارة، وإسحاق يمنع منهما، وكانت الحجة مع الشافعي في جواز بيعها، ومع إسحاق في المنع من إجارتها.

التالي السابق


الخدمات العلمية