الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                      صفحة جزء
                                                                      باب متى يقصر المسافر

                                                                      1201 حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة فقال أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ شك شعبة يصلي ركعتين

                                                                      التالي السابق


                                                                      وفي صحيح البخاري باب في كم يقصر الصلاة .

                                                                      ( إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال ) : اختلف في تقدير الميل فقال في الفتح الميل [ ص: 51 ] هو من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه وبذلك جزم الجوهري ، وقيل أن ينظر إلى الشخص في أرض مستوية فلا يدري أرجل هو أم امرأة أم ذاهب أو آت . قال النووي : الميل ستة آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة . قال الحافظ : وهذا الذي قال هو الأشهر . ومنهم من عبر عن ذلك باثني عشر ألف قدم بقدم الإنسان ، وقيل هو أربعة آلاف ذراع وقيل ثلاثة آلاف ذراع . نقله صاحب البيان ، وقيل خمسمائة وصححه ابن عبد البر ، وقيل ألفا ذراع . ومنهم من عبر عن ذلك بألف خطوة للجمل . قال ثم إن الذارع الذي ذكره النووي تحريره قد حرر غيره بذراع الحديد المشهور في مصر والحجاز في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن ، فعلى هذا ؛ فالميل بذراع الحديد في القول المشهور خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعا ( أو ثلاثة فراسخ ) : الفرسخ في الأصل السكون ذكره ابن سيده ، وقيل السعة ، وقيل الشيء الطويل ، وذكر الفراء أن الفرسخ فارسي معرب وهو ثلاثة أميال .

                                                                      واعلم أنه قد وقع الخلاف الطويل بين علماء الإسلام في مقدار المسافة التي يقصر فيها الصلاة . قال في الفتح فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحوا من عشرين قولا أقل ما قيل في ذلك يوم وليلة وأكثره ما دام غائبا عن بلده ، وقيل أقل ما قيل في ذلك الميل كما رواه ابن شيبة بإسناد صحيح عن ابن عمر وإلى ذلك ذهب ابن حزم الظاهري واحتج له بإطلاق السفر في كتاب الله تعالى كقوله وإذا ضربتم في الأرض الآية . وفي سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال فلم يخص الله ولا رسوله ولا المسلمون بأجمعهم سفرا من سفر ، ثم احتج على ترك القصر فيما دون الميل بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد خرج إلى البقيع لدفن الموتى وخرج إلى الفضاء للغائط والناس معه فلم يقصر ولا أفطر . وقد أخذ بظاهر حديث أنس المذكور في الباب الظاهرية كما قال النووي فذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال . قال في الفتح وهو أصح حديث ورد في ذلك وأصرحه . وقد حمله من خالفه على أن المراد المسافة التي يبتدأ منها القصر لا غاية السفر . قال ولا يخفى بعد هذا الحمل مع أن البيهقي ذكر في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد راويه عن أنس قال سألت أنسا عن قصر الصلاة وكنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة فأصلي ركعتين ركعتين حتى أرجع فقال أنس فذكر الحديث . قال فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن الموضع الذي يبتدئ القصر منه . وذهب الشافعي ومالك وأصحابهما والليث والأوزاعي وفقهاء أصحاب [ ص: 52 ] الحديث وغيرهم إلى أنه لا يجوز إلا في مسيرة مرحلتين وهما ثمانية وأربعون ميلا هاشمية كما قال النووي . وقال أبو حنيفة والكوفيون لا يقصر في أقل من ثلاث مراحل .

                                                                      وقد أورد البخاري ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة يعني قوله في صحيحه وسمى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ السفر يوما وليلة بعد قوله باب في كم يقصر الصلاة . وقال الخطابي إن ثبت هذا الحديث كانت الثلاثة فراسخ حدا فيما تقصر فيه الصلاة إلا أني لا أعرف أحدا من الفقهاء يقول به .

                                                                      وقد روي عن أنس أنه كان يقصر الصلاة فيما بينه وبين خمسة فراسخ . وعن ابن عمر أنه قال إني لأسافر الساعة من النهار فأقصر وعن علي أنه خرج إلى البجيلة فصلى بهم الظهر ركعتين ثم رجع من يومه . وقال عمرو بن دينار قال لي جابر بن زيد أقصر بعرفة .

                                                                      فأما مذهب الفقهاء فإن الأوزاعي قال عامة العلماء يقولون مسيرة يوم تام وبهذا نأخذ . وقال مالك القصر من مكة إلى عسفان وإلى الطائف وإلى جدة ، وهو قول أحمد بن حنبل وإسحاق ، وإلى نحوه أشار الشافعي حين قال ليلتين قاصدتين .

                                                                      وروي عن الحسن والزهري قريب من ذلك قالا يقصر في مسيرة يومين . واعتمد الشافعي في ذلك قول ابن عباس حين سئل فقيل له نقصر إلى عرفة قال لا ولكن إلى عسفان وإلى جدة وإلى الطائف . وروى عن ابن عمر مثل ذلك وهو أربعة برد وهذا عن ابن عمر أصح الروايتين . وقال سفيان الثوري وأصحاب الرأي لا يقصر إلا في مسافة ثلاثة أيام انتهى .

                                                                      قال المنذري : وأخرجه مسلم .




                                                                      الخدمات العلمية