[ ص: 120 ] النوع التاسع .
معرفة سبب النزول .
أفرده بالتصنيف جماعة أقدمهم
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني شيخ البخاري ، ومن أشهرها كتاب
الواحدي على ما فيه من إعواز ، وقد اختصره
الجعبري فحذف أسانيده ، ولم يزد عليه شيئا .
وألف فيه شيخ الإسلام
أبو الفضل ابن حجر كتابا مات عنه مسودة ، فلم نقف عليه كاملا .
وقد ألفت فيه كتابا حافلا موجزا محررا لم يؤلف مثله في هذا النوع ، سميته " لباب النقول في أسباب النزول " .
قال
الجعبري :
nindex.php?page=treesubj&link=28860نزول القرآن على قسمين : قسم نزل ابتداء ، وقسم نزل عقب واقعة أو سؤال ، وفي هذا النوع مسائل :
المسألة الأولى :
[
فوائد معرفة أسباب النزول ] زعم زاعم أنه لا طائل تحت هذا الفن ، لجريانه مجرى التاريخ . وأخطأ في ذلك ، بل له فوائد :
منها : معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم .
ومنها : تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب .
ومنها : أن اللفظ قد يكون عاما ، ويقوم الدليل على تخصيصه ، فإذا عرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته ، فإن دخول صورة السبب قطعي وإخراجها بالاجتهاد ممنوع كما حكى الإجماع عليه
القاضي أبو بكر في التقريب ، والالتفات إلى من شذ ، فجوز ذلك .
[ ص: 121 ] ومنها : الوقوف على المعنى وإزالة الإشكال : قال
الواحدي : لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها .
وقال
ابن دقيق العيد : بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن .
وقال
ابن تيمية : معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية ، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب .
وقد أشكل على
nindex.php?page=showalam&ids=17065مروان بن الحكم معنى قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=188لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [ آل عمران : 188 ] وقال : لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي ، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا ، لنعذبن أجمعون ، حتى بين له
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء فكتموه إياه ، وأخبروه بغيره ، وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه ، واستحمدوا بذلك إليه . أخرجه الشيخان .
وحكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=5559عثمان بن مظعون وعمرو بن معدي كرب أنهما كانا يقولان : الخمر مباحة ، ويحتجان بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية [ المائدة : 93 ] ولو علما سبب نزولها لم يقولا ذلك ، وهو أن ناسا قالوا لما حرمت الخمر : كيف بمن قتلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر وهي رجس ؟ فنزلت . أخرجه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهما .
ومن ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر [ الطلاق : 4 ] فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة ، حتى قال
الظاهرية : بأن
الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب . وقد بين ذلك سبب النزول ، وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد النساء ، قالوا : قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن : الصغار والكبار ، فنزلت . أخرجه
الحاكم ، عن
أبي . فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما
[ ص: 122 ] حكمهن في العدة وارتاب : هل عليهن عدة أو لا ؟ وهل عدتهن كاللاتي في سورة البقرة أو لا ؟ فمعنى ( إن ارتبتم ) إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتددن ، فهذا حكمهن .
ومن ذلك قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله [ البقرة : 115 ] . فإنا لو تركنا ومدلول اللفظ لاقتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا ، وهو خلاف الإجماع ، فلما عرف سبب نزولها على أنها في نافلة السفر ، أو فيمن صلى بالاجتهاد وبان له الخطأ ; على اختلاف الروايات في ذلك .
ومن ذلك قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إن الصفا والمروة من شعائر الله [ البقرة : 158 ] ، فإن ظاهر لفظها لا يقتضي أن السعي . فرض وقد ذهب بعضهم إلى عدم فرضيته تمسكا بذلك ، وقد ردت
عائشة على
عروة في فهمه ذلك بسبب نزولها ، وهو أن الصحابة تأثموا من السعي بينهما لأنه من عمل الجاهلية ، فنزلت .
ومنها : دفع توهم الحصر : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ما معناه في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما الآية [ الأنعام : 145 ] : أن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله ، وكانوا على المضادة والمحادة ، فجاءت الآية مناقضة لغرضهم ، فكأنه قال : لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه ، نازلا منزلة من يقول : لا تأكل اليوم حلاوة ، فتقول : لا آكل اليوم إلا الحلاوة ، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة ، فكأنه تعالى قال : لا حرام إلا ما أحللتموه ، من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ، ولم يقصد حل ما وراءه ، إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين : وهذا في غاية الحسن ، ولولا سبق
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إلى ذلك لما كنا نستجيز مخالفة مالك في حصر المحرمات فيما ذكرته الآية .
ومنها : معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها ، ولقد قال
مروان في
nindex.php?page=showalam&ids=72عبد الرحمن بن أبي بكر : إنه الذي أنزل فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17والذي قال لوالديه أف لكما [ الأحقاف : 17 ] حتى ردت عليه
عائشة وبينت له سبب نزولها .
[ ص: 123 ] المسألة الثانية :
اختلف أهل الأصول : هل
nindex.php?page=treesubj&link=21162العبرة بعموم اللفظ أو بخصوص السبب ؟ .
والأصح عندنا : الأول ، وقد نزلت آيات في أسباب ، واتفقوا على تعديتها إلى غير أسبابها كنزول آية الظهار في
سلمة بن صخر ، وآية اللعان في شأن
هلال بن أمية ، وحد القذف في رماة
عائشة ، ثم تعدى إلى غيرهم .
ومن لم يعتبر عموم اللفظ قال : خرجت هذه الآيات ونحوها لدليل آخر ، كما قصرت آيات على أسبابها اتفاقا لدليل قام على ذلك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في سورة الهمزة : يجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ، ليتناول كل من باشر ذلك القبيح ، وليكون ذلك جاريا مجرى التعريض .
قلت : ومن الأدلة على اعتبار عموم اللفظ : احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة ، شائعا ذائعا بينهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير : حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=12073محمد بن أبي معشر ، أخبرنا
أبي أبو معشر نجيح ، سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد المقبري يذاكر
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي ، فقال
سعيد : إن في بعض كتب الله : إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل ، وقلوبهم أمر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين ، يجترون الدنيا بالدين . فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب : هذا في كتاب الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا الآية [ البقرة : 204 ] ، فقال سعيد : قد عرفت فيمن أنزلت ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب : إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد .
فإن قلت : فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، لم يعتبر عموم :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=188لا تحسبن الذين يفرحون الآية [ آل عمران : 188 ] ، بل قصرها على ما أنزلت عليه من قصة أهل الكتاب .
[ ص: 124 ] قلت : أجيب عن ذلك بأنه لا يخفى عليه أن اللفظ أعم من السبب ، لكنه بين أن المراد باللفظ خاص ، ونظيره تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82ولم يلبسوا إيمانهم بظلم [ الأنعام : 82 ] بالشرك من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم [ لقمان : 13 ] مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم .
وقد ورد عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم ، فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم : حدثنا
علي بن الحسين ، حدثنا
محمد بن أبي حماد ، حدثنا
أبو ثميلة بن عبد المؤمن ، عن
نجدة الحنفي قال : سألت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، عن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما [ المائدة : 38 ] أخاص أو عام ؟ قال : بل عام .
وقال
ابن تيمية : قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم : هذه الآية نزلت في كذا ، لا سيما إن كان المذكور شخصا كقولهم : إن آية الظهار نزلت في امرأة
nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس ، وإن آية الكلالة نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله ، وإن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم [ المائدة : 49 ] نزلت في
بني قريظة والنضير ، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين
بمكة ، أو في قوم من
اليهود والنصارى ، أو في قوم من المؤمنين ، فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم ، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق ، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه ؟ فلم يقل أحد : إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين وإنما غاية ما يقال : إنها تختص بنوع ذلك الشخص فيعم ما يشبهه ، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ ، والآية التي لها سبب معين : إن كانت أمرا أو نهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته وإن كانت خبرا بمدح أو ذم ، فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته . انتهى .
تنبيه : قد علمت مما ذكر أن فرض المسألة في لفظ له عموم أما آية نزلت في معين ولا عموم للفظها فإنها تقصر عليه قطعا ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وسيجنبها الأتقى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الذي يؤتي ماله يتزكى [ الليل : 17 - 18 ] فإنها نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق بالإجماع ، وقد استدل بها
nindex.php?page=showalam&ids=16785الإمام فخر الدين الرازي مع قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13إن أكرمكم عند الله أتقاكم [ الحجرات : 13 ] على أنه
أفضل الناس بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ووهم من ظن أن الآية عامة في كل من عمل عمله ، إجراء له على القاعدة ، وهذا غلط فإن هذه الآية ليس فيها صيغة عموم ، إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع زاد قوم : ( أو مفرد ) ، بشرط أن لا يكون هناك عهد . واللام في
[ ص: 125 ] الأتقى ليست موصولة ، لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا ، والأتقى ليس جمعا بل هو مفرد ، والعهد موجود ، خصوصا مع ما يفيده صيغة ( أفعل ) من التمييز وقطع المشاركة ، فبطل القول بالعموم وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه - رضي الله عنه - .
المسألة الثالثة :
[
[ ص: 120 ] النَّوْعُ التَّاسِعُ .
مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ .
أَفْرَدَهُ بِالتَّصْنِيفِ جَمَاعَةٌ أَقْدَمُهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=16604عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ ، وَمِنْ أَشْهَرِهَا كِتَابُ
الْوَاحِدِيِّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ إِعْوَازٍ ، وَقَدِ اخْتَصَرَهُ
الْجَعْبَرِيُّ فَحَذَفَ أَسَانِيدَهُ ، وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا .
وَأَلَّفَ فِيهِ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
أَبُو الْفَضْلِ ابْنُ حَجَرٍ كِتَابًا مَاتَ عَنْهُ مُسْوَدَّةً ، فَلَمْ نَقِفْ عَلَيْهِ كَامِلًا .
وَقَدْ أَلَّفْتُ فِيهِ كِتَابًا حَافِلًا مُوجَزًا مُحَرَّرًا لَمْ يُؤَلَّفْ مَثَلُهُ فِي هَذَا النَّوْعِ ، سَمَّيْتُهُ " لُبَابُ النُّقُولِ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ " .
قَالَ
الْجَعْبَرِيُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=28860نُزُولِ الْقُرْآنِ عَلَى قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ نَزَلَ ابْتِدَاءً ، وَقِسْمٌ نَزَلَ عَقِبَ وَاقِعَةٍ أَوْ سُؤَالٍ ، وَفِي هَذَا النَّوْعِ مَسَائِلٌ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى :
[
فَوَائِدُ مَعْرِفَةِ أَسْبَابِ النُّزُولِ ] زَعَمَ زَاعِمٌ أَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَ هَذَا الْفَنِّ ، لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى التَّارِيخِ . وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ ، بَلْ لَهُ فَوَائِدُ :
مِنْهَا : مَعْرِفَةُ وَجْهِ الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَشْرِيعِ الْحُكْمِ .
وَمِنْهَا : تَخْصِيصُ الْحُكْمِ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى أَنَّ الْعِبْرَةَ بِخُصُوصِ السَّبَبِ .
وَمِنْهَا : أَنَّ اللَّفْظَ قَدْ يَكُونُ عَامًّا ، وَيَقُومُ الدَّلِيلُ عَلَى تَخْصِيصِهِ ، فَإِذَا عُرِفَ السَّبَبُ قَصُرَ التَّخْصِيصُ عَلَى مَا عَدَا صُورَتَهُ ، فَإِنَّ دُخُولَ صُورَةِ السَّبَبِ قَطْعِيٌّ وَإِخْرَاجُهَا بِالَاجْتِهَادِ مَمْنُوعٌ كَمَا حَكَى الْإِجْمَاعَ عَلَيْهِ
الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ فِي التَّقْرِيبِ ، وَالِالْتِفَاتَ إِلَى مَنْ شَذَّ ، فَجَوَّزَ ذَلِكَ .
[ ص: 121 ] وَمِنْهَا : الْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى وَإِزَالَةُ الْإِشْكَالِ : قَالَ
الْوَّاحِدِيُّ : لَا يُمْكِنُ تَفْسِيرُ الْآيَةَ دُونَ الْوُقُوفِ عَلَى قِصَّتِهَا وَبَيَانِ نُزُولِهَا .
وَقَالَ
ابْنُ دَقِيقٍ الْعِيدُ : بَيَانُ سَبَبِ النُّزُولِ طَرِيقٌ قَوِيٌّ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ .
وَقَالَ
ابْنُ تَيْمِيَةَ : مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ ، فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُوَرِّثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبَّبِ .
وَقَدْ أَشْكَلَ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=17065مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ مَعْنَى قَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=188لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا [ آلِ عِمْرَانَ : 188 ] وَقَالَ : لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحٌ بِمَا أُوتِيَ ، وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا ، لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ ، حَتَّى بَيَّنَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ حِينَ سَأَلَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ ، وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ ، وَأَرَوْهُ أَنَّهُمْ أَخْبَرُوهُ بِمَا سَأَلَهُمْ عَنْهُ ، وَاسْتَحْمَدُوا بِذَلِكَ إِلَيْهِ . أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ .
وَحُكِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=5559عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَعَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبَ أَنَّهُمَا كَانَا يَقُولَانِ : الْخَمْرُ مُبَاحَةٌ ، وَيَحْتَجَّانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=93لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا الْآيَةَ [ الْمَائِدَةُ : 93 ] وَلَوْ عَلِمَا سَبَبَ نُزُولِهَا لَمْ يَقُولَا ذَلِكَ ، وَهُوَ أَنَّ نَاسًا قَالُوا لَمَّا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ : كَيْفَ بِمَنْ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ الِلَّهِ وَمَاتُوا وَكَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَهِيَ رِجْسٌ ؟ فَنَزَلَتْ . أَخْرَجَهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=4وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ [ الطَّلَاقِ : 4 ] فَقَدْ أَشْكَلَ مَعْنَى هَذَا الشَّرْطِ عَلَى بَعْضِ الْأَئِمَّةِ ، حَتَّى قَالَ
الظَّاهِرِيَّةُ : بِأَنَّ
الْآيِسَةَ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا إِذَا لَمْ تُرَتِّبْ . وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ سَبَبَ النُّزُولِ ، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتِ الْآيَةُ الَّتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي عِدَدِ النِّسَاءِ ، قَالُوا : قَدْ بَقِيَ عَدَدٌ مِنْ عِدَدِ النِّسَاءِ لَمْ يُذْكَرْنَ : الصِّغَارُ وَالْكِبَارُ ، فَنَزَلَتْ . أَخْرَجَهُ
الْحَاكِمُ ، عَنْ
أُبَيٍّ . فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ الْآيَةَ خِطَابٌ لِمَنْ لَمْ يَعْلَمْ مَا
[ ص: 122 ] حُكْمُهُنَّ فِي الْعِدَّةِ وَارْتَابَ : هَلْ عَلَيْهِنَّ عِدَّةٌ أَوْ لَا ؟ وَهَلْ عِدَّتُهُنَّ كَاللَّاتِي فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ أَوْ لَا ؟ فَمَعْنَى ( إِنِ ارْتَبْتُمْ ) إِنْ أَشْكَلَ عَلَيْكُمْ حُكْمُهُنَّ وَجَهِلْتُمْ كَيْفَ يَعْتَدِدْنَ ، فَهَذَا حُكْمُهُنَّ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [ الْبَقَرَةِ : 115 ] . فَإِنَّا لَوْ تُرِكْنَا وَمَدْلُولَ اللَّفْظِ لَاقْتَضَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ سَفَرًا وَلَا حَضَرًا ، وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، فَلَمَّا عُرِفَ سَبَبُ نُزُولِهَا عَلَى أَنَّهَا فِي نَافِلَةِ السَّفَرِ ، أَوْ فِيمَنْ صَلَّى بِالَاجْتِهَادِ وَبَانَ لَهُ الْخَطَأُ ; عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِي ذَلِكَ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ [ الْبَقَرَةِ : 158 ] ، فَإِنَّ ظَاهِرَ لَفْظِهَا لَا يَقْتَضِي أَنَّ السَّعْيَ . فَرْضٌ وَقَدْ ذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَدَمِ فَرْضِيَّتِهِ تَمَسُّكًا بِذَلِكَ ، وَقَدْ رَدَّتْ
عَائِشَةُ عَلَى
عُرْوَةَ فِي فَهْمِهِ ذَلِكَ بِسَبَبِ نُزُولِهَا ، وَهُوَ أَنَّ الصَّحَابَةَ تَأَثَّمُوا مِنَ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ ، فَنَزَلَتْ .
وَمِنْهَا : دَفْعُ تَوَهُّمِ الْحَصْرِ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ مَا مَعْنَاهُ فِي قَوْلِهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا الْآيَةَ [ الْأَنْعَامِ : 145 ] : أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا حَرَّمُوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَأَحَلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ ، وَكَانُوا عَلَى الْمُضَادَّةِ وَالْمُحَادَّةِ ، فَجَاءَتِ الْآيَةُ مُنَاقِضَةً لِغَرَضِهِمْ ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : لَا حَلَالَ إِلَا مَا حَرَّمْتُمُوهُ وَلَا حَرَامَ إِلَا مَا أَحْلَلْتُمُوهُ ، نَازِلًا مَنْزِلَةَ مِنْ يَقُولُ : لَا تَأْكُلِ الْيَوْمَ حَلَاوَةً ، فَتَقُولُ : لَا آكُلُ الْيَوْمَ إِلَا الْحَلَاوَةَ ، وَالْغَرَضُ الْمُضَادَّةُ لَا النَّفْيُ وَالْإِثْبَاتُ عَلَى الْحَقِيقَةِ ، فَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : لَا حَرَامَ إِلَا مَا أَحْلَلْتُمُوهُ ، مِنَ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ الِلَّهِ بِهِ ، وَلَمْ يَقْصِدْ حِلَّ مَا وَرَاءَهُ ، إِذِ الْقَصْدُ إِثْبَاتُ التَّحْرِيمِ لَا إِثْبَاتُ الْحِلِّ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12441إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ : وَهَذَا فِي غَايَةِ الْحُسْنِ ، وَلَوْلَا سَبْقُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ إِلَى ذَلِكَ لَمَا كُنَّا نَسْتَجِيزُ مُخَالَفَةَ مَالِكٍ فِي حَصْرِ الْمُحَرَّمَاتِ فِيمَا ذَكَرَتْهُ الْآيَةُ .
وَمِنْهَا : مَعْرِفَةُ اسْمِ النَّازِلِ فِيهِ الْآيَةُ وَتَعْيِينُ الْمُبْهَمُ فِيهَا ، وَلَقَدْ قَالَ
مَرْوَانُ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=72عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ : إِنَّهُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=17وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا [ الْأَحْقَافِ : 17 ] حَتَّى رَدَّتْ عَلَيْهِ
عَائِشَةُ وَبَيَّنَتْ لَهُ سَبَبَ نُزُولِهَا .
[ ص: 123 ] الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ :
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْأُصُولِ : هَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=21162الْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ أَوْ بِخُصُوصِ السَّبَبِ ؟ .
وَالْأَصَحُّ عِنْدَنَا : الْأَوَّلُ ، وَقَدْ نَزَلَتْ آيَاتٌ فِي أَسْبَابٍ ، وَاتَّفَقُوا عَلَى تَعْدِيَتِهَا إِلَى غَيْرِ أَسْبَابِهَا كَنُزُولِ آيَةِ الظِّهَارِ فِي
سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ ، وَآيَةِ اللِّعَانِ فِي شَأْنِ
هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ ، وَحَدِّ الْقَذْفِ فِي رُمَاةِ
عَائِشَةَ ، ثُمَّ تَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِمْ .
وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ عُمُومَ اللَّفْظِ قَالَ : خَرَجَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ وَنَحْوُهَا لِدَلِيلٍ آخَرَ ، كَمَا قُصِرَتْ آيَاتٌ عَلَى أَسْبَابِهَا اتِّفَاقًا لِدَلِيلٍ قَامَ عَلَى ذَلِكَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي سُورَةِ الْهُمَزَةِ : يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ خَاصًّا وَالْوَعِيدُ عَامًّا ، لِيَتَنَاوَلَ كُلَّ مَنْ بَاشَرَ ذَلِكَ الْقَبِيحَ ، وَلِيَكُونَ ذَلِكَ جَارِيًا مَجْرَى التَّعْرِيضِ .
قُلْتُ : وَمِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى اعْتِبَارِ عُمُومِ اللَّفْظِ : احْتِجَاجُ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ فِي وَقَائِعَ بِعُمُومِ آيَاتٍ نَزَلَتْ عَلَى أَسْبَابٍ خَاصَّةٍ ، شَائِعًا ذَائِعًا بَيْنَهُمْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ : حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=12073مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ ، أَخْبَرْنَا
أَبِي أَبُو مَعْشَرٍ نَجِيحٌ ، سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=15985سَعِيدَ الْمَقْبُرِيَّ يُذَاكِرُ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدَ بْنَ كَعَّبٍ الْقُرَظِيَّ ، فَقَالَ
سَعِيدٌ : إِنَّ فِي بَعْضِ كُتُبِ الِلَّهِ : إِنَّ لِلَّهِ عِبَادًا أَلْسِنَتُهُمْ أَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ ، وَقُلُوبُهُمْ أَمَرُّ مِنَ الصَّبْرِ لَبِسُوا لِبَاسَ مَسُوكِ الضَّأْنِ مِنَ اللِّينِ ، يَجْتَرُّونَ الدُّنْيَا بِالدِّينِ . فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : هَذَا فِي كِتَابِ الِلَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 204 ] ، فَقَالَ سَعِيدٌ : قَدْ عَرَفْتُ فِيمَنْ أُنْزِلَتْ ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ : إِنَّ الْآيَةَ تَنْزِلُ فِي الرَّجُلِ ثُمَّ تَكُونُ عَامَّةً بَعْدُ .
فَإِنْ قُلْتَ : فَهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ، لَمْ يَعْتَبِرْ عُمُومَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=188لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ الْآيَةَ [ آلِ عِمْرَانَ : 188 ] ، بَلْ قَصَرَهَا عَلَى مَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ مِنْ قِصَّةِ أَهْلِ الْكِتَابِ .
[ ص: 124 ] قُلْتُ : أُجِيبُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنَّ اللَّفْظَ أَعَمُّ مِنَ السَّبَبِ ، لَكِنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّفْظِ خَاصٌّ ، وَنَظِيرُهُ تَفْسِيرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=82وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [ الْأَنْعَامِ : 82 ] بِالشِّرْكِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [ لُقْمَانَ : 13 ] مَعَ فَهْمِ الصَّحَابَةِ الْعُمُومَ فِي كُلِّ ظُلْمٍ .
وَقَدْ وَرَدَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى اعْتِبَارِ الْعُمُومِ ، فَإِنَّهُ قَالَ بِهِ فِي آيَةِ السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي امْرَأَةٍ سَرَقَتْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ : حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَمَّادٍ ، حَدَّثَنَا
أَبُو ثَمِيلَةَ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ ، عَنْ
نَجْدَةَ الْحَنَفِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ ، عَنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=38وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا [ الْمَائِدَةِ : 38 ] أَخَاصٌّ أَوْ عَامٌّ ؟ قَالَ : بَلْ عَامٌّ .
وَقَالَ
ابْنُ تَيْمِيَةَ : قَدْ يَجِيءُ كَثِيرًا مِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُمْ : هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي كَذَا ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ الْمَذْكُورُ شَخْصًا كَقَوْلِهِمْ : إِنَّ آيَةَ الظِّهَارِ نَزَلَتْ فِي امْرَأَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=215ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ ، وَإِنَّ آيَةَ الْكَلَالَةِ نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ الِلَّهِ ، وَإِنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ [ الْمَائِدَةِ : 49 ] نَزَلَتْ فِي
بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنُّضَيْرِ ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ مِمَّا يَذْكُرُونَ أَنَّهُ نَزَلَ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
بِمَكَّةَ ، أَوْ فِي قَوْمٍ مِنَ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، أَوْ فِي قَوْمٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَالَّذِينَ قَالُوا ذَلِكَ لَمْ يَقْصِدُوا أَنَّ حُكْمَ الْآيَةِ يَخْتَصُّ بِأُولَئِكَ الْأَعْيَانِ دُونَ غَيْرِهِمْ ، فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ وَلَا عَاقِلٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَالنَّاسُ وَإِنْ تَنَازَعُوا فِي اللَّفْظِ الْعَامِّ الْوَارِدِ عَلَى سَبَبٍ هَلْ يَخْتَصُّ بِسَبَبِهِ ؟ فَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ : إِنَّ عُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ تَخْتَصُّ بِالشَّخْصِ الْمُعَيَّنِ وَإِنَّمَا غَايَةُ مَا يُقَالُ : إِنَّهَا تَخْتَصُّ بِنَوْعِ ذَلِكَ الشَّخْصِ فَيَعُمُّ مَا يُشْبِهُهُ ، وَلَا يَكُونُ الْعُمُومُ فِيهَا بِحَسْبِ اللَّفْظِ ، وَالْآيَةُ الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُعَيَّنٌ : إِنْ كَانَتْ أَمْرًا أَوْ نَهْيًا فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ خَبَرًا بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ ، فَهِيَ مُتَنَاوِلَةٌ لِذَلِكَ الشَّخْصِ وَلِمَنْ كَانَ بِمَنْزِلَتِهِ . انْتَهَى .
تَنْبِيهٌ : قَدْ عَلِمْتَ مِمَّا ذُكِرَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ فِي لَفْظٍ لَهُ عُمُومٌ أَمَّا آيَةٌ نَزَلَتْ فِي مُعَيَّنٍ وَلَا عُمُومَ لِلَفْظِهَا فَإِنَّهَا تَقْصُرُ عَلَيْهِ قَطْعًا ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=17وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=92&ayano=18الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى [ اللَّيْلِ : 17 - 18 ] فَإِنَّهَا نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصَّدِّيقِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَا
nindex.php?page=showalam&ids=16785الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِّيُّ مَعَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [ الْحُجُرَاتِ : 13 ] عَلَى أَنَّهُ
أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ الِلَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَوَهِمَ مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي كُلِّ مَنْ عَمِلَ عَمَلَهُ ، إِجْرَاءً لَهُ عَلَى الْقَاعِدَةِ ، وَهَذَا غَلَطٌ فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَيْسَ فِيهَا صِيغَةُ عُمُومٍ ، إِذِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ إِنَّمَا تُفِيدُ الْعُمُومَ إِذَا كَانَتْ مَوْصُولَةً أَوْ مُعَرَّفَةً فِي جَمْعٍ زَادَ قَوْمٌ : ( أَوْ مُفْرَدٌ ) ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ عَهْدٌ . وَاللَّامُ فِي
[ ص: 125 ] الْأَتْقَى لَيْسَتْ مَوْصُولَةً ، لِأَنَّهَا لَا تُوصَلُ بِأَفْعَلِ التَّفْضِيلِ إِجْمَاعًا ، وَالْأَتْقَى لَيْسَ جَمْعًا بَلْ هُوَ مُفْرَدٌ ، وَالْعَهْدُ مَوْجُودٌ ، خُصُوصًا مَعَ مَا يُفِيدُهُ صِيغَةُ ( أَفْعَلَ ) مِنَ التَّمْيِيزِ وَقَطْعِ الْمُشَارَكَةِ ، فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِالْعُمُومِ وَتَعَيَّنَ الْقَطْعُ بِالْخُصُوصِ وَالْقَصْرِ عَلَى مَنْ نَزَلَتْ فِيهِ - رَضِيَ الِلَّهِ عَنْهُ - .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ :
[