الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      1584 حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا زكريا بن إسحق المكي عن يحيى بن عبد الله بن صيفي عن أبي معبد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث معاذا إلى اليمن فقال إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب

                                                                      التالي السابق


                                                                      ( بعث معاذا ) : بضم الميم أي أرسل وكان بعثه سنة عشر قبل حج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما ذكره البخاري في أواخر المغازي وفيه أقوال أخرى ذكرها الواقدي وابن سعد ، واتفقوا على أنه لم يزل باليمن إلى أن قدم في عهد أبي بكر ثم توجه إلى الشام فمات بها ( أهل الكتاب ) : اليهود والنصارى . قال الطيبي : قيد قوله قوما أهل الكتاب ومنهم أهل الذمة وغيرهم من المشركين تفضيلا لهم أو تغليبا على غيرهم ( فادعهم ) : إنما وقعت البداية بالشهادتين لأنهما أصل الدين الذي لا يصح شيء غيرهما إلا بهما . فمن كان منهم غير موحد فالمطالبة متوجهة إليه بكل واحدة من الشهادتين على التعيين ، ومن كان موحدا فالمطالبة بالجمع بين الإقرار بالوحدانية والإقرار بالرسالة ، وإن كان ما يقتضي الإشراك ، أو يستلزمه فيكون مطالبتهم بالتوحيد لنفي ما يلزم من عقائدهم ( فإن هم أطاعوك لذلك ) : استدل به على أن الكفار غير مخاطبين بالفروع حيث دعوا أولا إلى الإيمان فقط ثم دعوا إلى العمل ورتب عليه بالفاء وفيه بحث ذكره الحافظ في الفتح ( صدقة ) : أي زكاة لأموالهم ( تؤخذ من أغنيائهم ) : استدل به على أن الإمام هو الذي يتولى قبض الزكاة وصرفها إما بنفسه وإما بنائبه ، فمن امتنع منهم أخذت منه قهرا ( في فقرائهم ) : أي المسلمين . واستدل به على أنه يكفي إخراج الزكاة في صنف واحد .

                                                                      قال الخطابي : وقد يستدل به من لا يرى للمديون زكاة إذا لم يفضل من الدين الذي عليه قدر نصاب لأنه ليس بغني إذا خرج ماله مستحقا لغرمائه . وفيه دليل على أن تدفع إلى جيرانها وأن لا تنقل من بلد إلى بلد آخر انتهى .

                                                                      وجوز البخاري والحنفية نقل الزكاة ومعهم أدلة صحيحة والله أعلم ( وكرائم أموالهم ) : منصوب بفعل مضمر لا يجوز [ ص: 345 ] إظهاره . والكرائم جمع كريمة أي نفيسة . وفيه دليل على أنه لا يجوز للمصدق أخذ خيار المال لأن الزكاة لمواساة الفقراء ، فلا يناسب ذلك الإجحاف بالمالك إلا برضاه .

                                                                      قال الطيبي : فيه دليل على أن تلف المال يسقط الزكاة ما لم يقصر في الأداء وقت الإمكان أي بعد الوجوب ( واتق دعوة المظلوم ) : فيه تنبيه على المنع من جميع أنواع الظلم والنكتة في ذكره عقب المنع من أخذ كرائم الأموال الإشارة إلى أن أخذها ظلم ( حجاب ) : أي ليس لها صارف يصرفها ولا مانع . والمراد مقبولة وإن كان عاصيا كما جاء في حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا : دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه . وإسناده حسن . وقد احتج به أنها تجب في مال المجنون والطفل الغني لعموم قوله من أغنيائهم قاله عياض ، وفيه بحث . وفيه دليل على بعث السعاة وتوصية الإمام عامله فيما يحتاج إليه من الأحكام وقبول خبر الواحد ووجوب العمل به .

                                                                      وقد استشكل عدم ذكر الصوم والحج في الحديث مع أن بعث معاذ كان في آخر الأمر كما تقدم ، وأجاب ابن الصلاح بأن ذلك تقصير من بعض الرواة ، وتعقب بأنه يفضي إلى ارتفاع الوثوق بكثير من الأحاديث النبوية لاحتمال الزيادة والنقصان ، وأجاب الكرماني بأن اهتمام الشارع بالصلاة والزكاة أكثر ؛ ولهذا كرر في القرآن ، فمن ثم لم يذكر الصوم والحج في هذا الحديث مع أنهما من أركان الإسلام ، كذا في فتح الباري ملخصا محررا .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه .




                                                                      الخدمات العلمية